تقارير

"إبراهيم أحمد عمر" …رجل الموازنات في وقت الأزمات!

البرلمان يختار رئيسه

فاطمة مبارك
 
سبقت اختيار رئيس البرلمان لهذه الدورة تكهنات عديدة ارتفع فيها سقف التوقعات، حينما أشارت مطابخ الحزب الحاكم إلى أن المساعي تجري لإقناع الأستاذ “علي عثمان  محمد طه”، نائب الأول رئيس الجمهورية السابق، للعودة إلى أضواء السياسة من جديد عبر بوابة السلطة التشريعية كرئيس للبرلمان. وحتى اقتراب الموعد المضروب لاختيار رئيس البرلمان، لم يخطر بذهن أحد أن  البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” سيتقلد هذا المنصب على ضوء أنه بلغ من العمر عتياً، إضافة إلى أن شخصيته عرفت بأبعادها الأكاديمية والعلمية وقد لا تتناسب  صفاته وخصائصه مع أجواء وطريقة طرح القضايا وتداولها في البرلمان،  كما أنه  عندما غادر السلطة والحزب قبل أكثر من ثلاث سنوات، ألقى خطاباً واضحاً إلى منسوبي  حزبه مشحوناً بالأسئلة، من شاكلة: هل نحن نطبق الشورى وهل ننتهج الديمقراطية؟ طرح  هذه التساؤلات، وغادر واعتكف بداره بحي مكي بأم درمان، معتذراً حتى من اللقاءات الصحفية ومقللاً في ذات الوقت من الظهور في مناسبات الحزب.  لكن الحزب عندما اختاره لرئاسة البرلمان الجديد قال إن “إبراهيم أحمد عمر” رجل صاحب حكمة وله تجربة طويلة وممتدة في قيادة العمل العام،علاوة على أنه حظي بتأييد وإجماع كبير من أعضاء المؤتمر الوطني الذين  تباينت آراؤهم حول كثير من الشخصيات.  ويبدو أنه كذلك يحظى بإجماع من الأحزاب الأخرى المشاركة في البرلمان، حيث صوت أمس لصالحه (374) في حين أن عضوية المؤتمر الوطني في البرلمان (324)  عضواً.
تقول سيرته أنه من قدامى الإسلاميين تخرج في جامعة الخرطوم بعد أن درس كليتين  كلية العلوم والآداب، حمل درجة الماجستير في الفلسفة، من أبناء أم درمان حي مكي، ومازال يقطن ذلك الحي رغم تقلده للعديد من المناصب. أصوله التاريخية تعود إلى جبل أم علي معروف باهتماماته الفكرية والفلسفية كان شاهد عصر على كل التحولات السياسية للحركة الإسلامية قبل وبعد استلامها السلطة في يونيو من العام 1989، بعد تولي تنظيمه للسلطة طبق بروفيسور مشروع ثورة التعليم العالي كوزير للتعليم العالي. وأصر على إكمال المشوار رغم الانتقادات التي وجهت لحزبه وشخصه. ولهذا السبب أصبح بعض الناس يصفونه بالتشدد، وواصل في مجالات تخصصه حتى انتقل إلى الحزب متدرجاً في مواقع مختلفة.
حدثنا أحد سكان حيه العريق مكي أن أهم ما يميزه هو تواضع العلماء ودائماً يتعامل مع جيرانه كمرشد. ونفى عنه صفة التشدد التي وصفه بها بعض من حدثونا. وقال إنه غير متعصب لآرائه ربما يكون غيوراً على قناعاته.
عرف باعتقاده الراسخ بأنه متى ما توفر الحاكم العادل ينبغي أن يقابل بالولاء والإخلاص من قبل الناس وهذا الاعتقاد عرف اصطلاحاً بفقه البيعة. وطبق البروف هذا الفهم عملياً عندما توصلت حركته الإسلامية  إلى مصالحة مع الرئيس الأسبق “جعفر نميري في 1977. ووقتها  دعا “إبراهيم أحمد عمر” عضوية الحركة الإسلامية إلى الالتزام بفقه البيعة. وبناءً على ذلك دعا الإسلاميين لحل تنظيم الحركة الإسلامية طالما أنهم بايعوا “نميري”، وطبق هذه القناعة في عهد الإنقاذ حيث كان “إبراهيم أحمد عمر” من الداعمين لخط حل الحركة  الإسلامية حتى لا يكون هناك تنظيم ودولة وتحدث ازدواجية .
بروفيسور “إبراهيم” كان أحد الموقعين على مذكرة العشرة التي مهدت لمفاصلة الإسلاميين ودعت للشورى والشفافية، وبعدها انحاز إلى المجموعة المساندة للرئيس “البشير”مقابل المجموعة التي ساندت شيخهم “الترابي”، وفقاً للمقربين منه، أنه اتخذ هذا الموقف بناءً على قناعاته السابقة التي تحتم طاعة الحاكم باعتباره ولي الأمر وفقاً لفقه البيعة، تقلد منصب الأمين العام للمؤتمر الوطني خلفاً للترابي بعد أن تمت إزاحته من المنصب، وعندها كان الاعتقاد السائد بين القيادات أنه أنسب شخصية لخلافة “الترابي”. فيما قال أحدهم حينها حسب ما روي، إن هذا اختيار آمن لا ينازعه فيه أحد وربما يكرر التاريخ نفس المشهد، حيث لا يوجد الآن من ينازعه على منصب رئيس المجلس الوطني. البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” يعتبر من الشخصيات الوفاقية التي تحظى بقبول وسط الإسلاميين، حيث أدار المؤتمر الوطني في تلك الفترة العصيبة التي أعقبت المفاصلة وأخرجه من أزمة كادت أن تعصف بالإسلاميين وسلطتهم.
  الآن هناك ثمة مؤشرات تدل على أن هناك  موازنات أتت به إلى رئاسة البرلمان، من بينها أنه يعتبر من شخصيات الحرس القديم في الحزب التي تجمع بين الحكمة والوفاق، رغم عدم  وجود علاقة بينه وبين رئاسة البرلمان الذي يتطلب وجود شخصية ملمة بالدراسات التشريعية وعلم القانون. ومن المتوقع أن يضفي البروف هيبة على البرلمان بما يملك من حكمة وحنكة وتجربة في العمل السياسي، كما أنه يعتبر من الداعمين لخط  وحدة الإسلاميين والتيار الإسلامي العريض، وسعى لذلك منذ المفاصلة ولم ينقطع عن مواصلة هذا الدور لوقت قريب، وقيل إنه أول من كشف للناس اللقاء الذي جمع بين “البشير” و”الترابي” مؤخراً، وقاد إلى التفاهمات التي تمضي الآن  في اتجاه إيجابي. وهذا الخط يعتبر الآن من الخطط الإستراتيجية لدى الإسلاميين بعد الذي حدث في مصر وبعض دول الربيع. على صعيد التواصل مع الأحزاب كان البروف مسؤولاً قبل ذلك عن لجنة التفاوض مع حزب الأمة القومي. وربما يهيئ له البرلمان فرصة تحقيق التوافق من موقعه كرئيس للبرلمان.
كذلك اختيار بروفيسور “إبراهيم” كرئيس للبرلمان تزامن مع تأكيد الحكومة على أن الحوار هو الخيار الوحيد لحل مشاكل السودان. و”إبراهيم” محسوب على القيادات الوفاقية التي ظلت تسعى إلى جمع شمل الأحزاب،  وما يعضد  هذا الزعم قوله  في خطابه المطول الذي ألقاه أمس في البرلمان، إن الحوار الوطني سيظل الخيار الإستراتيجي، واعتبره فكرة عبقرية تدل على وعي القيادة، مشيراً إلى أنه وجد تجاوباً كبيراً من الحادبين على تقدم البلاد.
وأكد إبراهيم لدي مخاطبته أعضاء المجلس الوطني عقب اختياره رئيسا بالأغلبية،  دعم المجلس للدولة في مسيرة الحوار الوطني وتوسيع قاعدة الحوار حتى يصبح منهجا لمقابلة كافة التحديات التي تواجه السودان خاصة قضايا الأمن والسلام.
اختيار بروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” في هذا التوقيت يحمل كثيراً من الدلالات سواء على مستوى حزبه أو الحكومة. فهل ستشهد الساحة السياسية تحولاً يشابه هذا الاختيار، أم أن هناك أدواراً مرسومة له؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية