حوارات

(المجهر) تقلب صفحات الإنقاذ الأولى مع "رامبو"

يوسف عبد الفتاح: كنت مسؤولاً من مكتب الرئيس ومرتبه ألفي جنيه
هذه هي التفاصيل المثيرة لرفض قائد سلاح المهندسين التسليم للثورة حتى آخر لحظة
في ليلة الثورة كنت مع “صلاح الدين كرار” في فرع الاستخبارات العسكرية
الإنقاذ لم تمت ولو كان الشهيد “الزبير” موجوداً لما ابتعدت عن النظام
حوار – سعدية إلياس
غداً تحل الذكرى الـ(26) لثورة الإنقاذ التي جاءت بالعميد – وقتها- عمر حسن أحمد البشير رئيساً، مضت السنوات ورحل من رحل من تلك القيادات التي فجرت الثورة، لكن ما تزال الذكرى باقية، (المجهر) قلبت بهذه المناسبة تلك الأيام الأولى، من عمر الثورة وكيف شقت طريقها لتكتب في تاريخ السودان، ثورة عمرها (26) عاماً.
ضم مجلس قيادة الثورة كلاً من العميد “عـمر حسـن أحـمد الـبشـيـر”، “الـزبيــر محـمـد صـالـح”، “فيـصل مـدنـي مختـــــار”، “إبراهيم شـمـس الـديـن”، “إبراهيم نـايـل إيدام”، “بيـويـو كـوان”، “دومـنيـك كـاسيـانـو”، “مـحـمد الأمـيـن خليـفة”، “عـثمان أحـمد حـسـن”، “مـارتـن ملـوال”، “بـكري حـسـن صـالـح”، “سـليـمان محـمد سـليمان”، “التيـجانـي آدم الـطاهـر”، “فيـصـل أبو صـالـح”، صـلاح محـمد أحمـد أحـمـد كـرار.
(المجهر) التقت بالعميد “يوسف عبد الفتاح الشهير” بـ(رامبو)، أحد أبرز الضابط الذين شاركوا في الثورة عبر حوار حكا لنا فيه بعضاً من تفاصيل ذلك اليوم الجمعة 30 يونيو 1989م، وكيف استطاع مجلس الـ(15) ومعاونوه من تسلم السلطة، فيما يلي تفاصيل ما دار من حديث مع العميد (م) “رامبو”.
{ “يوسف عبد الفتاح” نجم سطع في أيام الإنقاذ الأولى؟
أشتاق إلى أيام الثورة والمبادئ
{ أين كان “يوسف” في ليلة الانقلاب؟
–    بدأت الثورة بالليل، وكنت حينها مع الأخ “صلاح الدين كرار” لانو كان مسؤولاً من الخرطوم ومجموعة الانقلاب، وكنت في مكتبه فرع الاستخبارات العسكرية وتحركنا مع مدير فرع الاستخبارات في ذاك الوقت، وذهبنا بعد ذلك إلى القيادة العامة مع الأخ النقيب “ياسر”، وقمنا بتنوير كتيبة الخدمة الموجودة بالقيادة العامة. وتنوير خدمة سلاح الحدود. ولحسن الحظ وجدنا الأخ المقدم “الزين” (نبطشي) وهو رجل دفعة في الكلية العسكرية، وبعد ذلك قمنا بتنوير الشرطة العسكرية، وأيضاً وجدنا فيها (نبطشي) “أحمداي”.
ومن المواقف التي مرت بنا في أيام الثورة عندما رجعنا للقيادة وجدت النقيب “قلندر أحمد عبد المعين”، يبلس في (قاشه) وهو منزعج، وحينها سألته: وقلت له (مالك في شنو)؟ دار عليّ قائلاً: في بت ضربت في التلفون الـ(ميكرويف) وهي تبكي تقول إنها بنت اللواء “أحمد بابلين” قائد سلاح المظلات، وقائد منطقة الخرطوم العسكرية، قد تم اعتقاله من قبل خمسة أفراد وأخذوه من بيته، وأنا الآن في سرية المظلات استعداد، وهي فيها 120 شخصاً، وأنا ذاهب لفك اعتقال “بابلين”، عندها قلت له لا تذهب فنحن من أمسك به لأننا قمنا بثورة انقلابية، ولو ذهب النقيب بتلك القوة هذا يعني أن الانقلاب قد فشل.
{ وماذا كانت ردة فعله؟
–    سألني وقال لي من هو قائد هذه الثورة، فقلت له الأخ العميد ركن “عمر أحمد البشير”، ثم أخذ نفساً وقال لي مبروك، وهي تعني باللغة العسكرية عملك جيد.
{ ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
–    بعد ذلك دخل علينا الأخ الرئيس و”بكري حسن صالح”، بعد أن تم تنوير القوات الخاصة خارج القيادة. وبعد ذلك قلت للأخ “البشير” إن الأجهزة لم يتم قطعها وقمت بإخطار المسؤولين لقطع الأجهزة داخل القيادة.
وذهبنا أنا والأخ “بكري حسن صالح” لإخراج الدبابات أمام القيادة لحراسة البوابة، ثم عدنا للقيادة وأصبحت القوات تستجيب للنداء وتؤيد النظام، حيث كان يتولى القيادة في منطقة جبل أولياء الشهيد “الزبير محمد صالح”، وفي منطقة وادي سيدنا “عبد الرحيم محمد حسين”، وفي بحري “عثمان أحمد الحسن”، وفي منطقة الخرطوم “صلاح كرار” وكل المناطق بدأت تؤيد إلا منطقة أم درمان. وعندها قال القائد “عمر البشير” كل المناطق أيدت عدا أم درمان سلاح المهندسين، وكان قائدها اللواء ركن “أمين أبو شوك”.
{ وماذا فعلتم؟
–    قلت للأخ الرئيس أن نذهب بسلاح المظلات ونجعلهم يؤيدون بقوة ولكن الرئيس رفض وقال نريدها بيضاء، وفي أثناء حديثنا دخل علينا في القيادة مولانا “محمد عثمان محمد سعيد” بـ(بوكس) وعندها قام الأخ “عمر البشير” بإخباره قائلاً: كل الوحدات أيدت الثورة عدا منطقة أم درمان العسكرية، وأمره قائلاً اذهب أنت و”يوسف” لإقناع قائد منطقة أم درمان لأجل مصلحة البلد، وفعلاً ذهبنا إلى أم درمان بذات (البوكس) الذي كان يركبه مولانا “عثمان”،  وقمنا بوضع خطة وهي أن يقوم مولانا بمخاطبة القائد “أمين أبو شوك”، وأقوم أنا بإقناع الضباط العسكريين بحكم أنني درست مع معظمهم بالكلية الحربية، حيث سهلت مهمتي كثيراً وقابلت الضباط وخاطبتهم بأهمية قيام الثورة والأسباب التي أدت قيامها من ضمنها المعاناة، وأنهم لا يجدون الدعم المادي ولا المعنوي للقوات المسلحة واستقرار السياسة. وفي نفس الوقت القوات تقدم الشهداء وعندما انتهيت من حديثي شعرت بارتياح من الضباط، فقد تمت تهيئتهم على أن هناك تغييراً قادماً.
وبعد ذلك خرجنا من أم درمان من غير موافقة قاطعة، وكان ردهم علينا نحن لا نعترض على قيام الثورة، ولكن سندرس الموضوع، وخرجنا ولم نأخذ تأييداً، ونحن نهم بالخروج وجدنا دبابتين يجلس على أحداها المقدم طبيب الطيب (سيخة)، ونزل من أعلى الدبابة وسأل مولانا وقصصنا عليه القصة كاملة، وماذا حدث وقبل أن نكمل حديثنا مع “الطيب”، جاءت (4) دبابات أخرى واحدة يركب عليها الرائد الشهيد “إبراهيم شمس الدين”، وسألنا أيضاً وقصصنا عليه وكان رده لنا: “هذا كلام ني”، لماذا لا نقوم بضرب السلاح وندعهم يؤيدون بالقوة، ولكن عندها رفض مولانا “عثمان” وقال لا نود استخدام القوة، ورد عليه مرة أخرى “إبراهيم شمس الدين”، قائلاً: ولكن كده ح نضيع الثورة.
في ذات اللحظة قمت أنا بإمساكه قلت انتظر قليلاً، وطلبت منه أن يمرر  عليهم الدبابات، وعندما رأى “أمين” الـ(6) دبابات اقتنع، وعندما رجعنا إلى القيادة العامة أبلغنا السيد الرئيس بأن أم درمان أبدت الموافقة.
{ تلاحظ الآن مجلس الثورة مكون من (15) عضواً ومع ذلك تجد أن هناك مشاركين أصليين ليسوا في هذا المجلس مثلاً الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” كان مشاركاً أساسياً لكن لم يظهر اسمه في المجلس؟
–    مجلس الثورة المكون من 15 عضواً تم اختياره ليمثل مناطق السودان المختلفة وليس بالضرورة أن تكون عضو مجلس حتى يكون مشاركاً في الثورة، فنحن قد أخذنا مهاماً مختلفة في الثورة، وهناك أعضاء تم اختيارهم لمعرفتهم في الجيش وتميزهم بأخلاق وقيم فاضلة وآخرون ليمثلون الأسلحة الأخرى في القوات المسلحة وهكذا، والبعض من هؤلاء الـ(15) لم يشارك بصورة مباشرة.
{ هل هناك قادة خلف الكواليس لا نعرف جهدهم في الثورة؟
–    أكيد هناك قادة أساسيون كانوا في الوحدات العسكرية شاركوا لم يأخذوا أي موقع سياسي وظلوا في الجيش حتى أحيلوا إلى المعاش.

 
{ وماذا كان دورك بعد نجاح الثورة؟
–    في فترة الإنقاذ الأولى وتحديداً لمدة ثلاثة أو أربعة أيام كنت المسؤول من مكتب الرئيس، من تنظيم مواعيده وأيضاً كنت مسؤولاً من مرتب الرئيس وكانت قيمته (ألفي جنيه). وقتها أذكر أنني قسمته إلى نصفين نصف جلبت به أكل لناس الخدمات،  والنصف الآخر أرسلته إلى أسرته، وعندما أبلغت الرئيس بأنني قمت بكذا وكذا قال لي الحمد لله.
{ أين كان “يوسف” قبل ليلة الانقلاب؟
–    كنت في العمليات بالجنوب قائد القطاع الأوسط، وجئت من هناك لدراسة كورس يسمى قائد الكتائب.
{ وفي ليلة الانقلاب؟
–    كنت بايت في فرع التوجيه المعنوي مع الأخ الرائد “ياسر”.
{ وماذا كان انطباعك عن الإنفاذ كثورة قادمة؟
–    الإنقاذ في بداياتها ضربت نموذجاً في نكران الذات رغم ضعف الإمكانيات وكانت فيها مصداقية وعدل ومساواة رغم نقص الكساء والدواء، وكانت الأسرة تأخذ ثلاثة (رغيفات) والسكر كان بالوقية، إلا أن الناس كانت مبسوطة وربنا فاتحها على الناس رغم الحصار السياسي على البلاد.
{ توليت منصب أول معتمد في ولاية الخرطوم في عهد الإنقاذ؟
–    لا أنا كنت نائب معتمد، ووزير مالية واقتصاد بالولاية، والآن أعمل مستشار ولاية الخرطوم، مسؤول عن هيئة ترقية السلوك الحضري، وهي هيئة معنية بتجميل العاصمة.
{ وماذا لو دارت بك عقارب الساعة؟
–    ولو دارت عقارب الساعة لقمت بعمل كثير منه قيام مشاريع إنتاجية ضخمة لتقليل الأسعار (قفة المواطن)، ومراقبة الأسواق وطرح مشروعات جادة لزيادة الإنتاج،  وبذل جهد أكبر ينصب في صالح المواطن.
{ كيف كانت توزع الخدمات على الناس في عهد الإنقاذ الأولى؟
–    المقارنة صعبة الآن الخبز موجود والسكر متوفر، زمان الناس كانت رابطة البطون والسكر كان بالبطاقة والبترول ما في، وقد يمر أسبوع دون بترول في السودان.
{ كنت تعمل مع الوالي الراحل “محمد عثمان محمد سعيد” عضو مجلس الثورة صف لنا تلك الأيام؟
–    أولاً أترحم على روحه وأن ينزله الله مع الشهداء والصديقين، وقد تعلمت من هذا الرجل الكثير وهو في خلق الصحابة متدين، كان يعمل بالليل والنهار، ومن صفاته كان يمنح مساحات كبيرة للعمل، والغيرة والحسد بعيدتان تماماً عن قلبه، ربنا يرحمه رحمة واسعة.
{ وماذا عن “رامبو” في شوارع الخرطوم؟
–    هذه قصة.. الاسم هو نكتة أقرب للحقيقة حيث اقترب موعد عيد الأضحية وقد قمنا بتسعير الخراف وعندما ذهبنا في اليوم التالي يبدو أن الأسعار لم تناسب التجار فقاموا بسحبها من السوق وكنت وقتها وزير المالية والتجارة، فلم أجد مفراً ألا أن أقوم بمعالجة المشكلة وطلبت طائرة مروحية لكشف الزرائب من أعلى لمداهمتها، وبالفعل قمنا بذلك بمساعدة (12) من عناصر سلاح المظلات، وفي إحدى الزرائب قفزت من أعلى الطائرة في تلك الزريبة الأمر الذي أدهش مواطناً كان يتابع في اندهاش، وقال: (دا رامبو)، فالتقطها أحد العسكريين وسار الاسم.
“رامبو” كان لا ينام الليل ولم يأخذ إجازة قط طيلة أيام الأسبوع، وعندما توفيت والدتي دفنتها بالزي العسكري، وأيضاً وضعتني المسؤولية في مكان المواطن في الشارع وفي المواصلات.
{ اشتهرت بمداهمة المخابز والمخازن شنو القصة؟
–    بعد الثروة كان واضحاً أن هناك نقصاً كبيراً في الخبز وكانت الأسرة الواحدة تأخذ خمس رغيفات بالبطاقة التموينية وإذا حصل أي تسرب يصعب على البعض الحصول على نصيبهم، وكذلك كان هناك نقص في أوزان الخبز مع ملاحظتنا لبعض الضوابط الصحية مثل وضع الخبز في الأرض، لذلك كنت أقوم بمداهمة المخابز بصورة مفاجئة مساعدة اللجان الشعبية.
{ أين أعضاء الثورة الـ(15) الآن؟
–    موجودون في المجتمع البعض له أعماله الخاصة والبعض الآخر انخرط في الحياة العامة وهذه سنة الحياة.
 
{ لماذا غادر الإنقاذيون الملعب السياسي؟
–     طبيعة المرحلة، والناس لا تبقى على حال واحد وهذه سنة الحياة، والتبديل مبني على قضية.
{ هل فيها نوع من العلاقات.. أم إنها تستند إلى شيء من ذلك؟
–    اسأل الله أن يكون غير ذلك.
 { صف هؤلاء في كلمات:
{البشير؟
–    “البشير” حسب معرفتي به رجل سوداني أصيل متواضع مخلص يجمع عليه أغلب أهل السودان، ويجد احتراماً عند الأحزاب المعارضة.
{ الزبير محمد صالح؟
–    أجد فيه الصدق والتلقائية والتواضع والقوة والشجاعة والإخلاص والتفاني، ولو كان موجوداً حتى هذه اللحظة لما وجد “يوسف عبد الفتاح” بعيداً عن النظام.
{ إبراهيم شمس الدين؟
–    الشجاعة المطلقة، ومن أميز الطلاب الذين مروا عليّ بالكلية الحربية، وكان أصغر عضو بمجلس الثورة ومتحمساً وواضحاً كالشمس.
{ عوض الجاز؟
–    من أحسن الوزراء الذين مروا على السودان متابعة ونظاماً ودقةً في العمل وإخلاصاً وتضحية.
{ وأخيراً.. الإنقاذ بعد مرور (26) عاماً هل ما تزال حية؟
–    الحمد لله في تقدم في أشياء كثيرة ومنها الصحة والتعليم الكهرباء والوقود، ولكن مازالت طموحاتنا وأشواقنا أكثر وأكبر، وأتمنى أن يتحسن مستوى المعيشة وينخفض الغلاء في قفة المواطن، وأن يمضي الجانب الاقتصادي في تحسن، فهي ما تزال حية فقد باتت مؤسسة خرج منها حزب قوي ورائد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية