كيف يجهلوكم!!
الوقفة الاحتجاجية السلمية لتيار الوعي في الصحافة السودانية يوم (الثلاثاء) أمس الأول، لم تجد التقدير الذي تستحقه من السلطة السياسية ومن المسؤولين عن الصحافة والإعلام في الحكومة، من وزير ووزير دولة والمستشارين بالقصر ووزراء الدولة.. حيث وقف عشرات الصحافيين من حملة المشاعل والفكر.. ملح الأرض.. الكادحين الغبش الذين يصنعون الصحافة بكدهم وعرقهم ونبلهم ويحصدون الأسى والحزن وكلمات طيبات وتعازي يتبادلونها بينهم.. وتيار الوعي في الصحافة السودانية يتقدم كل يوم على الأحزاب وحتى التنظيمات النقابية.. خرجوا تحت زمهرير الشمس الحارقة للطرقات يرفعون الشعارات لا للحرب.. نعم للسلام.. لا للصراع القبلي نعم لبسط الدولة سيطرتها على الأرض.. كان حرياً بالقصر الرئاسي استقبال الصحافيين الذين خرجوا من قاعات التحرير منددين بالقتال القبلي ومساندين للدولة لفرض هيبتها.. ولو كان في وزراء القصر من يشعر بوطأة المأساة في “أبوكارنكا” وأن هؤلاء الصحافيين الوطنيين أشد حرصاً على الدم السوداني من بعض المسؤولين، لخاطبتهم السلطة و(شكرتهم) على الوقفة النبيلة والإحساس بدموع الأرامل.. وضحايا النزاع.. والصحافة بوعيها وروح شبابها تتقدم على النقابات المهنية وتتقدم على اتحاد المحامين واتحاد الصحافيين ورابطة المرأة العاملة واتحاد المرأة.. والأحزاب السياسية التي انتهى دورها إلى (التعليق) على الأحداث وانتظار ردة فعل الحكومة!! ودموع الصحافيين التي سكبوها في نهار (الثلاثاء) شديد (الغيظ) لم تجد من يجففها!! وإذا كانت أسر ضحايا (أبو كارنكا( حتى اللحظة يحتضنون وحدهم أحزانهم وآلامهم!! تثاقلت خطى الوزراء المسؤولين عن تلك الأحداث، ولم يتحدث بشجاعة رجل الدولة المسؤول إلا السيد “علي كرتي” وزير الخارجية، حينما وصف ما حدث في شرق دارفور بالخلل الأمني الكبير. وقال إنها تشكل نقطة تقودنا للخلف!! أما بقية المسؤولين بمن في ذلك العقيد “الطيب عبد الكريم” والي شرق دارفور فقد كرر الأسف الشديد.. ومضى على دربه د.”التجاني سيسي” المسؤول الأول عن دارفور حتى الشهر القادم بانتهاء اتفاقية الدوحة.
التيار الصحافي العريض الذي تقدم كل مؤسسات المجتمع المدني في غالبه تيار غير منتمٍ سياسياً للأحزاب الحكومية والأحزاب المعارضة.. ولكنه بطبيعة الحال تيار ناقد وليس (ناقماً).. تشكك الحكومة في نواياه.. وتسعى المعارضة لكسبه ولكن الصحافيين (عصيين) على الترويض والتدجين، لذلك تبدت خطوات احتجاجاتهم كشمعة صغيرة في حجرة كبيرة يرخي عليها الظلام سدوله.. وكم كان حزيناً جداً.. وجه الأخ الصديق “عبد الله إسحق” الذي فقد اثنين من أشقائه في النزاع.. والحزن الأكبر أن “عبد الله إسحق” لا يستطيع الوصول لأبو كارنكا . في وقت كان زميلنا “محمد حمدان” في الضعين، يتلقى التعازي في وفاة شقيقه بأحداث الهجوم على أبو كارنكا.
ولن يستطيع “عبد الله إسحق” تعزية زميله “محمد حمدان”، بل أن “الصادق الرزيقي” رئيس اتحاد الصحافيين قد يجد نفسه في موضع من لا يضمن سلامة نفسه، إذا أقدم على تعزية “عبد الله إسحق” الذي يعتبر تلميذاً لـ”الزريقي” في مدرسة (ألوان).. إنها الحرب ولعنة الحرب، وتبعات الحرب التي تمزق الأحشاء وتقرح الأكباد.. ولكن وزراء الحكومة من خدام الشعب بدلاً من تقديم واجب التقدير للصحافيين الذين شعروا بوخز الضمير والمئات يموتون في حرب (المعاليا) و(الرزيقات)، وظنوا الخير والأمل في القصر ووزراء القصر، ولكن خاب الرجاء.. وأرسل إليهم ضباط الشرطة لتفريق الصحافيين بحسبان أن وجودهم أمام القصر غير مشروع، ولم تصدق لهم الجهات المختصة بالوقفة الاحتجاجية. تفرق الشباب وفي النفس شيء.. لكنهم أبلغوا رسالة الوعي من خلال الميديا العالمية والإعلام الجديد.. بينما كان تلفزيون السودان مشغولاً بغير انشغالات السودانيين.