المشهد السياسى
أم الدنيا.. مالها؟!
موسى يعقوب
عُرفت جمهورية مصر في التاريخ بأنها (أم الدنيا) لاستقرارها ونمائها ودورها الكبير في إمداد الآخرين بفرص التعليم ومعينات الثقافة، فقد كان “الأزهر الشريف” والمؤسسات العلمية المصرية قبلة لذلك، كما كانت مصر تنتج الفكر والشعر وتطبع والعالم الخارجي يقرأ. وكانت في السياحة الجاذبة الأولى للسائحين بمعالمها وخدماتها وإمكاناتها السياحية.
وخلاف ذلك كانت أم الدنيا بإمكاناتها الإدارية والتعليمية والمعرفية والعسكرية كذلك فضلاً عن الخبرة تدعم من حولها من دول عربية وأفريقية وغيرها بالكوادر الداعمة لها في تلك المجالات، ولا ننسى أنها الدولة المقر لجامعة الدول العربية وصاحبة القدح المعلى فيها خبرة وإمكانات.
وفي السنوات الأخيرة منذ رحيل نظام الرئيس المصري “حسني مبارك” ثم نظام الرئيس المنتخب “محمد مرسي” وإلى الآن في عهد الرئيس “السيسي” لا يجد المراقب والمتابع للشأن العام في الجمهورية إلا أن يسأل: أم الدنيا مالها؟ وما الذي جرى لها وهي ما عرفت بما ذكرنا كله وغيره.. ذلك أن دورها تراجع جراء حالة عدم الاستقرار التي طرأت عليها وفرضت نفسها في بلد معروفة بغير ذلك، بل كانت تمد الآخرين وتدعمهم ليستقروا وينتجوا وينموا.. ومن أولئك بلادنا السودان التي شهدت الدعم المصري لها في كل مجال وبخاصة التعليم والاقتصاد والأمن بعد الاستقلال ورحيل دولتي الحكم الثنائي – بريطانيا ومصر.
كل ذلك يغشى الذاكرة ويمر عليها لأن ما يجري في مصر في سنوات ما بعد “مبارك” و”مرسي” محير إلى حد كبير، وآخره ما جرى مؤخراً من حكم قضائي وإعدام بالجملة للدكتور “مرسي” وجماعته، ثم أخيراً وبالأمس الأول تحديداً كان ما حدث للسيد النائب العام المصري الذي تم تفجير سيارته عبر تفجير آخر سيارته. وأدى الحادث لوفاة السيد النائب العام وترك حزناً وألماً وسؤالاً محيراً في أجهزة الإعلام، وتمت إدانته بطبيعة الحال في الداخل والخارج، وكان ذلك قد تزامن مع حدث إرهابي تم في (سوسة) التونسية وقتل كثيرين من السواح الأجانب – البريطانيين تحديداً، فالحال من بعضه وربما كانت لكل أسبابه وتقديراته وإن كانت السلطات المصرية لم تخلص بعد إلى نتيجة قانونية وظل الإعلام هو سيد الموقف في الحالة المصرية المؤسفة والتي تضرب الأمن والاستقرار في مصر في مفصل إن لم يتدارك الأمر في جملته عقلاء قوم.. فالقاتل والمقتول ذهبا وبقى الحدث بتفاصيله الأخرى قيد النظر والتأمل.
من فعل الحادث (ذكراً أم أنثى) وما هي أسبابه وإلا من ينتمي كلها مما يجب أن يكون محل تدقيق، فللحدث المؤسف تأثيره ومردوده على الأمن والاستقرار وربما ما لا يقل عن ذلك على السياسة التي هي عنصر من عناصر الاستقرار والطمأنينة في العالم اليوم.
ذلك أن نظامي الرئيس “السادات” والرئيس “مبارك” من بعده وقد مكثا لأربعين عاماً أو تزيد.. قضت عليهما السياسة في نهاية المطاف ورغبة المواطن في نظام برلماني ديمقراطي منتخب.. رغم القبضة العسكرية وسيطرة الحزب الواحد التي كانت سيدة الموقف.
ليس كافياً أن السلطة في مصر أو أي بلد آخر أن تترك الإعلام وبعض الساسة يلعبون بالأحداث الكبيرة والخطيرة لصالحهم وأهدافهم، وإنما يجب أن تكون هناك – كما قلنا – عملية فحص و غربلة) دقيقة لما حدث – ممن حدث وكيف ولماذا. وما أثره على الاستقرار إجمالاً في الوطن الأم؟
والمسؤولية هنا – ولا يحتاج ذلك إلى كبير تذكير – تقع على الدست الحاكم بمؤسساته وعلى نحو أكثر جدية فليس كافياً أن يقال إنها عملية (إرهابية)، فالإرهاب من أين أتى ولماذا.. ولماذا في الظرف الراهن أكثر من أي ظرف مضى.
إن مصر (أم الدنيا) بكل تاريخها وزخمها وإمكاناتها لا يصح أن تعرف بين الدول المعاصرة بأنها دولة عدم استقرار أو إرهاب، لأن ذلك يذهب عنها الكثير من المنافع والمصالح والسمعة الأدبية.
وليست حادثة تفجير سيارة السيد النائب العام المصري وحدها وإنما أمور أخرى سبقتها يجب تعاطيها في هذا الشأن والخصوص ذلك أن الحال من بعضه – كما يقولون.. فأم الدنيا أحرى وأجدى بالاستقرار والسمعة الطيبة.
على كل حال نحن منتظرون ونتطلع إلى أن نسمع ما يجنب جمهورية مصر مخاطر عدم الاستقرار أياً كانت (إرهابية) أم سياسية أم غير ذلك، فالوطن يسع الجميع والحوار والتفاهم هو آلية العصر.. ولعل الحكومة السودانية ووزارة خارجيتها وهما يدعوان إلى الحوار مع الداخل والدول الغربية في الخارج تبدو أكثر وعياً لآليات العصر السياسية والدبلوماسية وغيره.. وأم الدنيا أجدى وأحق بذلك.. وإلا فالسؤال: أم الدنيا مالها – عنوان هذا المشهد السياسي في محله!