تقارير

كسلا فرقتها القبلية ووحدتها شعارات "جماع" الإصلاحية

عودة “بيتاي” هل تطفئ شرارة الخلاف
“الحلنقي” من رصيف المقاطعة إلى رحاب المشاركة
يوسف عبد المنان
آخر عهدي بمدينة كسلا حينما اتجه إليها د. “حسن الترابي” عقب المفاصلة الشهيرة في الرابع من رمضان، واستقبلت المدينة “الترابي” بحفاوة وتقدير.. وفتحت له الإدارات الأهلية صوالينها وأبوابها من الحلنقة إلى الأمرأر والبني عامر والبجة ووكيل نظارة الشكرية، ويومها كان “الترابي” ساخطاً على تلاميذه غاضباً على إزاحته من السلطة. والصحافة تنقل نبض حيوية الندوات التي جعلها “الترابي” مرتعاً خصباً لحكومة الإنقاذ يقتاتون منها .. ويتخذونها كشهادات صادرة من شاهد شاف أي حاجة بل شارك في كل شيء.. عدت أمس الأول إلى كسلا المدينة التي أحبها كثيراً من أهل السودان حتى قبل أن تكتحل أعينهم بجبال توتيل والسواقي، في الرحلة التي أعقبت الانفصال كان “إدريس محمد عبد القادر” من الناقمين على الشيخ والرافضين لمنهج فضح النظام .. و”إدريس” قريب من “علي عثمان محمد طه” قرب الحدقة من العين.. وأمس كان “إدريس محمد عبد القادر” النجم السياسي الذي صنع نيفاشا .. وصنعته مفاوضات السلام قد عادت به الأيام مزارعاً في كسلا يأكل من ثمرات كدح وعرق جبينه، بعد أن كان يأكل من لسانه .. جاء “إدريس محمد عبد القادر” في صفوف عامة الناس.. وجاء “أحمد طه” (الجنرال) رغم ختميته ولكنه متصالح مع الإسلاميين.. وجاء شيخ المراسلين المبدع “عبد الجليل محمد عبد الجليل”.. وجاءت قيادة الجيش والشرطة وزعماء الإدارة الأهلية “محمد محمد الأمين ترك” .. والناظر “دقلل” زعيم البني عامر.. وجاء الفلاتة بموسيقى السلام وجاء سحرتهم عراة يغطي نصفهم الأسفل جلد الماعز.. وجاءت كسلا وهي تستقبل الوالي الجديد “آدم جماع” بالأمل في غد أفضل من اليوم، وتوحدت مشاعر المدينة التي فرقتها السياسة حتى داخل المؤتمر الوطني فكان للوالي حاشيته ..وللمعارضة نفوذها .. وولجت الخلافات عظم المجتمع بسبب الانتخابات!!
“حميدتي” جيناكم يا حبايبنا!
تنوعت مشاركات القيادات التي رافقت “آدم جماع” إلى كسلا من المهندس “أبو عبيدة محمد دج” المدير التنفيذي لصندوق دعم الشرق، والسفير “الشفيع أحمد محمد” ونائب رئيس القطاع السياسي اللواء “عبد الله علي صافي النور” ورئيس اتحاد الرعاة والبرلماني “محمد صالح الأمين بركة”.. والبروفيسور “عوض حاج علي” مدير جامعة النيلين السابق وعضو البرلمان في دورته الحالية.. وكان لافتاً للانتباه مشاركة العميد “محمد حمدان دقلو” (حميدتي) الذي حينما قدمه السفير “الشفيع أحمد محمد” تعالت الهتافات وانبعثت جموع النساء بالزغاريد غطت على أصوات المطربين.. ومشاركة “حميدتي” في وداع واستقبال “آدم جماع” تعود لسنوات طويلة حينما كان “آدم جماع” معتمداً على “نيالا” ومسؤولاً عن ملف الأمن في حكومة الجنرال “آدم حامد موسى”. وكان حينها “حميدتي” صغير السن ولكنه مجاهد عرف بالشجاعة والإقدام على مواجهة التمرد.. وجلس “حميدتي” والشاعر “إسحق الحلنقي” لتجمع احتفالية كسلا بين القوة والرقة والحنان.. وكان صاحب هجرة عصافير الخريف مشاركاً بحماس وحب صادق لمدينته كسلا .. وقد حاولت المعارضة الاستثمار في “الحلنقي” كشاعر ولكن الرقيق الذي صاغ أجمل الأشعار ظل عصياً على التوظيف:
أنا كنت من قبلك بشيل الليل دموع وأطويهو هم
وأنا كنت بخشى على الأماني الطفلة ينفيها العدم
وجيت لقيتك بين ضلوعي شموع وغنيتك نغم.
و”حميدتي” بالقرب منه يبتسم ابتسامة الرضا .. والوالي يعلن عن حزمة لاءات يرفعها فوق سارية جبل توتيل متعهداً بمحاربة الفساد والقضاء على المحسوبية وعدم التمييز بين الناس على أساس القبيلة، وهو يقول جئت إلى كسلا خادماً لهذا الشعب.. أنا والي على الأنصار والختمية.. والبعثيين وجبهة الشرق ومؤتمر البجة والمؤتمر الوطني كلهم أقف منهم على مسافة واحدة.. من أجل بناء كسلا اقتصادياً وإنصافها اجتماعياً.. وأن تنال حقوقها كاملة من المركز حتى تنهض وتصبح قبلة لكل أهل السودان.
عودة “بيتاي”
من الثمرات المرة للانتخابات الأخيرة أن شخصية مثل “سليمان علي بيتاي” كان منتظراً أن يتبوأ منصباً رفيعاً في حكومة كسلا .. ولكن تقديرات عند الوالي “محمد يوسف آدم” وبروفيسور “إبراهيم غندور” والمهندس “عبد الواحد يوسف” أمين الاتصال التنظيمي، أبعدت “سليمان علي بيتاي” من الموقع الذي كان يتوق إليه .. حمل عصاه ورحل شرقاً إلى دولة اريتريا التي تتداخل مع السودان في الأجندات الأمنية.. والتفاعلات الاجتماعية. ولوح”سليمان علي بيتاي” بعصاه في وجه الخرطوم.. التي حينما أدركت الموقف لم تجد إلا البروفيسور “عوض حاج علي” الذي يجمع خيوطاً متشابكة بيده بشأن الشرق.. وجاء ذهاب الوالي السابق كحدث فتح باب العودة لسليمان بيتاي الذي كان في استقبال الأستاذ “آدم جماع” في مطار كسلا .. ضمن مئات القيادات .. وبدأ الوالي يبعث برسائله المباشرة لأهل همشكوريب وخلاوي القرآن ليرد التحية بأفضل منها .. فهل يمثل تعيين “جماع” فرصة وسانحة لجمع شعث الولاية وتوحيد صفها وهناك تربص بالسودان من جهة الشرق.. لذلك وضعت القيادة على ثغر البحر الأحمر ضابطاً كبيراً في جهاز الأمن والمخابرات اللواء “علي حامد” لدرء خطر النشاط الاستخباري المعادي في ميناء بور تسودان. وفي ذات الوقت صد محاولات المعارضة الاستثمار في موقع اريتريا الجغرافي.. ولما كانت كسلا تمثل الأبعاد السياسية فإن وجود “آدم جماع” تتكامل أدواره مع اللواء “علي حامد”.
ولاية بلا حكومة وغياب مفاجئ للوالي السابق
بعد أن أيقن الوالي السابق “محمد يوسف آدم” أن أيامه في توتيل وعروس القاش قد انقضت .. وأن رياح التغيير ستعصف به بعيداً عن القصر المنيف الواقع في وسط المدينة تحيط به الزهور والرياحين، وقريب الشبه بمباني القصور الرئاسية على شارع النيل التي شيدتها الحكومة أيام الانفتاح الخارجي بعد نيفاشا، وقد أصبحت الخرطوم حينذاك قبلة لعقد المؤتمرات العربية والأفريقية قبل أن تصبح من بعد ذلك مشاركات السودان في القمم الإقليمية والدولية تحيط بها المخاطر.. اتخذ والي كسلا “محمد يوسف آدم” حزمة قرارات بحل حكومة الولاية وتسريح الوزراء والمعتمدين في خطوة لم تجد القبول من الحكومة المركزية ولا حزب المؤتمر الوطني، بل إن القيادي “علي العوض” وزير المالية السابق في حكومة كسلا الذي صعد لمنصب الوالي في الشمالية، وجد نفسه مضطراً للقيام بواجب رفقة “آدم جماع”.. إلى كسلا .. وقد آثر الوالي السابق الغياب عن المسرح.. حتى في وداع الوفد المغادر إلى كسلا لم يشأ الرجل المشاركة.. وهي رسالة غضب ورفض لما جرى من تعيينات. ولا يستطيع الوالي السابق الحديث عن معارضته للتعديلات الدستورية، لكنه كان ينتظر أن يتم تعيينه..خاصة وأن كسلا قد تصدرت قائمة أعلى الولايات التي صوتت للمؤتمر الوطني .. ولم يجد الوالي الجديد “آدم جماع” حتى لحظة مغادرتنا كسلا عائدين للخرطوم ملفاً واحداً للتسليم والتسلم، وظل أمين عام الحكومة يقوم بأعباء الوالي في غيابه.. وتلك من مفارقات وعجائب كسلا .
“جماع” كيف جاء .. ولماذا؟
تفاصيل صغيرة حملت المدير العام السابق لهيئة الحج والعمرة والمعتمد الأسبق لمدينة نيالا .. “آدم جماع” إلى مدينة كسلا والياً معينا ًمن قبل الرئيس، بعد أن أثبت الرجل أن له كسباً سياسياً حقيقياً في موطنه شمال دارفور. فقد غامر “جماع” في نظر الكثيرين حينما اعتزم خوض معركة انتخابية داخل المؤتمر الوطني في مواجهة “عثمان يوسف كبر” الذي مكث في السلطة اثني عشر عاماً .. واستطاع أن يحفر عميقاً لولاية جاء إليها من قرية الطويشة فذاع صيته حتى أبواب البيت الأبيض حينما تجاسر مع مبعوثة الولايات المتحدة الأمريكية “كوندليزا رايس”، المرأة التي يرتعد أمامها الرجال خوفاً، لكن كبر مرمغ أنفها في تراب معسكر أبو شوك. ظن الجميع أن “آدم جماع” يخوض معركة خاسرة في مواجهة “عثمان كبر” ومملكته التي شيدها في ليل الأسى كما يقول “حسين خوجلي”.. “جماع” كان واثقاً من نفسه وهو الذي تربى في أحياء مدينة الفاشر، وكان والده من تجار المدينة وأعلامها .. بيت مفتوح وقدح كبير .. وفي آخر انتخابات جرت في الفاشر كان صهر “آدم جماع” اللواء الراحل “إسماعيل الحاج يوسف” يخوض معركته الأخيرة مع كبر مسانداً “إبراهيم محمد سليمان” .. لكن “كبر” استطاع إلحاق الهزيمة بمنافسيه .. وما كان “آدم جماع” بعيداً عن تلك المعركة إلا أنه في العام الجاري اختار خوض المعركة بنفسه معتمداً على علاقاته الواسعة في مدينة الفاشر ومحليات الولاية، حيث كان “جماع” من قيادات الحركة الإسلامية في الثمانينيات .. ومن شباب المؤتمر الوطني ليتجول في بيوت الفاشر بالأبواب المفتوحة. وظن الكثيرون أن “جماع” يخوض معركة خاسرة، ولكن عند إعلان النتيجة اقترب “جماع” من “عثمان كبر” ونافسه على المركز الأول.. الشيء الذي اعتبرته القيادة السياسية نصراً حقيقياً على “عثمان كبر”، ولم تجد من هو أهل لتولي منصب الوالي من شمال دارفور إلا “آدم جماع”. وطبقاً لتنقل القيادات من موقع لآخر تم اختيار كسلا لتصبح هي المكان المناسب ليذهب إليه “جماع”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية