دكتور "الصادق الهادي المهدي" رئيس حزب الأمة (القيادة الجماعية) لـ(المجهر):
آفة السياسة السودانية أن السياسيين العاطلين يعدّونها وسيلة لكسب العيش
استطعنا أن نحصل على المركز الثالث بعد المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الأصل
ضعف الإمكانيات لا ضعف الجماهير حال دون نزولنا في ولايات السودان
سنشارك في الحكومة القادمة إذا كانت القسمة مرضية لنا
يجب أن لا ننظر إلى مشاركة السودان في (عاصفة الحزم) باعتبارها موقفاً سياسياً بمقابل اقتصادي
رئيس حزب الأمة (القيادة الجماعية) حاصل على زمالة كلية الأطباء الملكية ببريطانيا، زميل كلية متخصص في أمراض القلب– جامعة لندن، انشق مع ابن عمه “مبارك الفاضل المهدي” ضمن الأمة القومي الإصلاح والتجديد، لكن سرعان مع انشق للمرة الثانية عن الإصلاح والتجديد وكوّن حزب الأمة (القيادة الجماعية).. عمل وزيراً للتربية والتعليم بولاية الخرطوم، ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية.. تقدم باستقالته معترضاً على قرار الحكومة في مايو 2013 برفع الدعم عن المحروقات.. يتميز بشخصيته هادئة.. فاز في الانتخابات الأخيرة بعضوية البرلمان.. وضمن حواراتها مع النواب الجدد أجرت (المجهر) معه حواراً حول الراهن السياسي ومشاركته في الحكومة القادمة.. فإلى مضابطه.
حوار- وليد النور
{ كنت مستشاراً لرئيس الجمهورية وتقدمت باستقالتك وعدت لممارسة مهنتك.. ما الذي دعاك للترشح ثانية؟
– لم أترك العمل السياسي لأنه ليس مربوطاً بالمهنة، وإذا شغلت وظيفة مستشار أو وزير أو غيره، فهذا المنصب عرضة للاستقالة أو الإقالة.. فإذا تم إقصاؤك لن تقول إنني تركت العمل السياسي أبداً.. العمل السياسي ليس مرتبطاً بالعمل الدستوري، وكوني أرجع إلى مهنتي فهذا أمر طبيعي، أن يعود الإنسان إلى مهنته.. وأنا لست سياسياً عاطلاً عن العمل.. أنا سياسي عامل ولديّ مهنة.. وآفة السياسة السودانية أن السياسيين العاطلين يعدّون السياسية وسيلة لكسب العيش.. نحن نعمل، وهذه مهنة نفتخر بها، والسياسية مبادئ وأهداف نؤمن بها ونعمل ساعين لإنزالها بالوسائل كافة.
{ ما هو السبب المباشر في تقديم استقالتك؟
_ اعترضت على قرار رفع الدعم عن المحروقات في مايو 2012م، وكان رأي حزبنا أن الحلول تكمن في قيام مؤتمر اقتصادي يشارك فيه الخبراء والمختصون من أهل الشأن، يخرج بتوصيات تلتزم بها الدولة، بجانب تخفيض الترهل في الدولة.. وكان هنالك عدد من المستشارين.. ولابد من تقليص الحكومة.. وأنا كنت أول المبادرين بأن يقلص عدد المستشارين.. وقد كان.. وهذا كان جزءاً من التقشف الاقتصادي للدولة بعد رفع الدعم عن المحروقات في 2012م.
{ هل كنت المستشار الذي لا يستشار؟
_ لا أبداً.. القصة لها علاقة بالبرنامج الاقتصادي للدولة وقتها وسياسة التقشف.. نحن كنا مبادرين بإخلاء الموقع، وكنا نؤمن بأن الدولة كانت مترهلة ويجب تقليصها قدر المستطاع.
{ فكرة الترشح في الجزيرة أبا ودلالاتها.. وما هي النتائج التي حققها حزبكم في الانتخابات؟
_ السياسة أصلاً هي قراءات، ونحن رأينا أن الانتخابات فرصة طيبة للحراك الجماهيري والسياسي.. ومنطقة الجزيرة أبا هي مركز ثقل فكري وديني، حيث إنها تمثل الشرارة التي انطلقت منها (الثورة المهدية) التي انتشرت في ربوع السودان وتمثل المركز الثاني للدولة السودانية، بعد تحرير الخرطوم في يناير 1985م، والحمد لله حققنا فيها نتائج طيبة.. وقد نزلت في هذه الدائرة استجابة لعدد كبير جداً من شيوخ المنطقة الذين تربطني بهم علاقة متميزة بتلك المنطقة، غير العلاقة التاريخية المعروفة، ووجودي هناك من حيث توفير الخدمات ومساعدة أهلها.. حتى قبل أن أفكر في دخول الانتخابات كان التواصل مستمرا معهم.
{ هل شاركتم في الدوائر القومية والقائمة الحزبية والمرأة ؟
_ نسبة لإمكانيات الحزب المحدودة نزلنا في أربع ولايات فقط: ولاية النيل الأبيض، الجزيرة، شمال كردفان وجنوب دارفور. لكن بالرغم من أننا نزلنا في عدد محدود من الولايات استطعنا في القائمة القومية الحزبية أن نحصل على المركز الثالث بعد المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الأصل بنسبة (218) ألف صوت، الأمة القيادة الجماعية الثالث (213) ألف صوت.. نزلنا في أربع دوائر قومية وفزنا في اثنتين منها. ونزلنا في (12) دائرة ولائية وفزنا بحوالي (6) دائرة ولائية.
{ ضعف الإمكانيات المادية أم ضعف القاعدة الجماهيرية؟
_ لا.. أبداً، لم يكن ضعف الجماهير، والدليل أننا أحرزنا المركز الثالث في القائمة القومية النسبية على الرغم من عدم نزول مرشحين مُوازين.. لكن ضعف الإمكانيات حال دون نزولنا في ولايات السودان كلها.
{ مستقبل الشراكة مع المؤتمر الوطني في البرلمان القادم والجهاز التنفيذي؟
_ أعتقد أن الحوار الوطني هو أفضل وسيلة لحل قضايا الوطن، وبالتالي الشراكة السياسية ستكون متواصلة مع البرنامج المطروح وهو إكمال الحوار الوطني إلى نهاياته ثم المشاركة، ولها ما بعدها في مجال خدمة الجماهير والتواصل معها وخدمة قضايا الوطن الكلية عبر الجهاز التنفيذي للدولة.. وبالتالي فإننا إذا كانت القسمة التي نلناها في الحكومة القادمة مرضية بالنسبة لنا، وبالنسبة لما حصدناه من أصوات، سنشارك حتى نستطيع تنفيذ بعض من برنامجنا الانتخابي الذي وعدنا به جمهورنا.
{ هل ستعود للجهاز التنفيذي مجدداً؟
_ الحزب له آلياته التي ستختار من يمثله في الجهاز التنفيذي إن شاء الله.
{ ولكنك رئيس الحزب؟
_ أنا كنت مشاركاً في المرحلة الماضية،وبالإضافة إلى مشاركتي في الجهاز التنفيذي، وحزبنا كان مشاركاً– أيضاً- في الجهاز التنفيذي على مستوى الولايات، وليس بالضرورة أن يكون رئيس الحزب في الجهاز التنفيذي.. والدليل على ذلك ما مضى من ثلاثة أعوام لم أكن جزءاً من الجهاز التنفيذي، وكانت هنالك قيادات إخرى مشاركة.
{ أيهما أقرب للوحدة.. أحزاب الأمة المشاركة في الحكومة مع الأمة القومي؟
_ نحن نسعى لوحدة كل أحزاب الأمة وليس أحزاب الأمة المشاركة أو المعارضة، لأن الأهداف واحدة لكن اختلفت الوسائل.. لذلك نرى أن وحدة أحزاب الأمة هي هدف نسعى إليه، وأصبح عاملاً مشتركاً في كل الاجتماعات التي ندعو لها.. وهنالك لجنة مستمرة لمتابعة أمر الوحدة، هذه اللجنة عمرها طويل حوالي خمس سنوات، وهي ملتزمة بالخط العام للحزب بوحدة أحزاب الأمة إن كانت مشاركة أو معارضة.. ولنا في ذلك صولات وجولات.. ونحن مع وحدة حزب الأمة وكيان الأنصار وحدة كاملة شاملة لأن حزب الأمة- كما هو معروف- (عمود نص) أو صمام أمان السودان، وبالتالي فإن وحدته لها أبعادها الوطنية الكبيرة التي تحقق وحدة الصف الوطني إن شاء الله.
{ لكن (عمود النص) تصدع وتشقق إلى عدة أحزاب؟
_ نعم كل الأحزاب السودانية الآن تعاني من الانشطارات، ولم يسلم منها حتى المؤتمر الوطني، لكننا نقول إن هذا هدف نسعى إليه ولن نلتفت أبداً إلى ما يحدث من خلافات وانشقاقات وراءها تحقيق المكاسب الذاتية.
{ شاركتم في انتخابات 2010م ولم تتحقق الديمقراطية.. ما الجديد لدى المؤتمر الوطني الذي دعاكم للمشاركة في انتخابات 2015م؟
_ لدينا صوت واضح جداً ينادي بضرورة التحول نحو الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع.. والحمد لله الآن لدينا تجربتا انتخابات 2010 و2015.. وهذا تطور.. في انتخابات 2010 كانت هناك بعض السلبيات، وكذلك انتخابات 2015، لكن التجربة في حالة تطور وهذا إنجاز.. وقد اعتدنا في السنوات الماضية أن التحول من حكم عسكري إلى حكم ديمقراطي كان يتم عبر الثورات والانفجارات الجماهيرية وغيرها ثم تعود الانقلابات العسكرية على النظام الديمقراطي الذي أتى بثورة شعبية.. نحن نريد أن نكسر هذه الحلقة الجهنمية التي عانى منها السودان ردحاً من الزمان، لذلك مشاركتنا كانت من أجل التحول السلمي الديمقراطي الهادئ الناعم الذي يشكل الظروف السياسية الأمنية المعقدة للسودان.. وكذلك من أجل إحلال السلام العادل والتنمية المتوازنة التي تحفظ لكل الولايات حقوقها.. وهذا برنامجنا للمشاركة، ولن يتحقق خلال فترة وجيزة.. نحن نتوقع أن هذا البرنامج له أهداف سامية نسعى لتحقيقها، وسنصبر عليها وإن طال الزمن لأن البدائل الأخرى بدائل غير مقنعة.
{ لكن جزءاً كبيراً من المعارضة قاطع الانتخابات؟
_ المعارضة جربت كل الوسائل واصطدمت بالفشل.. في تقديري أنه يجب عليها أن تغير أساليبها في التعامل.. ونرى أن أسلوبنا في التعامل هو من أفضل الخيارات السياسية المتاحة لإحلال السلام والمضي في التحول الديمقراطي الهادئ الناعم، ولنا في تجارب الدول المجاورة في الإقليم مثال حسن نحتذي به، حتى نتجنب الوقوع في نفس الإشكالات التي وقعت فيها دول مثل مصر سوريا واليمن وغيرها من الدول التي حدثت فيها تحولات دراماتيكية مزعجة صاحبتها اضطرابات أمنية معقدة.. والسودان من ناحية أمنية أكثر تعقيداً من تلك الدول.. وبالتالي فإن المضي في هذا الخط الذي يحدث تحولاً فجائياً، يمكن أن يحدث ما لا تحمد عقباه في مستقبل السودان من حيث وحدته وتماسكه.. لذا نحن اخترنا أفضل الخيارات، خيار الحوار المتواصل مع المؤتمر الوطني والصبر على العراقيل التي توجد، وهذا أمر طبيعي أن نصبر عليه حتى يتحقق ما نصبو إليه من استقرار للبلاد وتحول ديمقراطي آمن.
{ لكن الحوار الوطني قد تناقصت الأحزاب المشاركة فيه؟
_ نحن لدينا ملاحظات كثيرة على الحوار الوطني، وقلنا ذلك من داخل الجمعية العمومية للحوار الوطني، لكن لا نستعجل الأحداث لأنه إذا خرج الناس من الحوار فما هو البديل؟ إما معارضة تعود للتظاهر أو العمل المسلح.. هذه هي الخيارات المطروحة الآن. المعارضة التي تطلب التظاهر الآن صارت نتائجها معروفة لكل أهل السودان.. والمعارضة التي تدعو للسلاح لم تجن غير دمار الوطن وخرابه وكثير من التعقيدات، ولم تصل أي من المعارضتين إلى حل، بل إن العسكرية منها تلجأ من فترة لأخرى للحوار كوسيلة وحيدة ومثلى، وتدعمها الدول الغربية في هذا الاتجاه.. و(مؤتمر برلين) الأخير تم بدعوة من مجلس الاتحاد الأوروبي للمعارضة السودانية، إن كانت حاملة سلاح أو سلمية للجلوس والاتفاق والوحدة في جسم واحد يقاوم الحكومة. ولم تنجح مساعي الاتحاد الأوروبي في ذلك لخلافات داخل المعارضة نفسها. لذلك نحن نعتقد ونؤمن بأن الحوار هو الوسيلة المثلى، وهو صعب وطويل وهنالك عراقيل توضع أمامه إن كان المؤتمر الوطني أو القوى السياسية.. لكننا سنصبر عليه لأنه الحل الأمثل الذي يحفظ السودان.
{ لكن الثورات الشعبية لها تاريخ في السودان (1964- 1985م)؟
_ نحن نريد أن نكسر هذه الحلقة الجهنمية التي نعاني منها وقلت إن التحول من نظام عسكري إلى نظام ديمقراطي تم عبر ثورة شعبية جربناها في (24 أكتوبر) وفي (انتفاضة أبريل/رجب) ضد نظام “نميري” ونظام “عبود”، لكن ما هي ثمرات تلك الديمقراطية؟ لم يصبر عليها الشعب أكثر من ثلاث أو أربع سنوات وأعقبها انقلاب عسكري.. ونحن لابد أن نضع حلاً لهذا الأمر، لذلك لا نريد تكرار التجارب الماضية.
{ المعارضة اعترضت على التعديلات الدستورية بما فيها قانون الانتخابات؟
_ لو أن المعارضة حذت حذونا في الانتخابات الحالية لكان وضعها متقدماً وسيكون لها عدد من الممثلين داخل البرلمان ويتحدثون من داخله حول التعديلات الدستورية وغيرها.. لكن الركون إلى اليأس من أن المؤتمر الوطني هو القوة العظمى وهو المسيطر على كل شيء، والاستسلام لهذا الأمر من غير وضع بدائل موضوعية تصل إلى حلول واضحة، هذا يجعل من هذه الحلقة مستمرة.. نحن ساعون لكي نحدث تغييرات دستورية وغيرها، وذلك عبر الحوار والمؤسسات الدستورية المعتمدة.. قد يطول الزمن.. وقد نجد صعوبات في ذلك، لكن من صبر وصل، ومن سار في الطريق وصل.. نحن ومعنا القوى السياسية الأخرى التي دخلت البرلمان إن شاء الله سنسعى عبر الوسائل المتاحة لإحداث التغييرات اللازمة التي تضمن الحقوق والواجبات كافة لأهل السودان.
{هنالك أزمة ثقة بين المعارضة والحكومة والمعارضة والمعارضة؟
_ من قبل كنت أتحدث كثيراً في هذا الأمر.. قلت إن المفاوضات الثنائية غير مجدية يعني المؤتمر الوطني يقود الحوار كمؤتمر وطني مع الحركات المسلحة والقوى المعارضة.. لابد من إشراك القوى الأخرى التي تشارك هذا النظام في الحكم، فيمكن أن يلعبوا دوراً يمتص الصدمات هنا وهناك.. دور يمكن أن يكون إيجابياً.
{ أنتم مشاركون في الحكومة لكنكم لم تشاركوا في الحوار مع الحركات المسلحة؟
_ أعتقد أن القوى السياسية المشاركة يجب أن تكون جزءاً من الحوار مع المؤتمر الوطني والحركات المسلحة.. ويمكن أن يكون دورنا إيجابياً بتخفيف حدة الخلاف بين الفرقاء، وتلطيف الأجواء وغيرها.. والحوارات الثنائية لم تجد كثيراً ولم تفد البلاد في كثير جداً من الفترات الماضية، مثل (نيفاشا) و(أبوجا) وغيرهما.. هذه كلها لم تثمر الثمار المرجوة.. لذلك على المؤتمر الوطني أن ينهج نهجاً آخر بإشراك القوى السياسية التي تشاركه في الهمّ والهدف الكبير السامي بأن تكون جزءاً من هذا التفاوض حتى يعطي ثماره، لأنه إذا كان هنالك اتفاق ثنائي بين المؤتمر الوطني والحركات المسلحة قد يكون ملزماً للطرفين، لكن نحن يجب أن نكون جزءاً منه. وهذا سيكون في مصلحة المؤتمر الوطني لأن اتفاق (نيفاشا) يعاب على المؤتمر الوطني ومحسوب عليه، لأنه يعدّ اتفاقاً ثنائياً بينه والحركة الشعبية. ولو أشركا القوى السياسية الأخرى (لكان – على الأقل- ورطها في تحمل جزء من تبعات الانفصال)، باعتبار أن المؤتمر الوطني أشرك القوى السياسية في اتفاق (نيفاشا).. كان يمكن لـ(الاشتراك) أن يأتي بأفكار جديدة ويضغط على الحركة الشعبية.
{ البلاد تعيش أزمة اقتصادية وكان يتوقع انفراج في الأزمة عقب المشاركة في (عاصفة الحزم).. ولم يحدث؟
– أعتقد أن (عاصفة الحزم) ليست مربوطة بالدعم المادي.. هي تغيير سياسي قد تكون له مكاسبه الاقتصادية لاحقاً، لكن ليس بمثل تلك التوقعات التي تبدو وكأن الحكومة السودانية قد قامت بهذا الأمر مقابل دعم مادي.. هذا الفهم يضعف كثيراً من مبدئية الشعب السوداني كله، لأن في النهاية المواطن العربي أو الخليجي ينظر إلى هذا الأمر إذا ركزنا عليه، وكأنه موقف سياسي بثمن. وأعتقد غير هذا، علينا أن لا نربط (عاصفة الحزم) بمكاسب اقتصادية، لكن أن ننظر لها كمكاسب سياسية، يمكن أن تثمر لاحقاً مكاسب.. أما الأزمة الاقتصادية فقد ظللنا نكرر أن الخروج منها يتطلب أشياء كثيرة.. أولاً (دعوا الخبز لخبازه).. أدعو أهل الاقتصاد وهم كثر في السودان، يستفيد منهم العالم أجمع، ومن باب أولى أن نستفيد منهم نحن كشعب سوداني.. ندعوهم لمؤتمر اقتصادي جامع تدعو له الدولة وتلتزم بتوصياته، ويكون على مرأى ومسمع كل الشعب السوداني.. المؤتمر الاقتصادي الذي تم من قبل كان محدوداً، ولم يكن بالطموحات التي نسعى إليها.. لذلك أكرر: (دعوا الخبز لخبازه). أدعو أهل الاقتصادي ليقرروا ما يشاءوا وتلتزم به الدولة ويُنفذ، حتى لو كان دواءُ مُرّاً الشعب السوداني سيقبل به لأنه جاء من أهل الاختصاص.
{ ما توقعاتك للحكومة الجديدة؟ هل ستكون حكومة تقشف؟
_ أتمنى أن تكون الحكومة القادمة رشيقة.. أي نعم.. قد يكون العائد المادي بسيطاً للمشاركين، لكن هذا الأمر له أبعاده النفسية للشعب السوداني.. بجانب العمل من أجل تحقيق السلام عبر الحوار، لأن هذا يقلل الكلفة الأمنية الكبيرة التي تبذل من أجل حماية وحفظ الأمن، ومن أجل إحلال السلام، ومن أجل دفع التمرد إلى حدوده وتحجيم إمكانياته.. وهذا يعدّ ثمناً باهظاً.. وأعتقد أن ذلك سيحدث انفتاحاً على العالم الخارجي.
{ السودان يعيش أزمة اقتصادية حادة.. ما هي الحلول؟
_ العلاج ليس فقط في الحلول الاقتصادية، وإنما يجب أن تكون هنالك حلول سياسية واقتصادية بالتركيز على الزراعة والثروة الحيوانية كمنتج أساسي يدعم الاقتصادي السوداني كما كان.. وهذا يتطلب توفير البنية التحتية والعمل الجاد تجاه هذه المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية، والاستفادة من القدرات الفائقة التي يملكها السودان من الثروات الزاخرة في ظاهر الأرض وباطنها.. وهذا يتم عبر الخطط السليمة والموضوعية.. أما انتظار الدعم بعد (عاصفة الحزم) وغيره، فهذا أمر مؤقت لن نجني ثماره بالسرعة المطلوبة.. أعتقد أن العمل الدؤوب المنظم سيؤدي إلى إنتاج ثمار.. وهو لن يأتي بين ليلة وضحاها.. يحتاج إلى صبر ومثابرة.
{ الصراع القبلي في دارفور وصل مرحلة خطيرة جداً؟
_ في هذه السانحة، أذكر لك قصة.. في الستينيات أيضاً حدثت هذه المشكلة بين (الرزيقات) و(المعاليا)، فذهب الإمام “الهادي” بطائرته الخاصة إلى منطقة دارفور واجتمع بزعيم (المعاليا) وكان معه وزير الحكومات المحلية وقتها السيد “محمد داوود الخليفة” واستطاعا أيضاً أن يأخذا كلمة من ناظر (المعاليا). والتقيا بعدها بناظر (الرزيقات)، وتم صلح خلال (24) ساعة بين (الرزيقات) و(المعاليا)، وكان ذلك بدور كبير من قيادات الأنصار، حيث كانت الإمامة وقتها لها مكانتها وكلمتها المسموعة.. وكان الكيان الأنصاري مترابطاً واستطاعوا أن يجمعوا بين الفرقاء في (24) ساعة، ووجود قيادات كاريزمية لها مكانتها في المجتمع السوداني تساعد في الحل.
{ ما هي الحلول السريعة التي يمكن أن تتولاها الدولة؟
_ الحل الذي يأتي عبر الحكومة هو حل مؤقت، لكن يجب أن تكون الحلول جذرية تأتي عبر الجلوس مع الكل وحل المشاكل.. الحكومة لها دور في نزع فتيل الخلاف بين الفرقاء إذا كانت أراضي (حواكير) أو مواشي أو مسارات مواشٍ.. هنالك بعد آخر، هو وجود السلاح بكثافة في دارفور.. وهذا نتج لأسباب كثيرة معروفة، لا أود الخوض فيها.. ما فاقم الصراع تطور التسليح.. فبعد ما يدور بالأسلحة الخفيفة الآن يتم استخدام (الأربجي) وبالمدافع الثقيلة. لذلك كان حجم الخسائر أكبر.. دور الحكومة كبير في نزع السلاح.. وهذا أيضاً له أبعاده إذا تم نزع السلاح فإنه يخفف حدة التوتر، ويسهل السيطرة على المتمردين.. وفي حقيقة الأمر فإن الموضوع معقد، لكن الطرح ينطلق من ضرورة الاعتماد على الوسائل والآليات السودانية المعروفة، مثل الوسطاء والأجاويد.