تمريرات طويلة
أعتقد أن للحكومة في المرحلة المقبلة اتجاهات متطورة لتطوير العلاقات الخارجية والانتقال بالبلاد إلى وضع أكثر مقبولية في الأوساط العالمية والإقليمية، أفريقيا من المؤكد أن شواهد كثيرة تعزز حقيقة أن للخرطوم وضع سياسي ودبلوماسي متميز، فقياساً على وقائع الموقف من الجوار الإقليمي، فالملمح الأبرز حالة الاستقرار في العلاقات أن لم نقل إن بعض العواصم تتواصل مع الخرطوم بشكل يتجاوز حتى وصف الاستقرار إلى حالة من الانسجام الكلى، فشمالاً تبدو وكأن الأمور قد رتبت بالكامل مع الجارة مصر، وغرباً فتشاد بذات القدر بل وأكثر وحتى ليبيا على دقة وحرج وضعها تمضي الأمور معها على نحو جيد، وشرقاً فليس أفضل مما هو كائن الآن من شراكات وتعاون مع “أثيوبيا” و”ارتريا”، وتبقى فقط إشكالية الوضع مع الجنوب والذي تعقده “جوبا” من تلقاء نفسها وتجر فيه جارتها الشمالية للظنون والهواجس.
عربياً يبدو أن ثمة قراءات جديدة وترتيب للأوراق، ومن الواضح أن العلاقة مع “المملكة العربية السعودية” وهى رمانة ميزان الوسط العربي تمضي إلى تفاهمات ستؤسس لشكل علاقة يدعم ويقوي قواعد ظلت قائمة في الأصل من عقود بما يطور الشكل الرسمي ليكون بذات امتدادات البعد الشعبي بين البلدين، فدون دول الخليج والعالم يكن السودانيون في وجدانهم وضعاً متميزاً لـ”السعودية”، وكذا الحال في الجانب الآخر من الشعب السعودي، أعتقد أن الجانب السياسي والرسمي لم يكن قط بعيداً عن هذا الأثر وهو ما ساعد في تقديري في أن تعود لذات حيويتها السابقة والزيارة المفاجئة للمشير “البشير” أمس الأول للمملكة العربية تشير إلى خطوط التواصل والتشاور أصبحت مفتوحة وإن ثمة تداول وتبادل حول أمور وموضوعات فيها الخاص بالبلدين وفيها العام المتعلق بأوضاع المنطقة.
السعودية بلد محوري في المنطقة العربية ويمتد أثرها إلى نطاقات دولية وهو ما سينعكس إيجاباً على مواقف أطراف أخرى في العالم، وصحيح أن التواصل وتحسين الصورة والمواقف مع تلك الجهات يتطلب مجهودات ذات مسارات مختلفة، لكن الصحيح مع هذا إن استصحاب البعد العربي والنطاق القريب وتأثيراته في الدعم والإسناد جانب لا يمكن إغفاله وله نقاطه الايجابية ومردوداته في المحصلة النهائية لجهد الدبلوماسية السودانية التي يجب الإقرار على التزام الوزير “كرتي” جانب الصمت وتحاشي الاسترسال في الإيضاح والإبانة، فإن الدبلوماسية قد أحدثت حراكاً فاعلاً قد لا يتم كشف كافة أبعاده، لكن في النهاية جهد رجال وأطقم ربما قدرت ألا تهدر جهدها بحسد الإشهار بالتفاصيل.
الانفراجات الخارجية أثبتت أنها ذات دفق يحسن كثيراً الأوضاع الداخلية على جهة المحاور السياسية أو الاقتصادية وهو ما يتطلب الإفادة من الأجواء الصحية تلك خاصة من جانب الحكومة في تطوير آليات الدفع ومبادرات الوفاق الوطني والسلام، هذا رغم أن حاملي السلاح قد يمضون أكثر في الاشتطاط رغم ضعف حالتهم وتعرضهم لمأزق الانهيار الشامل عسكرياً مما انعكس حتى على قلة أنشطتهم السياسية والإعلامية مؤخراً.