تقارير

وقائع مثيرة في جلسة محاكمة المتهمين بالتجسس لصالح واشنطن

نيابة أمن الدولة: هذا أخطر ما سلمه المتهمون لرجل المخابرات الأمريكي
(الدفاع) يستفسر (المحقق) عن القبض والتحري مع العميل الأمريكي
تقرير – محمد أزهري
 مداولات ساخنة شهدتها قاعة محكمة الخرطوم شمال أمام القاضي “بشري التوم أبو عطية” بين هيئتي الدفاع والاتهام في قضية موظفين متعاونين بوزارة الخارجية متهمين بالتجسس على البلاد وإفشاء واستلام المعلومات والمستندات الرسمية، اللذين غابا عن جلسة أمس (الأحد) بيد أن القاضي عزا غيابهما إلى أسباب إدارية رُحّلا بسببها من سجن (كوبر) الاتحادي إلى (مدينة الهدى الإصلاحية) غرب أم درمان، وسط همهمات أسرتيهما مستفسرة عن الغياب.
وكيل نيابة أمن الدولة “محمود عبد الباقي” المحقق في القضية، كشف عن أن المتهم الأول كان يسلم رجل المخابرات الأمريكي “جون فوهر” تقريراً ربع سنوي، أي كل ثلاثة أشهر، بمعلومات متجددة عبارة عن قاعدة بيانات لوزارة الخارجية بإمارة دبي.. وهي تحوي معلومات خطيرة أهمها خطاب وزير العدل السوداني إلى نظيره الليبي، ومشروع قرار بشأن التضامن مع السودان وبرقيات إلى واشنطن ولندن والقاهرة وديون دولة قطر الواجب سدادها على السودان، وأشياء أكثر أهمية تخص وزارة الخارجية وهي ملفات المرتبات والترقيات والموارد البشرية والتكافل والراجعة. وأماط المحقق اللثام عن أن ملفات الراجعة تعدّ من أخطر الملفات التي سلّمت للأمريكي، موضحاً أنها عبارة عن نظام إدارة المكاتبات القيادية وتشمل مكاتبات الوزير والوكيل والمديرين العامين.. وقسم المحقق المعلومات موضوع التجسس إلى فئتين، الأولى سلّمها المتهم الأول إلى الأمريكي، والثانية ضبطت بحوزته بمطار الخرطوم وقد كان في طريقه لمغادرة البلاد لتسليمها له.. والمحاولة التي أحبطت هي الخامسة.
المحقق أكد في إفاداته أن الرجل الأمريكي ادعى للمتهمين أن لديه شركة تحت الإنشاء وعرض عليهما وظيفة ترتبط بالتقنية فوافق المتهم الأول عليها، كاشفاً أن الأمريكي يستخدمها كساتر لعمل استخباراتي لجمع المعلومات والبيانات لأن ليس لديها أي أثر مادي على أرض الواقع، وأماط اللثام عن أن المتهم الأول تسلّم مقابل هذه العمل (3) آلاف درهم و(870) دولاراً، والثاني تسلّم مبلغ (1000) دولار، وأكد أنهما لم يوقفا معاملاتهما مع الرجل رغم شعورهما بأنه رجل استخبارات، فقد كان يركز في طلبه على قاعدة بيانات الوزارة.
{ المحقق يضاعف مستندات الاتهام
ضاعف المحقق مستندات الاتهام وقدم جواز سفر يخص المتهم الأول (ع. أ) وبه عدد من تأشيرات الدخول والخروج إلى دولتي الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وهذا كمستند اتهام رقم (16)، إضافة إلى مستند رقم (17) وهو عبارة عن فلاش يوضح حركة المتهم الأول داخل صالة المغادرة بمطار الخرطوم.
{ الاتهام يواصل استجواب المحقق
استجوب ممثل الاتهام المستشار القانوني بوزارة العدل “أحمد عبد اللطيف” مستفسراً المحقق حسب تحرياته عن عمل المتهمين؟ فرد المحقق أنهما كانا متعاونين بوزارة الخارجية وأنه عند القبض عليهما كان المتهم الأول يعمل بوزارة الخارجية أما الثاني فكان يعمل بالقنصلية السودانية بدبي.
وسأله: أين ألقي القبض على المتهم الأول؟ فقال: أُلقي القبض على المتهم الأول بصالة المغادرة عندما كان في طريقه لمغادرة البلاد متجهاً إلى دبي وكان في حوزته معروضات (لابتوب) به قاعدة بيانات تخص وزارة الخارجية، وحسب ما توصلنا إليه من التحريات كان ينوي تسليمها إلى الأمريكي كما سلمه قبلها أربع مرات.
ووجه إليه سؤالاً عن ماهية البيانات التي سبق وأن سلمها للرجل الأمريكي؟ فأجاب بأن المتهم الأول سلم “جون” قاعدة بيانات تحوي خطاب وزير العدل السوداني إلى نظيرة الليبي ومشروع قرار بشأن التضامن مع السودان، وبرقيات إلى واشنطن ولندن والقاهرة وديون دولة قطر الواجب سدادها على السودان، وأشياء أكثر أهمية تخص وزارة الخارجية وهي ملفات المرتبات والتعليات والموارد البشرية والتكافل والراجعة..
وتساءل الاتهام عن كيفية تحصل المتهم الأول عليها؟ فرد المحقق أن المتهم الأول بحكم عمله كمسؤول من (سيرفر) وزارة الخارجية تحصل عليها بواسطة قرص خارجي صلب.
وواصل الاتهام استفساراته للمحقق الذي أجاب عنها جميعاً:
هل للمتهم الأول مدير بالوزارة؟ (نعم لديه مدير).. كيف عرفت أن الذي يستلم البيانات من المتهمين هو من جنسية أمريكية؟ (عن طريق المتهمين نفسهما وكل ما ورد على لسانهما).. وضح للمحكمة كيف تعرّف المتهم الثاني على الرجل الأمريكي؟
(تعرف المتهم الثاني على الأمريكي “جون” عن طريق وظائف معلنة عبر الانترنت فدون بياناته وترك هاتفه، والأمريكي اتصل عليه ثم حدد معه موعداً ثم التقيا في غرفة خاصة بالرجل الأمريكي بإمارات دبي.. وهذا اللقاء كان عبارة عن معاينة للمتهم الثاني ومن خلالها أرشد المتهم الثاني الأمريكي إلى المتهم الأول مفصحاً له عن إلمامه التام بالتقنية وقال له يمكنه أن يفيدك في هذا الشأن، ومن ثم زوده بهاتف المتهم الأول).. وأسترسل المحقق أن (الأمريكي أجرى اتصالاً هاتفياً بالمتهم الأول عارضاً عليه وظيفة تتعلق بتقنية المعلومات بشركة يمتلكها لكنها تحت الإنشاء، فوافق المتهم الأول على العرض وعند إجابته عن سؤال يتعلق بدوام الشركة قال إن الشركة ليس لها أثر مادي).
وكشف المحقق “وكيل نيابة أمن الدولة” خلال إجابته أن المتهم الأول بعد ذلك سافر إلى دبي أربع مرات قابل فيها الأمريكي وكانت معظم لقاءاتهما تتم في غرفة خاصة بالأمريكي إلا مرة واحدة تقابلا في سوق تجاري. وأستطرد بأن المتهم الأول كان يسافر كل ثلاثة أشهر ويسلم الأمريكي تقريراً ربع سنوي، وقال إنه ينقل المعلومات عن طريق قرض صلب من الـ(لابتوب) الخاص به. وأكد المحقق أن المهم الأول قال في أقواله إنه في عدة مرات ترك الـ(لابتوب) الخاص به مفتوحاً بجانب الأمريكي وعندما يعود يجده مضطرباً فاستنتج من اضطرابه هذا أنه كان يأخذ مزيداً من المعلومات من الجهاز دون علمه، بيد أنه أقر بأنه يسلم الرجل المعلومات عن طريقتين الأولى عن طريق القرص الصلب ونسخها في فلاش يسلمه له والثانية قال إنها حدثت مرة واحدة.
{ واستمر الاتهام مستجوباً المحقق: ما هو دور المتهم الثاني في هذه العملية؟ فقال المحقق إن المتهم الثاني شكل حلقة وصل بين المتهم الأول والأمريكي، وأكد أن كل ما ذكره للمحكمة جاء على لسان المتهمين خلال التحريات.. وقال: وقتها كان المتهم الثاني يعمل متعاوناً بالقنصلية السودانية بدبي، وكشف علاقة المتهم الأول بالثاني السابقة قائلاً إنهما تزاملا كمتعاونين بوزارة الخارجية في العام (2003).
وأكد خلال رده على سؤال يتعلق بوظيفة الرجل الأمريكي بأنه يدعي أنه مدير لشركة يستخدمها كساتر لعمل استخباراتي من أجل الحصول على المعلومات والبيانات، وقال إن المتهمين حسب أقوالهما قد اكتشفا أن “جون” رجل مخابرات من واقع تصرفاته معهما والعلاقات التي نشأت بينهم لكنهما لم يوقفا نشاطهما في مده بالمعلومات ولم تكن لديهما أي ردة فعل إيجابية، بل ظل المتهم الثاني يسأل الأول عن نتائج المقابلات وسير العمل مع الرجل.
وواصل المحقق كشفه لملابسات القضية قائلاً إن أول مكالمة رصدها جهاز الأمن والمخابرات الوطني بين المتهم الأول والأمريكي عندما كان الأول موجوداً في السودان والأمريكي في دبي، وأوضح أن رقم “جون” تحصل عليه من هاتف المتهم (ومن ثم رصدنا جميع المكالمات التي تمت بينهما خارج السودان).
وعاد الاتهام مستفسراً: كيف تم القبض على المتهم الأول والثاني؟ فأوضح المحقق أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني كان يرصد تحركات المتهم الأول منذ لحظة الاشتباه فيه عندما ألمح المتهم الأول لزملائه بأن لديه معاملات غير رسمية مع رجل أمريكي بدبي لكنه لم يفصح عنها، وكان يسافر عن طريق إذن للسفر من رئيسه دون علمه بفحوى السفرية.. وعلى خلفية معلومات رصدتها مصادر جهاز الأمن وضع المتهم الأول تحت المراقبة وهو في مركز المعلومات بوزارة الخارجية، ومن ثم رصد وهو في طريقه إلى منزله جنوب الخرطوم ومنها تمت متابعته حتى وصل مطار الخرطوم، وهناك تم ضبطه وهو يهم بمغادرة البلاد، وكانت العملية بواسطة ضابط شرطة وأفراد من جهاز الأمن.
أما المتهم الثاني فضبط بمطار الخرطوم وهو عائد من دولة الإمارات بخصوص معاينة وظائف الدبلوماسيين بوزارة الخارجية.
{ الدفاع يستجوب المحقق
واصلت هيئة الدفاع التي تضم: الأستاذ “نورد الدين محمد” عن المتهم الأول، ودكتور “عادل عبد الغني”، “أبو الباهي” و”محمد زين” عن الثاني، واصلت مرافعتها، ووجهت سؤالاً يتعلق بمؤهلات المحقق التقنية حتى توكل إليه مهمة التحقيق في هذه القضية، فاعترض ممثل الاتهام بشدة على هذا السؤال معرفاً بمؤهلات المحقق، لكن المحكمة قبلت السؤال كونه لا يقدح في مؤهلات المحقق القانونية، فالقضية تتعلق بالتقنية والمعلوماتية.
 وقال المحقق في رده على سؤال ثانٍ إن المتهم الأول تعاقد مع وزارة الخارجية كمتعاون في العام (2004)، موضحاً أنه صمم الأنظمة وقاعدة بيانات الوزارة، وأكد عدم علمه بمكان عمل المتهم الأول قبل وزارة الخارجية.
{ فحوى الاعتراف القضائي للمتهم
وجهت هيئة الدفاع سؤالاً للمحقق: ما هو فحوى الاعتراف القضائي الذي سجله المتهم أمام القاضي؟ فقال إن المتهم الأول ذكر في اعترافه القضائي أنه قابل الأمريكي بدبي وسلمه قاعدة بيانات وكل الملفات من نظام الموارد البشرية والمرتبات والمكاتبات الخارجية. وقال إن الأمريكي كان يركز في برنامج المكاتبات بين وزارة الخارجية وبقية السفارات.
وواصل الدفاع مستفسراً: هل أعترف المتهم بأنه قد تجسس؟ فرد المحقق أنه لم يقل (تجسس)، لكن الكل يفسر ذلك.. (وإذا سألتني مجدداً سأفسر لك موقفه، عندما قال- أي المتهم الأول- “أنا غلطت في دي لأني ما عندي حس أمني وبعدها قابلتو وعملت حسابي” وذلك بعد أن كان يترك له الجهاز مفتوحاً ويعود يجده مضطرباً).
وواصل الدفاع في توجيه أسئلته للمحق: هل ألقيت القبض على الأمريكي المدعو “جون فوهر” وتحريت معه؟ فرد المحقق أنه لم يلقِ القبض عليه وبالتالي لم يتحرَ معه، لكنه أكد أنه اطلع على صوره ومعلوماته.. وقال في رد على سؤال آخر إنه لم يتحرَ مع أي شاهد يؤكد له مشاهدته للمتهم الأول وهو يسلم الأمريكي هذه المعلومات.
وتابع الدفاع طرح أسئلته على المحقق: هل توافق بأنه لولا حسن نية المتهم الأول وأخباره زملاءه ومرؤوسيه بأنه ذاهب للعمل مع الرجل الأمريكي لما توصلتم إلى هذه المعلومات؟ فأجاب المحقق بأنه لا يوافق على هذا ويعدّ في ذلك علم الغيب.. وعن تصنيفه للرجل الأمريكي كرجل مخابرات قال المحقق: (من خلال أقوال المتهمين) وأوضح أنهم لم يضبطوا مستندات في منزلي المتهمين تتعلق بوزارة الخارجية سوى جهاز (لابتوب) به معلومات، لكنه لم يستخدمها في عملية نقل البيانات.
{ خلفية عن القضية
أوقف جهاز الأمن والمخابرات الوطني المتهمين بتاريخ (3/ 12/2014) بتهم تتعلق بالاشتراك الجنائي المادة (21) والتجسس على البلاد المادة (53) وإفشاء واستلام المعلومات والمستندات الرسمية المادة (55)، وهي التهم التي قدما بموجبها للمحاكمة، بعد رصدهما ومتابعتهما.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية