مسالة مستعجلة
عندما يأتي السلام بالحرب!!
نجل الدين ادم
في مطلع العام 2002 تم تنزيل اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعتها الحكومة مع الحركة الشعبية في جنوب كردفان برعاية دولة سويسرا.. كانت أعظم اتفاقية في العالم دون منازع، حيث لم يُشهد طوال فترة الاتفاقية التي كانت ترعاها اللجنة العسكرية المشتركة لوقف إطلاق النار الـ(جي أم سي)، أي انتهاك يذكر من أي من الطرفين.. ثلاثة أعوام نعمت فيها جنوب كردفان بالأمن والأمان، اتفاقية دقيقة كما ساعة الوسيط السويسري.
كانت الاتفاقية سارية والحكومة والحركة الشعبية وقت ذاك قد دخلا في مفاوضات سلام طويلة في دولة كينيا كللت بالنجاح في 2005.. الوسطاء الأوروبيون والأمريكان وفروا الإمكانيات اللازمة لإنجاح وقف إطلاق النار في جبال النوبة، وكان الهم الأكبر أن لا تحدث أية ردة إلى الوراء.. وفر الوسطاء إمكانيات المراقبة لأي تجاوزات بدءاً من الدواب، “العجلة”، “المواتر”، العربة (التاتشر)، المروحية بحيث تخصص الوسيلة المناسبة حسبما يقضي الحال في مراجعة وقف إطلاق النار.. سريان وقف إطلاق النار عمّ كل الولاية بلا استثناء، حتى الطلق الناري في الأفراح كان محسوباً، ويعد انتهاكاً يعاقب عليه الجاني ما لم يأخذ إذناً مسبقاً تحدد فيه اللجنة المسؤولة عن المراقبة عدد الطلق الناري المصرح به.. هكذا كانت تمضي الاتفاقية بدقة وسلاسة حتى في المنطقة الشرقية للولاية التي كانت معافاة من النزاع تماماً (العباسية تقلي، رشاد وأبو جبيهة) ورغم ذلك كان الاتفاق يشملها.
شهدت الولاية استقراراً كما لم تشهده من قبل بفضل عامل بناء الثقة الذي أرسته الاتفاقية بإرادة أهل المنطقة، بأن الحرب قد حصدت الأرواح ولا بد لها أن تقف.
من عجائب الصدف أن تمدد الحركة الشعبية قطاع الشمال وقتها توقف عند المنطقة الغربية، حيث لم يفلح المتمردون في دخول المنطقة الشرقية طوال سنوات الحرب رغم محاولاتهم المستمرة باستثناء منطقة كلوقي لمرة أو مرتين، ولم يكن يوجد بالمنطقة على مدى تاريخ الحرب من هو منتمٍ للحركة الشعبية باستثناء قلة لا تذكر.. لكن بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005، استطاعت عناصر الحركة الشعبية أن تدخل ببند السلام إلى المنطقة الشرقية نهاراً وأخذت تنتشر بين البسطاء، بمعنى أنها استطاعت أن تنجز ما عجزت عنه في سنوات الحرب وهو التجنيد السياسي والعسكري لعدد من أهالي المنطقة بزعم أن مستقبلاً مشرقاً قادم وتحولاً حتمياً مفروضاً سيتم.. وهكذا وقع الضعفاء في الفخ.
اتفاقية السلام الشامل كانت وبالاً على أهل جنوب كردفان وهم يفقدون أعظم اتفاقية وقف إطلاق نار، وقد فقد المتمردون منها في المقابل تحالف الحركة الشعبية المرحلي الذي كان يريد أن يتقوى بهم لنيل المكاسب المرجوة ومن ثم يتم (فكهم عكس الهواء) كما يقولون.. كان المخطط يمضي ولا يدري المتمردون من أبناء المنطقة.. انفصل الجنوب وحلت الحرب من جديد.. لكنهم ما يزالون يمضون خلف الوهم من يتبعون “عرمان” الذي لا مكان له من الإعراب بين أهل المنطقة، وكذلك “مالك عقار” الذي لا يمت بصلة لأهل المنطقة.. فيا أيها المتمردون من أبناء جنوب كردفان ستظلون (تُبّع) خلف جنرالات الحرب وسماسراتها.. ثوبوا إلى رشدكم هداكم الله.