مسألة مستعجلة
والخاسر السودان !!
نجل الدين ادم
استعرت الحرب في دولة جنوب السودان بضراوة بخاصة في الولايات المنتجة للبترول بولايتي أعالي النيل والوحدة، وأول أمس سيطرت قوات نائب رئيس دولة جنوب السودان السابق د. “رياك مشار” المتمردة على مدينة “ملكال” حاضرة ولاية أعالي المتاخمة لشمال السودان.
قبل الانفصال كان الجنوبيون على قلب رجل واحد لتحقيق مطالب السياسيين وليس شعب الجنوب وهو الانفصال وتكوين دولة جديدة، ولكن ما أن تحقق الهدف إذ بدأت المطامع تتغلغل بينهم وحدثت حالة جفوة انتهت بانفصال داخلي. “خرج مشار” معارضاً للرئيس “سلفا كير” وانقسمت القوات بين الرئيس ونائبه، هذا الخروج كان الشرارة الأولى لحرب داخلية تأذى منها المواطن الجنوبي البسيط وفر هارباً من جحيم الحرب في اتجاه الشمال الذي استقبلهم بأريحية، رغم الظروف الاقتصادية وذهاب البترول مع الدولة الوليدة. وهكذا عاد شعب الجنوب إلى الشمال رغم أنهم صوتوا على مغادرته بنسبة (99%).
بالتأكيد أن هؤلاء الفارين شاركوا المواطن السوداني في المأكل والمشرب والخدمات الصحية، فأخذوا امتيازات النازحين وليس اللاجئين. الحكومة كانت تعلم علم اليقين أن أي تبعات سالبة أو تدهور أمني في جنوب السودان سوف يتحملها السودان، ومع ذلك ذهبت في اتجاه تنفيذ حق تقرير المصير. وما يحسب على الحكومة أنها لم تعمل لصالح الوحدة على أرض الواقع، وفي المقابل لم تعمل للانفصال، لذلك كانت المحصلة صفراً، خسارة فوق خسارة. الجنوبيون رغم ضعف تجربتهم حددوا هدفهم بدقة واختاروا طريقاً وعملوا له بجد واجتهاد وفي صمت، إلى أن تفاجأ الناس بأن (99%) من الشعب الجنوبي صوتوا لصالح الانفصال، كان القرار صادماً للسودانيين رغم توقعات نتيجة الانفصال. والصدمة جاءت من الأغلبية الساحقة التي صوتت على مغادرة الشمال إلى غير رجعة، ولكن الأقدار ساقتهم إلى الرجعة !!.
الآن وضح جلياً أن السودان يتأذى بصورة مستمرة من تفلتات دولة الجنوب الداخلية من جهة ومن دعمها المستمر لمتمردي دارفور وقطاع الشمال وإيوائها لهم من جهة أخرى. وخير شاهد على ذلك قوات العدل والمساواة التي تحركت من العمق الجنوبي مجهزة بالعدة والعتاد، لعبور كردفان والنيل الأبيض في اتجاهها إلى الخرطوم، إلا أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة كانت أسرع في إحباط المخطط وكسر شوكة حركة العدل والمساواة. ورغم التعامل الذي يجده اللاجئ الجنوبي في الخرطوم والولايات المختلفة كما أشرت، إلا أن “جوبا” تتعامل مع الشماليين من السودانيين المتواجدين هناك بتعسف شديد، سواء أكانوا عاملين هناك وحتى التجار يتعرضون لمضايقات. وقد حدثني أحدهم أن حكومة الجنوب تفرض مبلغ (300) جنيه شهرياً على كل سوداني نظير إقامته هناك!. وعدد من الأجهزة السودانية ذات الصلة تعلم بذلك ولكنها تغض الطرف. أرجو أن تكون المعاملة بالمثل حاضرة حتى تتعلم دولة جنوب السودان أبجديات أن التعامل بالمثل، هو الجزاء الأمثل وليس التحفيز وفتح الأبواب على مصراعيها.