النشوف آخرتــــا
(الحَر) عندما يطغى
سعد الدين ابراهيم
كان يوم السبت قطعة من جهنم.. ولم نر جهنم ولكنا سمعنا عنها.. وقد قال العالم ضيف فتاوى مولانا “محمد هاشم الحكيم” في (النيل الأزرق) إن نار جهنم كانت تأكل بعضها فكان التنفيس بالصيف وبالمقابل الشتاء الزمهرير أو كما قال.. مولانا “محمد هاشم” طلب من الشيخ الضيف أن يقارن لنا بين حر الصيف هذا وحر جهنم.. وهو معلوم.. إنما في ترديده عظة وعبرة.. نقبلها مع وافر الاحترام لكن ما ضر مولانا لو حدثنا عن الجنة نسيمها البارد وماؤها الصافي ونبيذها الحلو المذاق، وعرج بنا إلى الحور العين وإلى السندس والإستبرق أيضاً كان وعظه سيصل عموماً شكراً للفكرة الفنانة في ربطه للحر بجهنم.. وهو مدخل من الوجهة الإعلامية راقٍ وماهرٍ..
قضيت حر السبت بين دار الإذاعة وصحيفة (المجهر).. ربما التلاقي مع الناس والتساقي مع الأفكار خفف غلواء الحر.. لكن الناس عموماً زادت صرة وشهم.. وزادت جرعة زهجهم.. وزاد عدم احتمالهم للآخر.. من نماذج زهجة الحر.. في الحافلة كانت امرأة تقول لجارها في المقعد وهو جنب الشباك.. افتح الشباك فيفتحه هنيهة وتقول له بري جايب سموم اقفلو.. تهبب المرأة نفسها شوية ثم تقول للرجل: عليك الله افتح الشباك فيفتحه ثم لا تصمد للسموم فتطلب إغلاقه، فما كان منه إلا أن قال للكمساري: أقيف ياخينا نزلنا.. فقالت له المرأة ببساطة وصلت محطتك فقال في غضب: ما وصلت لكين خليت ليك الحافلة وأخذ يحاكيها اقفل الشباك افتح الشباك قال له شيخ وقور: يا زول استهدى بالله أقعد قعادك خليها هي جنب الشباك تفتح وتقفل زي ما عايزة فاستجاب الرجل وجلس ووجد حله منطقياً.
حقيقة ارتبطت الحرارة بكنايات ايجابية وسلبية، فحين تقول كراعو حارة وعينو حارة فهذا أمر سلبي، وحين تقول عينو حمرا قد تعني الرجالة والقوة والبأس وحين تصف شاباً تعجبك بسالته تقول: قلبو حار والذي لا يقبل الحوار يصبح دائماً نفسو حار.. و(الحارة) وليمة كانت منتشرة زمان تقام كرامة لميت في ذكراه وترتبط (بالخلوة) التي تقيم (ختمة قرآن) على روح المتوفى، وكنا نغني لها أهزوجة: الحارة ما مرقت ست الدركة ما (فعلت كيت).
وهنالك لعبة شعبية اسمها (حرينا) ولعلها من الحرارة التي تكتنف اللعبة.. وفيها يتعارك متنافسان أو أكثر بأن يمسك كل قدمه بيده وبيده الأخرى يصارع زميله والفائز من يسقط الثاني.. وفي اسم الحاردلو يقال إنه عُين عمدة أو زعيماً ولأنه رجل حار أي حاد الطباع قالوا الحار دلو.. أي انزلوه.. وفي عدم القدرة على الاختيار يقولون (ده حار.. وده ما بنكوي بيهو) ومجاراة للمقولة أطرق الحديد وهو ساخن يقولون: (أخير تنتهي منو حار حار)، أي في قمته أو قبل أن يبرد ويصبح الأمر عسيراً.. وفي الأمثال يقولون البكاء بحررو ناسو.. أي أصحاب الوجعة في الميت هم الذين يجعلون البكاء عليه حاراً بتوصيفهم لمآثره أو تعدادهم لمناقبه أو البكاء عليه بحرارة وصدق..
عموماً نحتاج لاتقاء الحرارة وناس الأرصاد توقعوا أمطاراً وفعلاً مساء نفس اليوم هطلت أمطار بسيطة جداً سرعان ما شربتها الأرض العطشى.. بالمناسبة الكهرباء قطعت في محلات كثيرة بالعاصمة بالتناوب، فهل ذلك من أثر الحرارة العالية عليها.