تقارير

لماذا جاءت القيادة بالفريق "عبد الرحيم" والياً للخرطوم؟؟

 حملته من الوزارة إلى الولاية
تقرير – هبة محمود
لم يكن متوقعاً أن يغادر التشكيل الوزاري لأي سبب من الأسباب، سيما أنه من المقربين للرئيس، كاتم أسراره وأحد مفجري ثورة الإنقاذ، ولكن تعيينه والياً لولاية الخرطوم فاق كل التوقعات والتكهنات.. وكانت المفاجأة.
فبعد مخاض عسير لتشكيل الحكومة التي تم الإعلان عنها أمس الأول، كان اسم “عبد الرحيم محمد حسين” ضمن قائمة الولاة والياً للخرطوم خلفاً للدكتور “عبد الرحمن الخضر”، ليترجل بهذا المنصب الجديد عن وزارة الدفاع، ويصبح بهذا التعيين الوحيد من أفراد الحرس القديم الباقي بالسلطة، بعد أن اقتضى برنامج التغيير الذي انتهجه المؤتمر الوطني قبل خمسة أعوام، أن يكون خارج السلطة خاصة أنه من الوزراء الذين أمضوا أطول فترة في وزارة الدفاع، وبتعيينه والياً للخرطوم يصبح ذلك الخيار هو الأخف.
{ إرهاصات ما قبل التعيين
على الرغم من أن تعيين “عبد الرحيم محمد حسين” في منصب الوالي لولاية الخرطوم كان حدثاً مفاجئاً، إلا أن إرهاصات كانت قد سبقت هذه الخطوة، حيث عمد بعض قيادات المؤتمر الوطني من خلال انتخابات الكليات الشورية للحزب، لاختيار مرشحين للولاة، إلى تسمية “عبد الرحيم” كواحد من المرشحين الخمسة، إلا أن هذه المبادرة، حسبما أشيع، اصطدمت بتيار آخر رأى ضرورة أن يظل “عبد الرحيم” في موقعه كوزير للدفاع، وكان خيار الحزب النهائي إلغاء خيار انتخابات الوالي بمثابة إغلاق لملف “عبد الرحيم محمد حسين” كوالٍ للخرطوم، وانفض السامر.      
{ بصمات خدمية
وحسب بعض المراقبين فإن تعيين “عبد الرحيم محمد حسين” والياً لولاية الخرطوم، يعد وفقاً للنقلات التي أحدثها الرجل في الوزارات التي تولي قيادتها، فقد أحدث نقلة في بيئة وزارة الداخلية حين قام بإنشاء المباني وتوفير المعينات للضباط، كما أن قيامه بنقل جزء من التنظيم العسكري للجيش لهيئة قيادة الشرطة كان بمثابة نقلة في العمل الشرطي.. كل ذلك، بجانب النشاط المحموم في إنشاء مبانٍ تتبع لوزارة الداخلية، ومن بينها عمارة الرباط، التي كانت بمثابة    العثرة الوحيدة التي جعلته خارج السلطة لفترة ليست طويلة في استراحة محارب، كما وصفها رئيس الجمهورية، جعله يعود بعدها بقوة لوزارة الدفاع ليكمل مشروع التهيئة التي بدأها في الشرطة، فاستطاع أن يبدل الشكل البائس للقيادة العامة ويحيلها إلى عدد من الأبراج كلفت ملايين الدولارات، وكانت هذه أكبر نقلة في بيئة العمل في القوات المسلحة، أتبعها بتنفيذ مشروع عربات الضباط من رتبة (رائد) فما فوق، ووجد هذا المشروع ردود أفعال إيجابية واسعة.
لم تقف مشروعات “عبد الرحيم” عند هذا الحد، فقد أنشأ أضخم شبكة مؤسسات علاجية في المركز والولايات، وأقام مستشفيات نظيرة للسلاح الطبي في كل الولايات، الأمر الذي يدل على قدرته التنظيمية في التنمية العمرانية والبشرية.. وبهذا يتهادى إلينا تساؤل مفاده: هل ما أحدثه “عبد الرحيم” في تلك المرافق التي تولى قيادتها هو ما دفع الرئيس والحزب لتعيينه والياً للخرطوم؟؟
{ تحديات تنتظر الوالي
اللواء مهندس “عبد الرحمن أرباب” عدّ منصب والي ولاية الخرطوم أمراً عسيراً، حيث إن الدولة ومؤسساتها تدار من داخلها، وقطع في حديثه لـ(المجهر) بأن “عبد الرحيم محمد حسين”، بالرغم من أن أمامه عدداً من التحديات والصعاب إلا أن وسائل النجاح كثيرة والفرص مواتية لتغيير وجه العاصمة، وذلك لقربه من الرئيس الذي بإمكانه توفير المعينات اللازمة له.
وقال “الأرباب” إن العاصمة بحاجة لشخص في مكانة “عبد الرحيم” يحب سرعة الإنجاز، إضافة إلى أنه شخص متابع ودقيق في عمله وخبرته التي قاربت ربع القرن من العمل السياسي والعسكري هي التي قادته لتولي عدد من المناصب المهمة.
أما العميد بحري معاش “صلاح الدين كرار” فقد ابتدر حديثه لـ(المجهر) مؤكداً أنه كان هناك جدل حول من يتولى مسؤولية ولاية الخرطوم باعتبارها سوداناً مصغراً، واستمر الجدل وطال إلى أن حسمه الرئيس بأن دفع بـ”عبد الرحيم محمد حسين” والياً لها.. ومضى “كرار” في حديثه قائلاً إنه لم يكن ضمن اجتماعات المكتب القيادي، لكن حسب اعتقاده فإن الرئيس لم يدفع بـ”عبد الرحيم” إلا لمعرفته بإمكانياته ومقدراته العالية، خاصة أنه إنسان حركي وجماهيري ومبتكر، ولديه صبر عالٍ على الإنجاز، إضافة إلى مؤهلاته العالية.
وتمنى “كرار” لو أن كل ولاة الولايات من العسكريين نسبة لما يتمتعون به من صبر وقدرة على الإنجاز، ولفت إلى أن “عبد الرحيم” أمامه تحديات كثيرة، خاصة أن ولاية الخرطوم صعبة ومعقدة، وبها قدر عالٍ من الهجرة الداخلية وحدودها صارت ممتدة مع الولايات الأخرى.. ولتعقيدها- أي ولاية الخرطوم- كان لابد من رجل غير عادي كـ”عبد الرحيم” يتولى أمرها.    
{ بدايات التشكيل
“عبد الرحيم محمد حسين”، الذي تحوي سيرته الكثير، لم يكن يدرك حينها، وهو ينخرط في العمل العسكري عام 1973 أنه سيكون ذا شأن كبير يجعله يوماً من الأيام مثار كثير من الجدل، يتنقل بين مواقع سيادية ذات ثقل.. فبعد أن تلقى تدريباً عسكرياً بالكلية الحربية السودانية لمدة عام تخرج ضابطاً وعمل بمعهد القوات الجوية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، حيث تلقى عدة دورات تدريبية أبرزها دبلوم صيانة المقاتلات بالاتحاد السوفيتي، وماجستير تصميم الطائرات بإنجلترا.
كان “عبد الرحيم” أحد مخططي ومنفذي انقلاب (الإنقاذ)، وكان يعرف دوره جيداً، فقد كُلف بالاستيلاء يوم التحرك على منطقة “وادي سيدنا” العسكرية، التي تمكن من السيطرة عليها في وقت مبكر من فجر الجمعة 30 يونيو 1989، ليحقق بذلك انتصاراً كبيراً، وأصبح ضمن كتيبة قادت البلاد لربع قرن من الزمان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية