لماذا يهمل الحاكم الشمولي دور المستشارين السياسيين؟!
بقلم – عادل عبده
العلاقة بين الزعماء السياسيين والطاقم الاستشاري تشكل نموذجاً أساسياً في تصريف أعمال الدولة على نسق يعكس الرؤية العميقة والبصيرة النافذة والتحوط الذكي الذي يحمي ميكانيزم السلطة من الاندلاق في الكوارث والخطوب. فالحاكم العاقل دائماً يخضع خطواته وسياساته وتصوراته في دفة الحكم إلى نصائح المستشارين وتوقعاتهم المبنية على الإلمام الكثيف والتجارب الثرة والقراءة الصحيحة.
المستشار السياسي في نظم الحكم الشمولية مجرد ديكور في صالون الزعيم، ويكون دوره محدوداً وبصماته غائبة وأفكاره توضع على الثلاجة، فضلاً عن ذلك تختفي صلاحياته وقدراته في دولاب المدرسة الفردية، وتذوب خصائصه في خيلاء وغرور الزعيم الأوحد الذي يرى أنه أكثر جدارة في اتخاذ القرار من مستشاره السياسي.
في التاريخ المعاصر، نجد أن الرئيس اليوغندي الأسبق “عيدي أمين” حول بلاده إلى كابوس مخيف عندما ألغى دور المستشار السياسي وصار يشرع ويخطط ويتخذ القرارات كما يريد، وبذات القدر سار العديد من رصفائه على طريق الدكتاتورية والتسلط أمثال “بوكاسا” (أفريقيا الوسطى) و”ماركوس” (الفلبين) و”بيبي دوك” (هايتي)، حيث تحولت بلادهم إلى جحيم لا يطاق وأمثولة حية تجسد الخراب والدمار.
في دول العالم الأول التي تطبق الديمقراطية الليبرالية وسيادة حكم القانون ينضح المشهد السياسي بأجواء العافية والرشد، حيث يكون المستشار جزءاً أساسياً من تركيبة الحكم ويكون دوره مؤثراً وواضحاً على كابينة السلطة، ولا ينظر إليه باستخفاف ولا يدخل في عالم الإهمال والنسيان.
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه: لماذا يهمل الحاكم الشمولي دور المستشارين السياسيين؟؟ ربما تكمن الإجابة العميقة في أن الحاكم الشمولي يعتقد أنه أذكى من مستشاريه السياسيين، وأنه مبعوث العناية الإلهية، فضلاً عن ذلك فإن التركيبة العقلية والسيكولوجية للحاكم الشمولي الناتجة عن وصوله إلى السلطة بالقوة إضافة إلى إفرازات البقاء الطويل في الحكم تجعله لا يتقيد برأي المستشار السياسي بل يعدّ مجرد التفاكر معه يشكل منقصة كبيرة تحسب عليه.
أما في الغرب فيقدسون المستشارين السياسيين ويستمعون إلى آرائهم باعتبارهم آلية صحية ومهمة في تربة الحكم ترتكز على مفاهيم ضرورية وعصرية في منظومة السلطة.. هكذا تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والدول التي تسير في الركب الليبرالي الديمقراطي.
مهما يكن، فإن الحاجة الماسة إلى نصائح وخدمات المجموعة الاستشارية بغض النظر عن مسمياتها في أي قطر تصبح من أولويات الحكم في هذا العصر الذي يجنح نحو التحديث والقيم الإنسانية الرفيعة ومحاربة الأشكال البالية.. وكم ظهرت مأساة وكم لاحت كارثة في ظل الإهمال الواضح لمزايا المستشارين السياسيين.
من المؤلم أننا لا نتذكر بصمات هؤلاء وتأثيرهم الكبير في قراءة خريطة المستقبل والتحوط من ويلاته إلا عند حدوث الملمات والبلايا.. أليس كذلك؟!