إعلام "البشير"..!!
أن يصف شخص ما الرئيس “البشير” بأنه بطل وشجاع، وقائد صاحب شعبية كبيرة ومتصاعدة فهو من المعلوم بالضرورة عند غالب السودانيين، إذ يحظى باحترام كبير حتى في أوساط من يصنفون كخصوم ومعارضين سياسيين له، بعضهم يحمل السلاح لكنه في مواقيت النبل يحفظ للرجل مكانته، وقطعاً فقد امتد هذا التأثير منه إلى رصفائه الأفارقة، فالرئيس يحظى بتقدير كبير بين الزعماء الأفارقة ولهم معه وشائج ود متصل وحدث هذا مع الراحل “مليس زيناوي” وامتد إلى خلفه” ديسالين” وكذلك “إدريس دِبي” و”جاكوب زوما” و”أسياس أفورقي” وعشرات من القادة الأفارقة من مختلف الدول، كلهم يضعون رئيسنا في مقام الأخ الصديق الصدوق، ولهذا لم يكن مفاجئاً لي أن تتكامل مواقف الحكومات الأفريقية وزعاماتها لتأتي هذه الصورة الجمعية على مناهضة قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومواجهتها بحزم في حالة “البشير”، رغم أن ذات المحكمة سبق وتحركت تجاه رؤساء آخرين، لكنها في حالة السودان ردعت منه ومن أشقائه الأفارقة.
هذه الوضعية الرفيعة للرئيس “البشير” توجب على المنظمات الوطنية والمفكرين وأصحاب الرأي والقطاعات كافة الانتقال بهذا التميز ليكون الرجل بطلاً أفريقياً، لا يكفي أن يخرج الناس من داخل الخرطوم وفي أرجاء الوطن كل مرة منددين بالجنائية الدولية وتصرفاتها الرعناء، وصحيح أن ذاك موقف مستحسن لكن الأفضل منه العمل على تطوير آليات الرفض والمحاصرة للجنائية بجعل القضية قضية شعبية أفريقية خالصة، لأن مواقف الحكومات حتى الآن في القارة السمراء لا غبار عليها، بل هي وللأمانة تتقدم حتى على الموقف العربي. لكن التحدي الآن أن تتفاعل منظمات المجتمع المدني واللافتات الحقوقية وتقود تحركاً يجعل من صوت الرافضين في القارة مسموعاً وله اعتباره، إذ حتى الآن الأصوات الأعلى هي للنشطاء والمنظمات الداعمة لمحكمة لاهاي، وهذا موقف غير صحيح لأن بمثل أن هناك عشر أو عشرين منظمة وجهة مؤيدة، فالحقيقة أن هناك مائة وربما ألف رافضة وتؤمن أن هذا الأمر برمته نشاط استعماري محض.
إعلامياً، الأمر بحاجة لتحرك ينفتح على الخارج، فالداخل الوطني كما كررنا مليون مرة لا مشكلة له في سند ودعم رئيس الجمهورية، بل والموت أمامه إن دعا الأمر، وعليه فالمهم أن يتوجه جزء من الخطاب الإعلامي للخارج وحتى الربكة والتشويش الذي حدث مؤخراً إنما كانت منصات الانطلاق منه فضائيات إخبارية وصحف من الخارج هي التي لونت الحدث وفرضت سيطرة روايتها حتى اضطر الإعلام المحلي الداخلي للقيام بواجب التصحيح والاستدراك، وهذا موقف معكوس وربما تكون كلفته في المرة المقبلة لا قدر الله باهظة وعالية.. وحينما نطالب بعمل نوعي وخطة متميزة في هذا المحور، فالمطلوب كذلك أن تكون نشاطاتنا واقعية لأن في مثل هذه الظروف تبرز كثيراً المشروعات التي هي عبارة عن محض شعر وأفكار جميلة.
منذ أن تحرك هذا الملف قبل ست سنوات، أدرك أن مبادرات إعلامية كثيرة قد تمت، لكنها للأسف كلها كانت تخاطب الداخل.. “ودا غلط”.