صحوة
أخيراً.. استحت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالخرطوم وأصدرت (احتمال) إدانة لجرائم متمردي الجبهة الثورية في جنوب كردفان على خلفية المجزرة التي نفذها متمردو قطاع الشمال بالقرب من “تلودي” حينما دهموا مصلين أبرياء وعزل مدنيين في صلاة الفجر فقتلوا نحو أكثر من أربعين مصلياً وجرحوا العشرات، هذا بخلاف أعمال النهب والسرقة التي طالت حتى أحذية الضحايا.. وقطعاً لن أقول شكراً لواشنطن، فهي شريك أصيل في تلك الجريمة، لأنها صمتت عن انتهاكات لتلك الجماعة لا تقل فظاعة عن أنشطة “بوكو حرام” أو أي من الجماعات التي تعدها الإدارة الأمريكية جماعات إرهابية لأنها تستهدف مدنيين بأعمال القتل والنهب والاختطاف.
لا داعي لاجترار جرائم الثورية فهي تمتد من دارفور إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي موثقة ومثبتة إن لم يكن في سجلات الحكومة والمنظمات والإعلام فهي مثبتة في أذهان المواطنين بتلكم الأصقاع، المواطنون الذين تنفسوا الصعداء يوم أن انزاح كابوس “مالك عقار” وحكمه من الدمازين، ويوم أن فكت جسارة الرجال يوم (الكتمة) في كادوقلي حين لم تسلم حتى المساجد من أعمال التخريب، كادوقلي التي تحملت القصف بالدانات القاتلة للأطفال وتلاميذ المدارس، ويومها عجزت واشنطن وربيبها الاتحاد الأوروبي عن تسجيل صوت لوم للمتمردين المقرين بفعلهم والمجاهرين بدمويتهم على ألسنة القادة السياسيين والناطقين باسمهم في الإعلام والأسافير.
إن إدانة السفارة الأمريكية بالخرطوم لحمام الدم الذي طال المعدنين الأهليين بالقرب من تلودي إنما تؤكد المؤكد من أن قطاع الشمال فصيل بلا قضية، وحشد من المغفلين والقتلة المأجورين، وإن لبس لبوس السياسة واستعار لسانها بتسويق الأكاذيب ورفع قمصان “عثمان” حين الضرورة، وهو بهذا حقيق أن يظل طريداً ومطارداً فمثله لا يرجى معه أو منه سلاماً، فصاحب القضية الأصيلة لا يفاقم عذابات أهله أو يشقق عليهم.
إن كانت واشنطن جادة في الأسف والحزن فعليها عوضاً عن إصدار البيانات لجم جماح التفلت لدى من تكفلهم وتحثهم على القتل وسفك الدماء، فهي وإن كانت تأسف الآن فقد وفرت لمن يصدرون الأوامر الغطاء السياسي والإعلامي، وربما، بل هذا أكيد، حثتهم على كثير من الهجمات، كما بذلت نصحها بعرقلة تحركات السلام بأكثر من صورة بقدر جعل من الصحافيين المتابعين لمفاوضات السلام حول المنطقتين يطلقون لقب المنحوس الأمريكي، يقصدون المبعوث الأمريكي، الذي ما يحل على الجولة إلا وكان هذا مؤشراً للحاضرين للبحث لهم عن حجوزات لمغادرة موقع التفاوض والعودة إلى أشغالهم وشواغلهم.
اللافت في حادثة قتل الأبرياء في منجم الذهب بتلودي أن الشهداء لم يجدوا نعياً أو دمعة من ناعٍ بطول إعلامنا الوطني وعرضه، ومضوا كقتلى في حادث سير في يوم عطلة رسمية أو كصرعى تحت أرجل النظارة في مدرج لكرة القدم اهتم أثناء الحادث فيه الجمهور بمحصلة اللقاء ومن صاحب الكأس، وسبب ذلك أن لا حكومة الولاية أو الحكومة المركزية احتسبت الشهداء، وكان خطأ محبطاً وتصرفاً غير لائق، وحسناً إن كان في الأمر حسن أن أسف واشنطن قد يعوض أولئك الضحايا بعض ما طالهم من تجاهل ونسيان في ذلك الصقع الموشى الآن بالدماء والأحزان، ثم الفجيعة.