الناشط الجنوبي القيادي بالحركة الشعبية "ستيفن لوال" لـ(مجهر)
الصراع في الجنوب أدى إلى مقتل (160) ألفاً وتشريد حوالي مليوني مواطن
الأوضاع هنالك متحولة من وضع أسوأ إلى أحسن بعد تنفيذ (اتفاقية أروشا)
ما حدث في 15 ديسمبر بجوبا يرقى إلى جريمة حرب و”سلفا كير” مسؤول عنها
مشروع دولة أعالي النيل الكبرى.. وهو حلم لن يتحقق!!
“استيفن لوال نقور” عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية بدولة جنوب السودان سابقاً، الخبير في مجال حقوق الإنسان.. عمل كمنسق إعلامي بسفارة جنوب السودان بالخرطوم، لكنه تخلى عن العمل ليتفرغ للنشاط في مجاله، يعرف الكثير من خبايا دولة الجنوب والصراع الدائر هنالك بين “سلفا كير” ونائبه السابق زعيم المعارضة المسلحة د. “ريك مشار”.. (المجهر) جلست إليه في حوار حول الراهن الجنوبي، وأدلى خلاله بكثير من الإفادات والتحليلات وإن بدا في بعض منها غير محايد، لكنه كشف جزءاً من واقع الصراع القبلي في دولة الجنوب الوليدة، وقطبيها الرئيسيين قبيلتا “الدينكا” التي تسيطر على مقاليد الحكم و”النوير” التي ينتمي إليها غالبية جنود المعارضة المسلحة.
حوار – سيف جامع
{ بداية.. كيف تنظر للأوضاع في جنوب السودان؟
_ الأوضاع هنالك متحولة من وضع أسوأ إلى أحسن، خاصة بعد تنفيذ اتفاقية (أروشا) التي تنص على توحيد حزب الحركة الشعبية على مستوى منظومة الحزب، وهذا يؤكد أن الأحداث التي جرت سابقاً في إطار منظومة الحزب، و”سلفا كير” أيقن أخيراً بضرورة وحدة الحركة الشعبية المتمثلة في ثلاثة أجنحة: مجموعة “باقان” (g10) ومجموعة “رياك مشار”، والحزب الحاكم بقيادة “سلفا كير”.. وهذا من أولى بشريات السلام بدولة جنوب السودان، لكن ستكون هنالك كارثة إن لم تتم عملية وقف إطلاق نار شامل بجنوب السودان.
{ حديثك يبدو بعيداً عن الواقع.. لأن هنالك معارك محتدمة في الجنوب؟
_ طبعاً البحث عن السلام طريق صعب وفقاً لما نراه من بحث الحكومة له في طريق وعر جداً، ولا يمكن أن يكون سلاماً ما لم تتوفر الإرادة السياسية لدى كل الأطراف.. اتفاقية (أروشا) هي نقطة لتعزيز السلام بالجنوب عبر توحيد المجموعات الثلاث.. واتفق معك بأن هنالك معارك والضحايا فيها مدنيون وأناس لا حول ولا قوة لهم، وهذا يجعلنا نطالب بوقف فوري لإطلاق النار في كل المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين الحكومة والمعارضة.
{ ألا تعتقد أن القبلية تلعب دوراً كبيراً في صراع الجنوب؟
_ لو لاحظت أخي، بداية الأزمة كانت داخل الحركة الشعبية، وتطور الأمر إلى استغلال القبيلة في الأزمة.. ولدينا الآن أفكار موجودة في بلاد السودان تتمركز في الإثنية والإثنية المضادة.. الذين يقومون بتثبيت هذه الأفكار الخبيثة هم السياسيون، لأن السياسة هي التي خلقت الأزمة في الجنوب.
{ هل تعني أن وضعكم شبيه بالسودان الشمالي؟
_ السودان الشمالي يختلف عنا في وجود عقول نيرة لا تستجيب أحياناً للقبلية، التي تطورت في الجنوب وأصبح السياسيون هنالك يحتمون بقبائلهم.. في الأساس نجد أن “الدينكا” و”النوير” لديهم علاقات أزلية وتاريخية لا يمكن أن يتأثروا بالتطورات في جنوب السودان، لكن تدخلت السياسة وفعلت ما فعلته وتحول الجنوب إلى حرب وضحايا.
{ هل ترى أن “سلفا كير” راغب في السلام؟
_ بكل تأكيد، هو يسعى جاهداً لتحقيق السلام، بدليل أنه منذ بداية الأزمة طالب المجموعات الحاملة للسلام بوضعه والدخول في العملية السليمة ومعالجة الشرخ الذي حدث بينه و”مشار” وظل يعمل على مشاركة الأحزاب السياسية واستشارة أصحاب المصلحة.. ولم يحدث أن رفض أية مبادرة في اتجاه السلام، حتى وإن كان السلام بعيد المنال.
{ أنت كمتابع للتطورات على الأرض.. كم وصل عدد ضحايا الصراع في الجنوب؟
_ الأحداث سببت خسائر كبيرة في أرواح المدنيين بصورة لم تحدث على الإطلاق بدولة الجنوب، لدينا مثلاً تقرير منظمة العفو الدولية الذي يتحدث عن مقتل (160) ألفاً جراء الصراع في الجنوب، فضلاً عن تشريد حوالي مليوني مواطن، وتعطل التنمية والاستقرار رغم أن الحكومة تعمل جاهدة للقيام بما يلزمها من واجبات. وأعتقد أن الأزمة الدائرة خلقت شرخاً وسط شعب جنوب السودان، بالإضافة لأزمة اقتصادية طاحنة تصعب معالجتها في الوقت الراهن.. وبالرغم من كل هذه التحديات ما زالت الحكومة تعمل من أجل إعادة الاستقرار بدولة جنوب السودان.. لكن لابد من محاكمة قاتلي الشعب.
{ تتحدث وكأنك تميل إلى الحكومة وتدافع عنها؟
_ إطلاقاً لن أدافع عن الحكومة ولا أميل إليها، لكن بصفتي مراقباً لابد لي من قول الحقيقة.
{ إذن أين الحقيقة.. “سلفا كير” متهم بالتورط في أعمال غير إنسانية؟
_ بصفتي مدافعاً عن حقوق الإنسان أرى أن هنالك جرائم حدثت بجوبا في ليلة 15 ديسمبر ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ومنها استهداف واضح لمجموعة إثنية محددة.. المسؤول الأول عن تلك الأحداث الحكومة في جوبا لأنها الجهة المنوط بها توفير الأمن وحماية المدنيين.. إننا كمدافعين عن حقوق الإنسان لم نسمع بمحاكمة أي من المتورطين في أحداث جوبا حتى الآن.
{ من هم المتورطون في أحداث جوبا التي ذكرتها؟
_ الجهة المنوط بها توفير الأمن هي المسؤولة، وهنالك تقصير منها، وهي الحكومة، ولم يتم حسم الأمر في وقته.. لو تم ذلك، لما قامت الحرب في الجنوب.
{ الجنوب له علاقات مع أمريكا وكانت داعمة لانفصاله.. أين دورها الآن فيما يحدث؟
_ واشنطن الآن تدين وتشجب فقط ما يحدث في جنوب السودان، رغم أنها كانت الراعية لانفصاله. لكن نتطلع لدورها في المستقل وأن تلعب دوراً إيجابياً، كما قامت من قبل عبر خارجيتها بدور في اتفاقية السلام الشامل في السودان (نيفاشا).
{ وماذا عن الصين التي لها استثمارات في النفط بالجنوب؟
_ الصين أيضاً يهمها استقرار الجنوب وأرسلت قوة من (500) جندي ضمن قوات (يوناميس) لحفظ السلام.
{ ماذا عن دور البترول في تأجيج الصراع؟
_ الأمر غير ذلك.. والسبب معلوم داخل منظومة الحزب، ومحاولة الانقلاب، وتطور الوضع إلى صراع كاد أن ينتقل إلى المناطق حول حقول النفط.. لكن الحكومة تصدت لذلك.
{ بعض المراقبين بدأوا يتحدثون عن احتمال انفصال دولة الجنوب إلى دولتين؟
_ ينفصلون عن من؟ هم كلهم جنوبيون و(64) قبيلة، ومتحدون، وانفصلنا عن السودان الشمالي لأن فيه (600) قبيلة.. نعم هنالك من يتحدث عن مشروع دولة أعالي النيل الكبرى، وهذا حلم لن يتحقق أطلاقاً.
{ بماذا تراهن على عدم تحقيقه؟
_ هنالك ميزة لدى شعب جنوب السودان أنهم يتحدون وقت الشدة، فما بالك حينما يأتي الحديث عن الانفصال.. أنا أتوقع في حال تعالت أصوات الانفصاليين بالجنوب أن تتسارع خطى السلام ويتحد الجميع.
{ ما هو حال المعسكرات بالنيل الأبيض؟
_ الوضع في المعسكرات أقل ما يوصف به أنه كارثي، لكن رغم ذلك يوجد اهتمام من قبل حكومة الجنوب بدعم وإغاثة المتضررين الذين فروا من الحرب من دولة جنوب السودان، لكن هنالك جهات لعبت دوراً في استغلال مخصصات اللاجئين في المعسكرات بمنطقة الجبلين، والمواطنون الجنوبيون يعانون في المعسكرات، ولابد من إنقاذهم.
{ ماذا عن الأوضاع الراهنة في جوبا على ضوء تطورات الأحداث؟
_ الأوضاع في جوبا مستقرة، والحياة عادية، ويوجد تواصل بين السودانيين الشماليين والجنوبيين ويتداخلون في المناسبات.. جوبا هي الخرطوم في أمنها وسلامها.
{ أين يتمركز الصراع الآن إذن؟
_ في مناطق محدودة بأعالي النيل وولاية الوحدة.. أما بقية المناطق فهي تحت سيطرة الحكومة.
{ أين يقف الانقسام القبلي بالجنوب؟
_ ليس هنالك انقسام بدولتنا ما عدا الذي تم مؤخراً بين الحكومة ومجموعة “رياك”، لكنها لم تؤثر في العلاقة بين القبيلتين لأن القبيلتين أبناء عمومة، ورغم الذي يحدث فالقليل من أبناء “النوير” يدعمون “مشار”. وكذلك القليل من أبناء “الدينكا” يدعمون “سلفا كير”، والأخير قال من قبل لا أريد أحداً يدافع عني من باب القبيلة. وبالمقابل قالها “رياك مشار”.. فالشعب بما فيه “الدينكا” و”النوير” داعم للسلام.