رأي

النشوف آخرتــــا

يقول : عدس

سعد الدين ابراهيم

الطعام أو الأكل.. العيش.. في ثقافتنا له أبعاد.. وملامح قد تختلف عن رؤية الشعوب الأخرى.. لذلك تعالوا نبحث عن هذا الأمر عبر حكمنا الشعبية وأقوالنا المأثورة.. وننتقي عينة عشوائية ممثلة لهذه المنظومة المهمة أكل العيش.. نقول: حلم الجعان عيش.. وهي تذهب إلى أن الجائع يحلم بما يقيم أوده وكلمة (عيش) لا تعني الخبز وحده بل كل ما يأكل الناس.. فكل جائع يحلم حسب ثقافته الغذائية فمن يحلم بعصيدة ومن يحلم بسندويتشات بيرغر ومن يحلم بقراصة أو هوت دوق.. من يحلم بفتة أرز ومن يحلم بالبيتزا.. لكن النتيجة.. أن العيش الذي يقي من الجوع ضرورة أولى.. اعتقد أننا بتنا نحلم بعيش رخيص وليس ثلاثة بجنيه..
بالمقابل نقول لقمة هنية تكفي مية.. وهي تربط الأكل بحالة تشترط الهناء.. واللقمة الهنية هنا هي التي يتم تناولها في محبة ومع أحباء فمهما قل الطعام أكملت المحبة والمودة الشبع.
ومن أمثالنا القديمة الراسخة.. البشحدو بي خشمي أكلو بي شنو.. فالمجتمع بهذا المثل يعادي التسول والشحدة.. يراها المجتمع مذلة.. حتى تجعل الطعام المشحود لا يستساغ.. ومن الأقوال الثورية: وطني ولا ملي بطني.. أي أني قد أجوع في سبيل وطني لا أخونه ولا أستجيب للتجويع فأبيعه بثمن بخس.. وقد قلنا إن السوداني في ثوراته الخالدات لم يثر من أجل الجوع مرة إنما من أجل الحرية ولأنه “مابرضى الحقارة”.
مقولة الشيخ فرح الواعظة أصبحت مثلاً حياً.. أكل ياكمي قبال فمي.. نقول أيضاً: أكل العيش صعب.. لأنه ضرورة ولا يمكن الاستغناء عنه فقد يضطرك الحصول على لقمة العيش للتنازل عن بعض مقدساتك في سبيل أن تأكل ويأكل معك الأبناء وأفراد الأسرة فتصبح المقولة لافتة تصرخ: لا مساس بخبز الناس وأكلهم حتى لا تتحول حياتهم إلى جحيم.
يجب أن يكون أكل العيش مصحوباً بطقوس من التقدير والاحتفاء لذلك نقول: بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر.. وبصورة أخرى نقول: عيب الزاد ولا عيب سيدو.. في مقولة أخرى تذهب إلى ضرورة الاكتفاء لدى الأقربين.. ثم نعطي ونمنع فنقول: الزاد كان ما كفى أهل البيت حرام على الجيران.. وفي الحصول  على الكفاف نقول.. صام وفطر على بصلة.. البعض يحب الأكل ويخلص للالتهام ولا يبدو عليه ذلك نقول: ياكل أكل السوسة والعافية مدسوسة.. وفي ضرورة الاكتفاء وعدم (الفسالة) في الطعام يقولون: الفقرا اتقسموا النبقة.. في الطمع نقول: المابي ديكو مكشن.. وتذهب إلى انتظار الأحسن والتفريط في الأدنى في النهاية لا يحصل على شئ.. في النصائح  الغذائية .. يقولون: اتغذى اتمدى اتعشى اتمشى..  ولا أعرف صحتها طبياً.. فلماذا لايضير النوم بعد تناول وجبة الغداء ويضير بعد تناول وجبة العشاء.. وذهب الناس إلى أن من يتعشى يتخم وينام ويحلم أحلاماً مزعجة أو كوابيس.. ولو أن علماء النفس افتوا بعدم صحة ذلك.
مقولة حرنا فيها تذهب إلى أن السمح مو أكال.. وبعض عشاق الأكل يقولونها تثبيتاً أن السمح أكال (وما هنا للتأكيد).. وغيرهم يجعلونها نافية إذ أن السمح ليس أكالاً والله أعلم.. من العبارات الجديدة أو الشبابية “تاكل نيم” كناية عن سوء المآلات والحسرة.. من ما يحيرني مقولة: الما عارف يقول عَدس.
رزق

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية