رأي

رؤساء ونواب من عالم الحدادة والتجارة و(الورنيش)

الأستاذ الكبير “الهندي عز الدين”

حفظه الله من بين يديه ومن خلفه

(سلام قولاً من رب رحيم)

معرفتنا بشخصكم الكريم قديمة ،منذ أن كنا نشارككم المنتدى الثقافي ،بمكتب الأستاذ “النجيب مصطفى حسن” (المحامي) بالسوق العربي بالخرطوم، ألا رد الله غربة الأستاذ “النجيب” من سلطنة عمان وأعاده سالماً غانماً لبلده.
أنا من المداومين على الاطلاع على عمودكم المقروء والمشهور (شهادتي لله)، والذي تتلمس فيه قضايا مهمة وحيوية ومتنوعة، وتتناولها تناول الخبير والمحلل والناصح والمشفق.
ورد في عمودكم قبل أيام بعنوان (قبل تشكيل الحكومة الجديدة) ما يلي: الترهل في كم الوزارات وعدم إحسان اختيار الوزراء ،بترك الأمر لأحزاب ضعيفة بلا مؤسسات، دفع أحدها بسائق (قلاب تراب) مرشحاً للمجلس التشريعي، في دائرة جغرافية بإحدى الولايات، وفاز بعد فتح الدائرة.. يجعلني غير متفائل بتقديم كفاءات ذات قدرات وكفاءات، في قوائم الأحزاب الحليفة للمؤتمر الوطني.
إذا سمحت لي بأن أخالفك الرأي  هذه المرة وأقول لك إن كافة شرائح المجتمع تمثيلها مطلوب ومرغوب في البرلمان (وبالأخص في المجلس التشريعي بالولايات، لأنها تهتم بمناقشة قضايا التنمية والخدمات والرسوم في الولايات)، خاصة وقد توسع التعليم وزاد عن مستوى نواب برلمان زمان (… أخوي مركوب النمر بتاعي ما وقع في عينك)، أو ذلك النائب الذي أعتقد أن نقاش شراء الطائرات النفاثة للسودان هو بمثابة إحضار نفاسات (يطلق على الدايات أو القابلات القانونيات اسم النفاسات في بعض ولايات السودان).
في زيارة لنا إلى بنغلادش ،تم ترتيب زيارة لنا للاطلاع على مستويات الحكم المختلفة، محلي – ولائي (إقليمي)، اتحادي. فعند المستوى الولائي (Region) وجدنا نائب مجلس تشريعي من الأثرياء وهو ذو تعليم بسيط ويتحدث اللغة البنغالية فقط، هذا النائب فتح الله وبسط له من الرزق، فأصبح يمتلك عدداً من المحلات التجارية، البقالات، البصات، محطات البترول، وحسب حديثه أنه كان يدعم المرشحين والسياسيين، من حر ماله بالإضافة لتبرعه للمشاريع المختلفة، ولكنه ذكر أنه على مر السنين لم ير أي جديد أو أي تغيير، فبادر لترشيح نفسه وأصبح نائباً عن منطقته يدافع عن مشاكل منطقته ويساهم بماله في تنميتها وتطويرها ،وطبعاً بالإضافة لحماية مصالحه الشخصية.
يقال إنه عقب ثورة أكتوبر 1964م، وتكوين جبهة الهيئات ، سارع الشيوعيون بتكوين عدد هلامي من النقابات شملت حتى نقابات للغسالين والمكوجية وغيرهم، وبذلك استطاع الشيوعيون أن يستأثروا بجل المقاعد الوزارية في الحكومة التي تم تشكيلها عقب ثورة أكتوبر 1964م.
هذه المهنة الشريفة، أخي “الهندي”، لا يقدح فيها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بارك الله في رجل يأكل من كسب يده وإن نبي الله داؤود كان يأكل من كسب يده). وكما نعلم أن العديد من أنبياء الله كانت لهم مهنة مثل الحدادة (نبي الله داؤود) التجارة سيدنا “محمد” صلى الله عليه وسلم ، سيدنا “نوح” الرعي، سيدنا “موسى” ،ومن الصحابة عمل سيدنا “علي ابن أبي طالب” كرم الله وجهه في نقل الماء ،والعمل في مزارع المدينة.
هنالك العديد من أساطين العمل الاقتصادي في هذه البلاد بدأوا من الصفر وبقليل من التعليم وكثير من الصبر والاجتهاد، مثال الشيخ “مصطفى الأمين” رحمه الله، “الحاج آدم يعقوب” رحمه الله، الحاج “حامد ود الجبل”، “آدم عبد الله سوكال” وغيرهم كثر صبروا وتاجروا بالحلال، فأنشأوا إمبراطوريات مالية واقتصادية يشار إليها بالبنان. وبمناسبة التشكيل الوزاري الجديد أتمنى أن يتم إسناد منصب مالي أو اقتصادي رفيع لواحد من الرأسمالية الوطنية، الذين يعرفون كيف يصلون إلى القرش وكيف يحافظون عليه.
في فترة حكم الأحزاب في الديمقراطية الثالثة كان أحد أعضاء مجلس رأس الدولة، سائق لوري مشهور وقد وصل إلى هذا المنصب بجده واجتهاده، وقد ملأ ذلك المنصب وربح فيه، كذلك أحد وزراء الشباب في تلك الفترة كان يعمل ترزياً ،قبل أن يتقلد منصب وزير الشباب ،وأيضاً لم يكن هناك حرج في أن يتولى ذلك المنصب.
في فترة حكم الإنقاذ تم تعيين والٍ لإحدى الولايات الجنوبية ،وهو قد بدأ حياته سائق تراكتور، وكان سياسياً حصيفاً فصيحاً مؤمناً بالوحدة، ولا يفوتني هنا أن أذكر أن أحد مساعدي رئيس الجمهورية ،ممن لم يستطع أن يتكيف مع المنصب ولم يضف للمنصب ،ذكر في حالة استياء أنه مساعد الحلة (القراء الكرام يعرفون أنه في اللواري السفرية يكون هناك مساعدان للسائق أحدهما المساعد الكبير والثاني المساعد الصغير أو مساعد الحلة).
لا يفوتني هنا أن أشيد بأحد القامات الهندسية والاقتصادية السودانية وهو المرحوم “أحمد العكدابي” الذي شاد شركة “العكدابي” الهندسية وفي زيارة له مع الأخ العميد مهندس بحري “السر الأمين” أوضح لنا أنه بدأ حياته حداداً بهيئة النقل النهري (الوابورات)، وبعد ذلك زار معظم دول العالم، وفي إحدى زياراته إلى كوريا الجنوبية قابل مدير عام شركة هونداي وكان يريد إحضار كرين حمولة (500) طن (لأن في ذلك الزمن أكبر كرين في السودان يحمل (150) طناً، فأعجب مدير شركة هونداي بذلك وأشار إلى أنه بدأ حياته عاملاً بسيطاً في شركة هونداي إلى أن أصبح المدير العام. فأنظر إلى تشابه تاريخ الرجلين “العكدابي” ومدير شركة هونداي.
يجب ألا ننسى زفة المولد النبوي في أم درمان زمان وتنافس أصحاب المهن فيما بينهم كل ينسب العز والفضل (العز لمين.. للنجارين.. للحدادين، للجزارين وهكذا..).
أما من العالم الخارجي فسأقوم بإيراد مثالين لرئيسين من أشهر رؤساء العالم الذين أتوا من خلفية عمالية، فالرئيس البرازيلي السابق “دي سيلفا” الذي حكم البرازيل فترتين رئاسيتين وهو الذي أقال البرازيل من عثرتها وتدهورها الاقتصادي واستطاع أن يصل بالبرازيل إلى آفاق الدول الاقتصادية الكبرى،هذا الرئيس البرتغالي بدأ حياته عاملاً صغيراً بسيطاً كصبي ورنيش يلمع الأحذية وكذلك رئيس بولندا في أوائل الثمانينيات “ليش فاليسا” ذو الشارب والويسكر الشهير والذي قاد إضراب نقابات العمال الشهير (وهو نفسه كان عاملاً بأحواض بناء السفن في جدانسك) وقد أسقط رئيس الدولة القوي الجنرال “ياروزلسكي”.
أما في مصر أم الدنيا فإلى فترة قريبة كان من شروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب المصري هو الإلمام بالقراءة والكتابة، وفي فترة الرئيس الأسبق “محمد حسني مبارك” فقد تم معرفة أن هنالك العديد من النواب أعضاء مجلس الشعب المصري كانوا يأخذون حصصاً مسائية في منازلهم لإزالة أميتهم.
أتفق معك أخي أستاذ “الهندي” أنه لا يكفي أن يرفقوا سيرة ذاتية (C.V) للمرشح تقول إنه حاصل على درجة البكالوريوس في الزراعة أو الاقتصاد أو الماجستير في إدارة الأعمال وأن البعض يعاني من ضحالة مستواه الثقافي والمعرفي، وأهلنا بيقولوا القلم ما بزيل بلم، وبخصوص التعيينات السياسية، وما فيها ، أختم بحكاية حقيقية حكاها اللواء الركن متقاعد “إسماعيل البيلي” ،والذي كان ضمن الحرس الرئاسي للرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري”، ذكر أن أحد الأشخاص دخل على الرئيس “نميري” ،وزعم أنه خبير اقتصادي عمل في المنظمات الاقتصادية الدولية، وأنه حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وأنه قادر بعلمه وكفاءته وعلاقاته الواسعة وخاصة بدول الخليج، ودول الغرب على حل مشاكل السودان الاقتصادية خاصة في البترول والغاز والخبز، فعلاً تم تعيين المذكور بقرار جمهوري مستشاراً اقتصادياً للرئيس “النميري”، ولكن بعد فترة قصيرة تبين عدم كفاءة المذكور، وعدم حصوله على أي مؤهل جامعي فتم إعفاؤه.
وفق الله الجميع لما فيه خير وتقدم السودان.

لواء بحري ركن (م)  الصادق عبد الله أحمد محمد
Sadig_2004@yahoo.com
 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية