نقاطة الإيصالات
إن صحت وصدقت التوجهات التي التزم بها وزير المالية والاقتصاد الوطني ﺑﺤﻮﺳﺒﺔ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، وإلغاء الإيصال المالي الذائع الصيت (ﺭﻗﻢ 15) وﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻹﻳﺼﺎﻝ ﺍﻹﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ، وقد قرأت خبراً متداولاً وبصيغ مختلفة عن توجيه الوزير للمواطنين ﺑﻌﺪﻡ ﺳﺪﺍﺩ ﺃﻱ ﺭﺳﻮﻡ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﺑﺎﻹﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﻣﻄﻠﻊ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ، ﻭﻓﺘﺢ ﺑﻼﻍ ﻓﻲ ﺃﻱ ﺟﻬﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ. وأجد نفسي في حيرة من تلكؤ إنفاذ مثل هذا المشروع الذي اختلطت أخباره وطرق روايته، إذ يخيل للمرء مرات أن نفس التصريح قيل في مناسبات مختلفة وبصيغ متعددة وصلاً بتوقيتات متفاوتة تنتقل من مايو إلى يونيو، والأول شارف على الخروج وسيأتي الآخر وينتهي وأخشى أن أورنيك التحصيل القديم قائم ومستقر والحوسبة على الصحف !
وفقاً لأغلب التوقعات وأصدقها فإن ﺣﻮﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻳﻮﻓﺮ ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ ﺃﻛﺒﺮ وغاية ﻟﻺﺻﻼﺡ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﻣﻨﻊ ﺍﻟﺘﺠﻨﻴﺐ ﻭﺭﻓﻊ ﻛﻔﺎﺀﺓ ﺍﻹﻳﺮﺍﺩﺍﺕ، وهو قول الدكتور “بدر الدين محمود” حرفياً، وبالمقابل فإنه يوقف إهدار وضياع أموال طائلة للمواطنين والدولة نفسها مع طرق التحصيل القديمة بالأورنيك المعروف الذي لا يدري له أحد آلية مطابقة أو مراجعة. فهو عند عمال المحليات وفي واجهات مطلوبات الدمغات والإشعارات ويتمدد من أعلى إلى أسفل، لا يترك جيباً إلا ونزع منه جنيها أو توقيعاً وإلا وسلط عليه تحصيلاً ثم تكون المحصلة في الأغلب الأعم أن ليس كل المال يذهب إلى خزينة الدولة.
الدولة والشعب يفقدان أموالاً طائلة، تتسرب للنقل بالإهمال ولا داع لغمز جانب أحد، ولهذا لن يكون غريباً أن ترى بعض المؤسسات تتحصل على الملايين ثم لا يظهر أثر ذلك سواء في الخدمة المقدمة لزبائنها فضلاً عن إيرادات تراها تمشي بين الناس واكتظاظهم ولكنها لا تعود بعافية في شرايين الاقتصاد الوطني، ولهذا فإن مشروع الحوسبة هذا سيواجه بحرب ضروس وضارية من جهات عديدة، سيفقدها الأمر (نقاطة) تتسرب منها قطرات تقيم أود البعض وتدعم مكاسبه، ولذا لا تستغربوا إن أتى هذا الوزير أو غيره العام المقبل في مناسبة أخرى، وأعلن أن هذا المشروع سينفذ في مايو وبين يونيو.
بالأمس القريب أجريت معاملة بأحد المؤسسات، دفعت المطلوب مني (كاش) ولم ينقدني الموظف (الباقي) بحجة العذر الأشهر (فكة مافي) وهو تعبير ظريف معناه أن عليك ترك جنيهين أو خمسة، ويتركها المواطن عادة بحسبان أن حصوله على نهاية لعذاباته في حد ذاته أمر أكبر قيمة من متبقي حقه. وحصلت كذلك على إيصال متهالك لا شيء يظهر فيه غير صقر الجديان بالجهة اليمنى وشعار الوزارة المتحصلة على الجانب العلوي الأيسر وأما بقية (البيان) على الإيصال فمحض (شخبطات)، لم أفهم منها حرفاً أو توصيفاً لكنها آخر الأمر مبرئة للذمة الإجرائية، وأما الأعجب من هذا كله أن الإيصال بلا صورة ولم يوضع على كربون، وبالتالي فإن ما دفعت قد يذهب إلى خزينة الوزارة ومن ثم إلى المالية وقد لا يذهب !