خيمتنا!!
لم تترك الأحزان مسارب للفرح.. وغطت على ساحات الأنس الجميل واللقَّيا تحت ظلال المهنة الجميلة متاعب الحياة وشظف العيش ومكابدة البحث عن (أم رقيقة) لإشباع بطون الزغب الصغار.. وقد أصبحت المهنة تتدحرج إلى أسفل.. والصحافة الورقية تحتضر وتموت بفعل الفاعل وقلة حيلة المفعول به.. التقينا على الحب والأمل في شاطئ النيل يوم الافتتاح لخيمة الصحافيين التي (غابت) العام الماضي أو غُيبت بقاهر جبار!! لم يشأ “محمد لطيف” الذي يعتصر أحزان فقدان شقيقته أن يقول شيئاً عن أسباب التوقف العام الماضي، وفي ذات الوقت ترك الباب موارباً هل سيكتب للخيمة البقاء في السنوات القادمات؟؟ وقد تهاطل مطر المساء حشود كبيرة من أهل المهنة والمرتبطين بها.. كُتاب.. ووراقون.. وناشرون ومطربون وشعراء ومطربات.. وعمال الأرض من جيل صحافي يطرق أبواب الدنيا بطريقته الخاصة.
خيّم على خيمة الصحافيين طيف علاقات “محمد لطيف” التي تمتد من يمين السلطة إلى يسار المعارضة.. جلس “كمال الجزولي” الأديب والمفكر والمثقف والمحامي ، ما عرضت قضية في المحاكم طرفها السلطة إلا ذهب منافحاً عن الضعيف، المتهم بغض النظر عن تهمته، لأن “كمال الجزولي” له موقف عقائدي وسياسي.. جلس بالقرب من وزير مالية الخرطوم “عادل محمد عثمان” القطب المريخي الشفيف.. وكان ثالثهم المهندس “طارق حمزة” المدير العام لشركة (سوداتيل).. وشكل تيار السلطة والحزب الحاكم في ليلة الافتتاح وجوداً.. “أميرة الفاضل” التي كشفت الخيمة عن اهتماماتها الثقافية، و”حمدي سليمان” النائب البرلماني.. و”محمد الأمين مصطفى” و”صلاح عمر الشيخ” ، وكلاهما قيادات في حزب المؤتمر الوطني، وقريباً من السلطة وبعيداً عنها، ثلة من السياسيين اللواء “فضل الله برمة ناصر”.. والدكتورة “سارة نقد الله” الأمين العام لحزب (الأمة).. وتمدد الوجود الصحافي من كل طيف ولون القيادات والنجوم والكادحون في سبيل المهنة كدحاً.
كل هؤلاء والمبدعون من الشعراء والأدباء جمعتهم خيمة الصحافيين حتى ولو فرقتهم المذاهب الفكرية والسياسية، لكن يبقى “كامل عبد الماجد” هو سيد الاسم.. وقد كشف “طارق حمزة” عن مواهب في إلقاء الشعر وموهبة أخرى في اختيار وانتقاء أبيات من الشعر تعبر عن عبق المكان وروح الزمان.. وقد نهض بإلقاء قصيدة للشاعر “سيف الدين الدسوقي” يقول فيها:
عد بي إلى النيل ولا تسأل عن التعب
الشوق طي ضلوعي ليس باللعب
لي في الديار ديار كلما طرفت عيني
يرف ضياؤها في دجى هدبي
وذكريات أحبابي إذا خطرت
أحس بالموج فوق البحر يلعب بي
شيخ كأن وقار الكون لحيته
وآخرون دماؤهم كونت نسبي
رائعاً كان “طارق حمزة” الذي لم يشأ يقدم نفسه كمستثمر في فرح الصحافة وراعياً مع شركة أخرى لفعاليات خيمة الصحافيين ،التي قيل لنا إنها ستمتد حتى غروب شمس يوم التاسع والعشرين من رمضان.. ما بين مسامرات لأهل السياسة والفن.. والشعر.. وغناء يلين أكباد جفت بفعل مهنة لا تتسرب إليها الأفراح إلا لقدر معلوم ثم يسود القلق والحزن دنيا الصحافيين.
اختار “محمد لطيف” فندقاً يليق بالصحافيين (القراند هوليدي فيلا) أو (الفندق الكبير) سابقاً.. وكان حرياً به وخيمتنا أن تنهض في عقر دار الصحافيين بالمقرن.. هي تتسع مكاناً لأنشطة ثقافية وفنية، ولكن (اتحادنا) غير متصالح مع الثقافة ،ولا مع رغبات قواعده.. وقد جفت حدائق الدار ثقافياً وفكرياً ، وعمرت مكاتب الاتحاد بالخدمات المادية من بيوت وتأمين صحي.. وقرعة إسكان.. لكن الدار لا يغني فيها مطرب ولا يزورها شاعر.. إذا كان أمين مال اتحاد الصحافيين يتشاجر مع رئيس تحرير صحيفة في تبادل الرأي في قضية عامة، ويعتدي “زميل” لفظياً على “آخر” لأن هذا الآخر، رفض ما اسماه تعديات السلطة على بعض الطلاب.. وكان أمين مال اتحاد الصحفيين صادقاً مع نفسه ، وهو يقول من يعارض الحكومة لا ينبغي له أن يدرس في جامعاتها.. ولو كنت وزيراً للتعليم لأمرت مديري الجامعات بفصل أي طالب معارض للحكومة لأنه طالب غير صالح.. ثار الدم في عروق البعض. واعتذرت لأعضاء الاتحاد عن زيارتنا لدارهم، ونثر حوار لا يطيقه بعض منسوبي الاتحاد.. فكيف تغرد عصافير فرقة (إبداع) للأستاذ “طارق الأمين”، وتغني للجمال في دار جدباء، إلا من كرم وحميمية رئيس الاتحاد.
وقد أدهشت الناس في خيمة الصحافيين حيوية “منصور خالد” وأدب ورقة “أميرة الفاضل”.. وقدرة “محمد لطيف” على نسج علاقات إنسانية واسعة، لا تعصف بها رياح الشتاء ولا الصيف.
{ قيم لايورتا
احتفت الصحافة في “أسبانيا” و”بريطانيا” بتصريحات انتخابية صدرت من رجل الأعمال الأسباني “خوان لايورتا” المرشح الأول لرئاسة النادي الكاتلوني برشلونة لدورة مدتها (6) سنوات و”خوان لايورتا” هو صانع فريق (التكي تاكا) وجالب لاعبين مثل “صموئيل أيتو” من ريال مايوركا.. و”ليونيل ميسي” من أكاديمية لامسيا و”أنيستنا” و”ديفيد فيا” من “فالنسيا”.. وحاصد الثلاثية الشهيرة بالمدرب “بيب غوارديولا”.. لكنه ترجل عن رئاسة النادي لـ”جوزيب مورسيل” الذي تنحى بعد فضائح شهيرة حرمت النادي من التعاقدات لمدة عام ونصف.. ولكن “خوان لايورتا” قال شيئاً عجيباً وهو يقدم نفسه لأعضاء النادي الكاتلوني لانتخابه ويتعهد حال فوزه بالمنصب بشطب اسم دولة “قطر” من (فنلات) لاعبي فريق برشلونة، وقال “لايورتا” قطر دولة عربية إسلامية تحكمها أسرة ونظام غير ديمقراطي.. فكيف نضع اسمها على صدر لاعبي برشلونة بما يتنافى وقيم وتقاليد هذا النادي.. هم أثرياء ويعتقدون أن أموالهم كفيلة بشراء كل شيء، لكن قيم وأخلاقيات الفريق الكاتلوني فوق ذهب وغاز ومال الدولة العربية.. إذا عدت لمقعد الرئاسة في برشلونة سنعيد كتابة اسم منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونسيف) من أجل خدمة الأطفال في العالم المقهور بالحروب.. نحن أغنياء بقيم وتقاليد الديمقراطية ولسنا في حاجة لأموال دولة “قطر”!!
“خوان لايورتا” شخصية سياسية في ثياب رياضية بدا محافظاً على القيم الغربية معتداً بنفسه وقدرات فريقه برشلونة، هذه الروح التي تحدث بها “خوان لايورتا” ربما استمدها من تاريخ النادي الذي نشأ صنواً لـ(ريال مدريد) فريق الأمراء والنبلاء والأثرياء.. لذلك أطلق عليه اسم الفريق (الملكي)، أما (برشلونة) فهو فريق الكادحين الفقراء في الإقليم الذي يطالب بالانفصال عن المملكة الأسبانية مثله وإقليم الباسك.. لكن (برشلونة) اليوم بات من أغنياء العالم بتضخم أرباح النادي من عوائد التلفزة والرعاية والبطولات التي حصدها في السنوات العشرة الأخيرة.
بالمال تشتري اللاعبين والأندية.. وتنهض الملاعب الكبيرة.. ولكن الأمجاد تصنعها القيم الراسخة والتضحيات، وقد هجم العرب على الأندية الإنجليزية.. فأنفقوا مليارات الجنيهات ولكنهم بالطبع لن يشتروا مجد (برشلونة) ولا كبرياء (بايرن ميونخ) ولا (ريال مدريد).. “خوان لايورتا” شخصية تكتب تاريخاً لنفسها وهي تقف شامخة لا تعبأ كثيراً بالمال وتتمسك بالقيم الراسخة لفريق مثل برشلونة.
وكل جمعة وأنتم بخير