رأي

مسالة مستعجلة

نصير الأطباء

نجل الدين ادم

رحل الشهيد بإذن الله الدكتور “محمد عبد الرازق” كبير الجراحين في صمت، جراء إصابته في حادث مروري مروع في طريق الخرطوم القطينة وهو قادم بعربته من مهمة عمل إنساني هناك.
 مات الرجل الطيب ولم يتعرف عليه رجالات المرور الإ بعد هاتف الزميلة بـ(المجهر) “فاطمة عوض”، لتستفسره عن خبر، فكان الصوت القادم غير!، لم يكن هو الصوت المألوف، لكن أصرت “فاطمة” على مواصلة المحادثة وهي تسأل المجيب (دا مش تلفون دكتور محمد عبد الرازق؟)، فكان الرد من قبل أحد عناصر شرطة المرور السريع أظنه، بأن صاحب هذا الهاتف قد توفي للتو في حادث مروري وهم الآن في طريقهم إلى المشرحة. هنا ألجمت “فاطمة” وزهلت ولم تستطع أن تستنطق الرجل عن أي معلومة أخرى عن مكان الحادث وتفاصيله، من فرط المفاجأة.
هكذا أراد الله للرجل الإنسان أن يرحل في ولاية النيل الأبيض ويعبر الخرطوم ليوارى الثرى في مسقط رأسه في ولاية نهر النيل بإحدى ضواحي محلية شندي، في شهر وأيام مباركات في رمضان وقد أنجز في خواتيم أيامه عملاً إنسانياً.
الكل عرف الراحل من خلال مواقفه الشجاعة من بعض سياسات تجفيف مستشفى الخرطوم وأيلولة المستشفيات ونقل الخدمات إلى الأطراف .. وكيف أنه نافح وعارض ذلك – معارضة الطبيب النقابي مع زملائه الذين يصغرونه سناً وخبرةً.
 وقف الرجل أمام تلك السياسات التي رأى أنها انتهاك لحقوق الأطباء والمرضى فتعرض للاعتقال والمساءلة والفصل التعسفي وإحالته للمعاش الإجباري، فقد شغل الرجل منصب مدير مستشفى الخرطوم وكانت وحدها تكفيه ليغض الطرف عن أي سياسة تفرضها الولاية من باب تأمين كرسيه، لكنه أبى إلا أن يسجل مواقف للتاريخ والإنسانية. عرف دكتور “عبد الرازق” بحبه اللامتناهي لمهنته وعشقه لمساعدة الضعفاء..  وكم تكفل بإجراء عمليات مجانية لبسطاء دون أن يعرف بذلك أحد، أحبه زملاؤه لصدقه وتفانيه في عمله وحرصه على تطوير مهنة الطب، وتقديم صغار الأطباء خطوة بعد خطوة، كان الراعي والأب والأخ للكثير منهم ومنهن. لم أرَ ما يضاهي حجم التفاعل مع رحيل الرجل وتسارع الكثيرين لتعديد مآثرة عبر (الفيس بوك) و(الواتساب)، كما حدث في حالة هذا الدكتور الإنسان.
زارنا الرجل لمرات في مقر الصحيفة يدخل في صمت وتواضع العلماء لا يعرفه إلا قلة قليلة، فقد مدت الزميلة “فاطمة” أواصر صلة الرجل بالصحيفة وكان عنواناً بارزاً لعدد من خطوط الأخبار التي نقلتها لنا “فاطمة”، كما أتحفنا الزميل “وليد النور” بحوار مميز مع الرجل عبر الصورة الوحيدة الخاصة بالصحيفة والتي وجدها الزملاء في الـ(القوقل) متاحة لتصاحب خبر الوفاة.
أقام الراحل مصلى أمام أحد منازله جوار صحيفة (آخر لحظة) .. يقوم بإصلاحه وتجهيزه بنفسه، فقد كان للراحل علاقات ممتازة مع الوسط الصحافي، رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك الفردوس الأعلى وجزاك عن فعل الخير أجراً مضعفاً، وكتبك مع الشهداء والصديقين. والمواساة لأسرتك وأهلك وذويك وكل من يعرفك (إنا لله وإنا إليه راجعون).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية