ولاة دارفور الجدد ..تحديات المنصب ومبررات الاختيار
ذبائح لـ”عبد الواحد” وسؤال عن “الفكي”
فاطمة مبارك
على غير المتوقع استقبلت بعض ولايات دارفور نبأ التغيير الكبير الذي شمل بعض ولاياتها بمظاهر احتفالية إيذاناً ببدء عهد الجديد، ومن بين تلك الولايات كانت ولاية شمال دارفور التي غادرها “عثمان محمد يوسف كبر” بعد ما يقارب الثلاثة عشر عاماً. وكما حدثنا مراسل الصحيفة في الفاشر أن الفرحة بدت واضحة على وجوه بعض المواطنين بمن فيهم النازحون الذين يتطلعون إلى التغيير، خاصة أن “كبر” قضى فترة طويلة بالولاية قاربت ثلاثة عشر عاماً. ومن جانبه أكد عضو قيادة الهيئة المركزية بحزب التحرير والعدالة القومي “إبراهيم أبكر سعد” أن خبر إعفاء “كبر” وتعيين “عبد الواحد يوسف” وجد قبولاً لدى بعض المواطنين الذين نحروا الذبيح ابتهاجاً بهذا الحدث، فيما تبرع أحدهم بسداد قيمة حافلة ركاب للتعبير عن فرحته، إلا أن مسؤولاً آخر بالولاية اعتبر أن مظاهر التأييد التي حظي بها “عبد الواحد يوسف” القادم إلى ولاية شمال دارفور اعتبرها بمثابة عبء ثقيل عليه. وحذر من أن يمضي “عبد الواحد” في اتجاه مناصرة تيار المؤيدين لذهاب “كبر”. فيما قال “إبراهيم أبكر” ليس لدينا إشكال مع “كبر”، لكن حدثت مشاكل طوال فترة حكمه أدت إلى إفرازات سالبة. وطالب الوالي الجديد “عبد الواحد يوسف” بتصحيح الأخطاء التي صاحبت ملف الخدمة المدنية الذي طالته الجهوية والمحاصصات القبلية وأحدثت فجوة في العديد من المرافق، بجانب مطالبته بحسم ظاهرة التفلتات والمظاهر العسكرية والأعيرة النارية التي تطلق دون مناسبة والمواتر، باعتبارها من أخطر الظواهر التي أثرت على الأمن . ودعا إلى الالتفات إلى معاش مواطن شمال دارفور. وبدوره ثمن الناطق باسم حزب التحرير والعدالة “شرف الدين محمود” الفلسفة التي انتهجها المؤتمر الوطني لتعيين الولاة في مناطق أخرى غير مناطق قبائلهم، حتى ينتهوا من مسألة القبيلة التي استشرت في بعض الولايات. وتوقع أن تسهم هذه السياسة في الاستقرار باعتبار أن هناك ولاة قضوا فترات طويلة وتجديدهم يعتبر مسألة إيجابية. وأكد أن الفاشر رحبت بمقدم “عبد الواحد يوسف” وهو معروف وسط الطبقة المثقفة هناك، وقيل إنه يتمتع بالحكمة وقوة الإرادة والفهم الأمني، ولو تم التعاون معه بصورة جيدة سيضع حداً لمشاكل الولاية. وكما هو معلوم فإن “كبر” كان قد اختير لولاية شمال دارفور خلفاً لإبراهيم سليمان أيام اندلاع مشكلة دارفور في العام 2003، وكان حينها يتقلد منصب رئيس المجلس التشريعي بالولاية و”كبر” يتمتع بكاريزما أهلته للبقاء في الولاية. رغم ذلك شهد عهده بعض الإشكالات التي توقع الناس أن تعجل برحيله من الولاية مثل مشكلة سوق المواسير، ومن بعد ذلك شهدت الولاية صراعاً محتدماً بينه وبين زعيم قبيلة المحاميد “موسى هلال” الذي طالب بإعفاء “كبر” من ولاية شمال دارفور، بعد أن قال إنه يعمل على تأجيج الصراع في جبل بني عامر الغني بالذهب، الأمر الذي دعا “هلال” إلى إعلان ولايته على منطقة جبل عامر، إلا أنه بقي رغم تفاقم المشكلة والتدهور الأمني الذي شهدته بعض أجزاء الولاية نتيجة لبعض المعارك. تعرض “كبر” لمحاولات اغتيال واحدة كانت في منطقة جبل شنقلي طوباية والأخرى في منطقة كومة عندما أطلق الرصاص في المكان الذي كان يوجد فيه إلا أنه كان ينفي في كل مرة هذه المحاولات. وكان الاعتقاد لدى عدد كبير من المتابعين لمسيرة ولايته أنه يتمتع بدعم من الرئيس “البشير” ولهذا السبب توقعوا أن يظل “كبر” واليا للولاية، لكن يبدو أن معادلات إبعاد أبناء المنطقة من حكم مناطقهم، إضافة إلى صراعه مع “موسى هلال” قادت إلى هذا التغيير. ويأتي ذلك في وقت توصلت فيه الحكومة إلى تفاهمات مع زعيم المحاميد “موسى هلال” الذي جاء إلى الخرطوم بعد غياب تجاوز العامين . أما الوالي الجديد “عبد الواحد يوسف” فتقول سيرته إنه من أبناء كردفان عرف بانتمائه لتنظيم الحركة الإسلامية. جاهد مع حزبه وسلطته في مناطق الجنوب ومن ثم انتمى لمؤسسة التصنيع الحربي مصنع اليرموك، وعمل كمعتمد في غبيش بولاية شمال كردفان ثم وزيراً للتخطيط العمراني بالولاية ونائباً لفيصل إبراهيم والي ولاية شمال كردفان السابق. ومن بعد اختير وزير دولة لوزارة المعادن، ووزير دولة لوزارة الصناعة وبعدها أسند إليه ملف دارفور في حزبه المؤتمر الوطني، وعين بصورة مفاجأة وزيراً للداخلية في نوفمبر 2013، إلا أنه لم يمكث طويلاً حيث نقل إلى وزارة الطرق والجسور وجمع بين الوزارة ومنصب مسؤول الاتصال التنظيمي في الحزب.
كذلك اقتضت السياسة الجديدة التي انتهجها المؤتمر الوطني مع الولاة تعيين شباب يجمعون بين الفكرة والسياسة والأمن، وهذا هو الحال بالنسبة لـ”عبد الواحد” والذي عين لولاية شمال دارفور و”أنس عمر فضل المولى” الذي عين والياً لولاية شرق دارفور.
منذ أن ألغى الحزب الحاكم قرار انتخاب ولاة الولايات وأجرى تعديلات دستورية تتيح للرئيس تعيين الولاة، كان واضحاً أن هناك تغييرات جوهرية ستتبع هذا القرار خاصة على صعيد ولايات دارفور التي تصاعدت أزمتها بسبب وجود بعض أبناء المنطقة في منصب الوالي. وهناك ثمة إشارات تشير إلى أن ما دار في ولايتي شمال وشرق دارفور كان كافياً لتعيين أشخاص من خارج الولاية، حيث لم تستقر ولاية شرق دارفور قبل ذلك في عهد “عبد الحميد موسى كاشا”، باعتباره محسوباً على قبيلة الرزيقات. الآن دفع الحزب بأحد كوادره الشابة إلى هذه الولاية الجريحة عندما تم اختيار “أنس عمر فضل المولى” والياً لولاية شرق دارفور. و”أنس” من الشباب المجاهدين، جمع بين الفكرة والعمل الجهادي.
تخرج في جامعة أم درمان الأهلية وعمل في مواقع تنظيمية عديدة ومن الذين أسهموا في المعارك التي اندلعت لحسم مشكلة الجنوب في التسعينيات عقب ذلك. يبدو أنه استوعب في العمل الأمني حتى دفع به التنظيم لشغل منصب معتمد بالمناقل ولاية الجزيرة مسقط رأسه، ربما لتهدئة الصراعات التي نشبت وتفاقمت بين تيارات داخل حزب المؤتمر الوطني حتى تم تعيينه أمس والياً لولاية شرق دارفور. ومعلوم أن الولاية شهدت صراعات قبلية بين (المعاليا) و(الرزيقات) منذ ولادتها في عهد الوالي السابق “عبد الحميد موسى كاشا” الذي اضطر إلى مغادرتها، عندما اعتبرته قبيلة (المعاليا) جزءاً من الصراع. وزاد الأمر تعقيداً عندما تجدد الصراع خلال شهر مايو الماضي في ولاية اللواء “الطيب عبد الكريم الذي أزهقت فيه عشرات الأرواح. تعيين “أنس” يأتي في وقت تحتاج فيه الولاية إلى تصفية ما علق بمواطنيها من صراعات قبلية، فهل ينجح في مهمته ؟ الوزير السابق “علي مجوك” أجاب على سؤال (المجهر) عبر الهاتف بصورة مقتضبة، قائلاً: إذا أثبت “أنس” أنه شخص محايد وعادل ولا يميل لأي طرف، فإنه سينجح في مهمته.
بذات السياسة والفهم تم تعيين “آدم الفكي” والياً لولاية جنوب دارفور بديلاً للواء “آدم جار النبي”. و”الفكي” من أبناء كردفان وكان يشغل منصب والي ولاية جنوب كردفان، ووفقاً لحديث أهل الولاية أن “جار النبي” الوالي السابق لجنوب دارفور استطاع لحد كبير معالجة جزء من المشاكل الأمنية، واتخذ في عهده قرارات حاسمة ونفذ بعضها بالذات ما يختص بالجانب الأمني، إلا أنه فشل في تحقيق تقدم بالولاية في المجالات التنموية ويحسب عليه أنه قرب أبناء قبيلته، من مواقع سلطة الولاية. هؤلاء أكدوا أنه وجد دعماً من المراكز في حملته الرامية إلى حسم الصراعات القبلية، والآن يغادر الولاية وهى تشهد استقراراً أمنياً لا بأس به، كذلك بعض من تحدثوا لنا أمس من جنوب دارفور قالوا إن أهل الولاية لا يعرفون “الفكي”، لذلك ظلوا يسألون عنه منذ سماع أنه أصبح والياً لولايتهم.
الولاية التي لم تشهد تغييراً هي ولاية وسط دارفور وواليها الشرتاي “جعفر عبد الحكم”، فيما طال التغيير ولاية غرب دارفور حيث تم تعيين دكتور “خليل عبد الله” الذي سبق أن شغل منصب وزير بوزارة الإرشاد والأوقاف، وهو من أبناء سنار ومعروف بانضباطه التنظيمي.
القاسم المشترك بين ولاة دارفور الجدد أن جميعهم عرفوا بانضباطهم التنظيمي وتجربتهم في مجال الأمن، بجانب أنهم من الشباب فهل تستطيع هذه المواصفات أن تحدث اختراقاً في دارفور؟