أمن الحدود!!
تطورات خطيرة تشهدها الحرب الآن في دولة الجنوب بعد الانتصارات التي حققتها المعارضة على الحكومة عسكرياً وسياسياً والولوج لمنطقة إنتاج البترول الحدودية مع السودان، وهي منطقة تمثل شريان الحياة لحكومة “سلفاكير” التي تكاثرت عليها الضربات الموجعة من داخل البيت بتمرد كبار الضباط وعودة تحالف (النوير) و(الشلك) الذي كان له الأثر البالغ في إضعاف الحركة الشعبية أيام “قرنق”، انشقاق “د.مشار” و”تعبان دينق” ود. “لام أكول”، ما أدى لإضعاف الحركة، وتمكنت حكومة السودان الموحد حينذاك من استثمار الصراع واستخراج البترول الذي أجج الصراع في السودان وأغرى الجنوبيين لاحقاً لاختيار الانفصال بدلاً عن الوحدة. إلا أن ذلك الرهان قد خاب، وترددت الآمال واندلعت الحرب وصُنفت الدولة الوليدة كدولة فاشلة غير قادرة على كبح جماح شبق قادتها ورموزها في التطاحن من أجل الحكم، لتصبح دولة الجنوب في مهب الريح.
إثر تداعي الصراع الجنوبي على الأمن الحدودي للسودان، توجهت لجنة أمن جنوب كردفان التي تمتد حدودها مع الجنوب لأكثر من ألف كيلومتر وهي حدود مفتوحة تتداخل فيها المشكلات الأمنية من خلال التداخل الجغرافي والجيوسياسي.. توجهت إلى هناك.
وللتمرد في منطقة جنوب كردفان علاقات وثيقة جداً بأطراف النزاع هنالك تاريخية ولحظية، وفي بداية التمرد وقفوا إلى صف أولاد “قرنق” الذين تمردوا على رئيسهم “سلفا كير” لكنهم سرعان ما تخلوا عنهم ووقفوا إلى صف الحكومة طمعاً في ما في خزائنها الخاوية، وانشغلت حكومة “كير” بما في جنوب كردفان أكثر من تمرد الجنوب ومدت الحركة بما تحتاجه من سلاح وعتاد وتركت شعبها يتضور جوعاً.. وإزاء تلك التطورات العسكرية المهمة فإن منطقة الحدود تمثل ثغرة كبيرة ينبغي سدها.. وبكل أسف حدود السودان مع دولة الجنوب يحرسها المواطنون بسلاحهم وليس القوات الحكومية.
خلال زيارة لجنة أمن جنوب كردفان للمناطق الحدودية تكشفت حقائق عديدة أولاها أن الحدود ثغرة كبيرة يمكن أن تدور عمليات الجنوبيين داخل أراضينا مما يفرز سلبيات كبيرة.. ثانياً دخول المتأثرين بالحرب لوطنهم القديم لا يحتاج إلى جواز سفر لحدود مفتوحة ولا وجود للقوات النظامية.. ثالثاً أن الحركة الشعبية تستفيد من الاضطرابات الحدودية بالحصول على السلاح مجاناً.. لذا وجود قوات على الحدود الآن يمثل ضرورة قصوى حتى لا يؤتى السودان من ثغرة حرب الجنوب الحالية.
لقد بدأ تدفق اللاجئين الجنوبيين على المناطق الحدودية مرة أخرى في ظروف قاهرة وصعبة جداً، وقد عانى شعب الجنوب طويلاً من تعدد الحروب واستدامتها في بلد شقي كثيراً بإخفاقات قادته ورموزه الذين لم يرتقوا إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية تجاه شعب تقاذفته الصراعات والأزمات، ولكنه لا يزال يتشبث بالأمل عسى ولعل أن تنفرج أزماته حتى لو أدى ذلك للعودة إلى الوطن الأم من خلال صيغة علاقة أخرى غير الوحدة القديمة.