بين رجلين-
{اختار المكتب القيادي للمؤتمر الوطني القيادة الجديدة للهيئة التشريعية القومية التي تتألف من المجلس الوطني ومجلس الولايات، وكانت المفاجأة الأولى للبشير في دورته الجديدة ترشيحه لشخصيتين تمثلان جيلين مختلفين ومرجعيتين متباينتين.. ولم تجد ترشيحات الرئيس إلا الدعم والسند والتأييد من أعضاء المكتب القيادي الذين تنتظرهم مهمة شاقة جداً يوم (الأربعاء) القادم، حينما يلتئم المكتب لاختيار الحكومة الاتحادية (مجلس الوزراء) وولاة الولايات.. ولكن اجتماع (السبت) مرر ترشيحات الرئيس التي وجدت الرضاء داخل أجهزة حزب المؤتمر الوطني والارتياح البالغ في الشارع العام، لأن القيادات التي تم اختيارها من الشخصيات المتفق عليها في أوساط عامة السودانيين. فالبروفيسور”إبراهيم أحمد عمر” يمثل الجيل الأول للحركة الإسلامية.. عرف عنه الزهد في الدنيا والبعد عن مباهجها وغنائمها .. تقلب في المناصب الوزارية من التعليم العالي للعلوم والتقانة ومستشاراً للرئيس بالقصر ولم يبدل مسكنه في حي ودنوباوي الأم درماني العريق. ظل “إبراهيم أحمد عمر” متواضعاً في مظهره ومخبره ودوداً حليماً صادقاً يحترم الصغير قبل الكبير لا يغضب ولا يثور.. يعبر عن رؤيته وقناعاته حتى لو أدى ذلك لفقدانه منصبه، وما قصة خروجه من وزارة التعليم العالي ببعيدة عن الأذهان.
ووجود شخصية يحترمها الجميع في منصب رئيس البرلمان من شأنه تعزيز سلطة الرقابة والمحاسبة بعد أن ضعف دور البرلمان في عهد د.”الفاتح عز الدين” وأصبح رئيس البرلمان يتوعد المعارضين بحرمانهم من الدفن في تراب الوطن، مع أن مساحات شاسعة من تراب الوطن تقع خارج سيطرة الدولة. وبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” شخصية يحترمها الناس لذلك فإن وجوده في البرلمان بمثابة تقوية للمؤسسة لا إضعافها.
أما الدكتور “عمر سليمان آدم” رئيس مجلس الولايات فهو من الجيل الثاني من الحركة الإسلامية .. يمثل مرجعية فكرية وثقافية وسياسية لقطاعات عريضة من الإسلاميين، صاحب تجارب في الحكم الاتحادي والياً ووزيراً تسنده الخبرة في مهمته الجديدة. وقد تعرض لمحاولات إقصاء من الساحة السياسية وإبعاد قسري لكن ثقة الرئيس فيه وعلاقته الحميمة به جعلت من د. “سليمان” هو خيار المرحلة القادمة لمجلس الولايات الذي يعتبر تجربة جديدة. ولكنها ضرورية ظلمها الرؤساء الذين تعاقبوا على قيادة المجلس.
يعتبر “عمر سليمان” شيخاً ومعلماً في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني من أهل العزائم الذين يعفون عند المغانم..عرف بالتواضع.. والزهد ونظافة الأيادي من المال العام..وعفة اللسان حينما يتحدث.. لم يدخل مجلس الولايات إلا بعد أن قال المركز كلمته وصوب توجيهاته لحكومة الجنرال “أحمد خميس” وهي تقصي أمثال “عمر سليمان” ود. “عيسى بشري” و”عبد الواحد يوسف” و”سالم الصافي” لشيء في نفس ثلة من السياسيين أحاطوا بالجنرال “خميس”، وزينوا له أن قيادات ورموز المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، إذا لم يتم إقصاؤهم من المشهد السياسي وإبعادهم لن يستقر حكم الفولة .. لكن المركز كان حصيفاً بترشيح أغلب هؤلاء القيادات في دوائر بعيدة عن نفوذ الجنرال، وتلك من الأسباب التي أدت لمراجعة تجربة انتخابات الولاة، بعد أن ساد الفساد وأهدرت القيم وذبحت العدالة في رابعة النهار الأغر.
وجود الرجلين بروفيسور”إبراهيم أحمد عمر” ود. “عمر سليمان آدم” في قيادة الهيئة التشريعية القومية، يمثل خطوة هامة في مسار إصلاح الحكم في البلاد، ومؤشراً لما يمكن أن تكون عليه حكومة الرئيس “البشير” التي ينتظر إعلانها يوم (الأربعاء) القادم.