تقارير

البرلمان الأوروبي وتحركات ألمانيا لإنقاذ الحوار الوطني

المعارضة تتوجه إلى وحدة كيانها السياسي والمسلح.. والمؤتمر الوطني يلوح بحلوى عيد الفطر
الخرطوم – طلال إسماعيل
في انتظار عيد الفطر المبارك، تتوجه أنظار المعارضة السياسية والحركات المسلحة إلى “حلوى” الحكومة التي تقدمها في الحوار الوطني داخل السودان أو التفاوض حول ملف دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان خارج البلاد، لتحقق لها أنشودة التحول الديمقراطي الكامل وتحقيق السلام الشامل، وذلك بعد صيام طويل ومعاناة لأزمات امتنع معها المواطن عن الشهوات والكماليات في الحياة.
وفي انتظار الحوار الذي صار مثل دعاية “صابون التيتل” وراء كل كلمة يأتي، ونغمة لشركة (زين) ينشدها الفنان “كمال ترباس” في دعاية أخرى حديثة تستلهم من معاني أسماء الله الحسنى تخفف المصاب عقب الهمّ بكلمة “الله اكبر”. وفي دار الحزب الوطني الاتحادي المجاور لدار المؤتمر الشعبي في الرياض بشارع (أوماك)، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالقوى الوطنية للتغيير (قوت) “عمر عثمان عبد العزيز” في مؤتمر صحافي أمس (الاثنين): (استجبنا لدعوة البرلمان الأوروبي، وفوضتني مع البروفيسور “محمد زين العابدين” رئيس القطاع السياسي في (قوت) والدكتور “محمد حمد حاوي” رئيس الفكر والثقافة والمهندس “محمد الدود” للسفر إلى فرنسا).
ويكشف “عمر” عن مخاطبة رئيسة الكتلة الاشتراكية بالبرلمان الأوروبي “مارين كريستينا” التي تناولت الأزمة السودانية واهتمام البرلمان الأوروبي بالقضية السودانية، وأشارت إلى الموقف الأوروبي من الانتخابات وأنها قامت في بيئة غير مواتية وتفتقد إلى الحريات، ونقل “عمر” عن “كريستينا” قولها إن أوروبا كانت تريد أن تقوم الانتخابات بعد عملية الحوار الوطني الذي تم طرحه من قبل الحكومة السودانية ويدعمه الاتحاد الأوروبي. وأضاف إن البرلمان الأوروبي يريد أن يعرف موقف المعارضة في جلسة الاستماع المخصصة للسودان، حيث طرحت وجهات النظر المختلفة من وفود المعارضة حول الأوضاع السياسية والإنسانية والحرب ومستقبل السلام والتحول الديمقراطي في السودان عبر ثلاث أوراق مقدمة من القوى الوطنية للتغيير (قوت) والجبهة الثورية وحزب الأمة القومي بعد تغيب قوى الإجماع الوطني بسبب منعهم من السفر بواسطة السلطات. وقال “عمر”: (تطابقت وجهات النظر حول توصيف الأزمة السياسية والإنسانية في السودان وتأثيراتها على المحيط الإقليمي الهش والمضطرب، بل وتأثيراتها على الأمن والسلم الدوليين).
ودار أيضاً نقاش وتقييم مستفيض للحوار الوطني ومطلوبات تفعيله وإنجاحه كمخرج سلمي وآمن يجنب السودان والمنطقة خطر الانزلاق نحو التفكك أو الفوضى.. وأكد البرلمانيون الأوروبيون اهتمامهم ومتابعتهم لما يجري في السودان خاصة بعد الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى بروز الحاجة لتبني منهج شامل للتحول الديمقراطي في السودان لا يعترف بالحلول الثنائية أو الجزئية التي تركز على تقاسم السلطة، بل يتجاوزها إلى البنية السياسية ومنهج الحكم. كما أمن وفد المعارضة على خيار الحوار والتحول السلمي كخيار إستراتيجي رغم فقدان المصداقية في جدية الجانب الحكومي، كما أثبته مسار الحوار في السابق، الذي وأده النظام برفضه حضور المؤتمر التحضيري للحوار الوطني ولجوئه لانتخابات من طرف واحد يسيطر وحده على مجرياتها، مما يؤكد الحاجة أيضاً لمنهج جديد للحوار وتهيئة الظروف الملائمة له عبر وقف شامل لإطلاق النار في كل الجبهات يفضي لإنهاء الحرب والسماح بمرور المساعدات الإنسانية عبر ترتيبات يتم الاتفاق عليها لفترة محددة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والمحكومين بسبب الحرب وضمان مشاركتهم في الحوار الوطني، وإلغاء القوانين كافة المقيدة للحريات وكفالة حرية التعبير والتنظيم والحراك السياسي والاجتماعي للأفراد والأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني بما يمكن من إجراء حوار حقيقي وشفاف، وتكوين آلية للحوار تتفق عليها جميع الأطراف برئاسة مقبولة للجميع ويكون الشعب السوداني والاتحاد الأفريقي والأسرة الدولية حاضرين وضامنين لنفاذ النتائج، وتفويض جديد للآلية الأفريقية رفيعة المستوى يدعمه المجتمع الدولي وبقرار جديد ملزم. وزاد “عمر”: (كما دار نقاش مستفيض حول سبل دعم عملية السلام والتحول الديمقراطي في السودان بواسطة البرلمان الأوروبي ودول الاتحاد، حيث أكد بعض البرلمانيين وزعماء بعض الكتل البرلمانية استعدادهم والتزامهم بذلك). وأشار إلى أن دعوة البرلمان الأوروبي تركزت على معرفة موقف المعارضة في المشاركة في عملية الحوار الوطني بعد إجراء الانتخابات، وقال: (الحوار الوطني ليس الهدف منه تقاسم للسلطة، بل يتعدى ذلك إلى الولوج للإجابة عن سؤال يطرح من كل القوى المعارضة ومن المجتمع الدولي: ما هي السياسة الحقيقية التي يجب أن يتبناها الحوار الوطني، وكيف يحكم السودان؟ لذلك لا بد لهذا الحوار أن يفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي يؤدي للإجابة عن ذلك السؤال).
وكشف “عمر” عن التزام البرلمان الأوروبي بدعم توجه المعارضة في تحقيق الحوار الوطني الحقيقي بالشروط الخمسة التي طرحها وفد المعارضة.
 { توحيد المعارضة.. دعوات خارجية وعقبات داخلية
يرد “عمر عثمان” على استفسارات الصحافيين بخصوص الدعوة إلى توحيد أجسام المعارضة السودانية في باريس، ويقول: (تلقينا دعوة موجهة إلى أحزاب المعارضة للالتقاء بمبعوثي الاتحاد الأوروبي في مقر وزارة الخارجية الفرنسية، وبعد هذا اللقاء كان هنالك اجتماع ضم حزب الأمة القومي برئاسة الإمام “الصادق المهدي” وقيادات القوى الوطنية للتغيير مع بعض قيادات الجبهة الثورية، وعلى رأسهم “جبريل إبراهيم” و”التوم هجو” و”أحمد بشير” وممثلو تيار “عبد الواحد محمد نور”)، وأضاف: (هذا الاجتماع أتى نتيجة للتنوير الذي تم في الخارجية الفرنسية للتفاكر حول توحيد المعارضة، وكان هذا هو الهدف من اللقاء). وأوضح بالقول: (تناولنا الخطوات التي يمكن أن نتخذها في توحيد المعارضة، وطرح الإمام “الصادق المهدي” إصدار بيان مشترك لمن حضروا اللقاء، وتمت الموافقة على إصدار البيان وتم تشكيل لجنة من “صلاح جلال” و”محمد حمد حاوي” وتمت صياغة البيان وعرضه على حزب الأمة القومي، وأبدى وجهة نظره.. وعرض على القوى الوطنية للتغيير وأبدت وجهة نظرها، وتم تسليم هذا البيان للجبهة الثورية عن طريق رئيس القطاع السياسي “عبد الواحد محمد نور”.. ليبدوا وجهة نظرهم في هذا البيان، ونشر البيان)، وأضاف: (لكن فوجئنا بأن “مالك عقار” يصدر بياناً مضاداً بأنه لا علاقة له بذلك البيان البتة.. وهذا شأن داخلي بالجبهة الثورية لا علاقة لنا به).
وتشير (المجهر) إلى أن نقطة الخلاف هي حول انضمام القوى الوطنية للتغيير لإعلان (نداء السودان) الموقع في أديس أبابا، ويكشف “عمر” عن قرار لقوى نداء السودان بضم (قوت) إليها وتكليف “مالك عقار” لاعتماد (قوت) بالتشاور مع المكونات الأخرى، وأضاف: (“الصادق المهدي” هو أكثر الناس حرصاً على وحدة المعارضة، و”الصادق” لم يطرح في هذه الجلسة مسمى للكيان الذي يوحد المعارضة وهو يرى أن كلمة المعارضة لا تتناسب ولا تعطي المعنى الحقيقي في التغيير الذي يترجاه، لذلك يتحدث عن (قوى المستقبل الوطني) والمسميات ستحسم عندما تلتقي كل قوى المعارضة في كيان واحد من أجل الوحدة، عندها يطرح كل حزب المسمى الذي يريده).
وأشار “عمر” إلى أن الرأي الأوروبي متخوف من أن تحدث (صوملة) في السودان لتشتت أحزاب المعارضة وعدم اتفاقها على رأي، وقال إن هنالك دوراً ألمانياً لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة بخصوص عملية الحوار الوطني.
{ الموقف الحكومي من الدعوات الخارجية
دخلت ألمانيا على خط الحوار الوطني في أواخر فبراير الماضي، عندما كلفت الحكومة الألمانية منظمتي (بيرقهوف فاونديشن) و(استفتنق وزنشافت أوند بوليتيك)، بدعوة قوى المعارضة لورشة دعم وساطة السلام بالسودان، ووُقع خلالها “إعلان برلين” من قبل الجبهة الثورية، وحزب الأمة القومي، وتحالف قوى الإجماع الوطني، ومنظمات مجتمع مدني. وفي منتصف الأسبوع الماضي وصلت الخرطوم، رئيسة قسم شعبة أفريقيا والقرن الأفريقي بالخارجية الألمانية، السفيرة “ماريانا شوغراف”، التي التقت النائب الأول للرئيس الفريق أول “بكري حسن صالح” ووزير الخارجية “إبراهيم غندور”. وأكّد “غندور” لـ”ماريانا” أن الحوار سيُستأنف بعد انقضاء شهر رمضان بجميع الأطراف الملتزمة بالحوار كحل للقضايا الخلافية، وقال إن الحكومة على استعداد لتقديم الضمانات الكافية لحضور المعارضين الذين يرغبون في الانضمام لركب السلام.
من جهته أكد النائب الأول للرئيس الفريق أول “بكري حسن صالح” ترحيب السودان برغبة ألمانيا في دعم مسيرة الحوار الوطني، عبر سعيها لإقناع المعارضة والحركات المسلحة بالانضمام للحوار الوطني الجاري.
واتفق السودان وألمانيا خلال اللقاء على مواصلة بحث الموضوعات المتصلة بالحوار الوطني عبر جلسات ونقاشات تفصيلية بين الأجهزة المختصة في البلدين. وأكد عضو وفد الحكومة للتفاوض مع قطاع الشمال حول المنطقتين الأستاذ “عبد الرحمن أبو مدين” جاهزيتهم للجولة المقبلة المزمع عقدها قريباً، مرحباً بإعلان النائب الأول لرئيس الجمهورية عن انطلاقة المفاوضات قريباً وترك الأولوية لأهل الوجعة.
وأشار “ابو مدين” للمركز السوداني للخدمات الصحفية، أمس (الاثنين)، إلى أنهم مستعدون للتفاوض وفق أجندة ومواقف واضحة وثابتة للخروج بحل لقضايا المنطقتين، مشيراً إلى أنهم لن يتنازلوا عن قضاياهم، مبيناً أنهم رهن إشارة الوساطة الأفريقية لتحديد بداية الجولة. وتوقع “أبو مدين” إجراء تعديلات في عضوية الوفد المشاركة في الجولة القادمة، مشيراً إلى أن جلسة التفاوض الأخيرة أحزرت تقدماً ملحوظاً، إلا أنه قال: (لكن تعنت قطاع الشمال أدى إلى الفشل حول خمسة بنود).
من جانبه، قال الأمين العام للقوى الوطنية للتغيير “فرح عقار” إن المنعطف الذي يمر به السودان يشير إلى عدم وجود رؤية لكيفية حكم السودان وإدارة شأن البلاد، وعدم الوحدة أدى إلى نزاعات وصراعات، وقال: (نحن نعمل على وحدة المعارضة لإنقاذ الوطن، ونحن منفتحون على كل القوى السياسية للوصول إلى رؤية مشتركة لنعمل على إبعاد شبح الانهيار).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية