حوارات

"د. بلقيس بدري" تتذكر قصة زواجها وسنوات (الخيابة) الأولى:

لم أعرف أن زوجي وجيه إلا بعد الزواج
قلبي دارو لانو هادئ (ما بحب الأولاد (اللعلاعين) إطلاقاً)
الكل يتوقف في الزواج من المرأة صاحبة التجربة السابقة.. لماذا؟
ليست هناك أغنية هابطة بالمعنى الواضح
الملابس تحكمها (تقليعات) الموضة لا المرحلة السياسية
حوار – آيات مبارك
بين أحاجي حبوبتها “مكة أم طبول” ومعتقدات “حاجة أم مسلمة” عبر (كبسولة الزمن) أخذتنا “بت البدري” مباشرة إلى حقوق (الجندر) ومطالبهن لنتأرجح بين أزمان مختلفة، ونتهادى عبر الأهازيج المموسقة.. وهي تتغنى لنا (جدادتي جدادة الوادي سمعته صويتا بي غادي.. يا حبان كدي انوصيكم  جدادتي أمكن تلاقيكم)، ثم واصلت قائلة: (هكذا كانت تنحو بنا أمي في مدارج التربية مستلهمة من إيقاع الحجوات الغنائية ذات الرزم والإيقاع حناناً تربت به على أكتافنا حتى نجتاز هموم الحياة).. إستغرقتنا حينها لحظات مدهشة تحت مظلة التوافق وقد حسبنا فور رؤيتنا لهدوئها المفرط (أن تحت الرماد وميض نار)، لكنها على العكس كانت أكثر فطنةً وتسامٍ مع مضامين المتغيرات المجتمعية.. امرأة ذات وعي مخيف ومريح في آنٍ واحد -هي ” د. بلقيس يوسف بابكر بدري” (الباحثة الاجتماعية) وإحدى الداعمات لنهضة المرأة السودانية – من مواليد أم درمان درست بـ(مدارس الأحفاد) ثم جامعة الخرطوم كلية الآداب ثم (الاجتماع)، عملت أستاذة بها لمدة (23) عاماً، وابتعثت لنيل درجتي (الماجستير) و(الدكتوراة) انتدبت (للمملكة العربية السعودية) و( تونس)، ثم عملت خبيرة في مجال (النوع وتطوير الجندر)، وقامت بافتتاح عدد من المراكز ووضع النواة للعديد من الدول كـ( اليمن)، (مصر)، ( تونس) (سوريا ) و(الإمارات) والعديد من التفاصيل والنجاحات التي أحرزتها لكنها أنكرتها. في ما يلي الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار معها:
{ ما الشيء الذي أستوقفك في الزيجات السودانية؟
– لماذا لم يتجه المجتمع السوداني وفق السنة المحمدية.. فالنبي (صل الله عليه وسلم) كل زوجاته ثيبات عدا “عائشة” وحتى الصحابة رضوان الله عليهم.. لكن في السودان الكل يتوقف في الزواج من المرأة صاحبة التجربة السابقة. 
{ زواج القاصرات.. الأسباب والحلول؟
– يأتي عن عدم وجود فرص التعليم والحاجة إلى المال، فيتم التخلص من البنات بتزويجهن بغرض الكسب المادي، لذلك يجب علينا القيام بإشاعة مجانية التعليم وإعطاء حوافز مادية للأسر الفقيرة.. وتطبيق قانون تعليم إلزامي ومجاني مع حوافز  مادية للأسر الفقيرة. وهنا تستحضرني تجربة (food for work) الغذاء والعمل،  والغذاء من أجل التعليم في (شرق السودان). والتي كانت تتم بأخذ جركانة زيت أو أية مأكولات. وكلما تعلو الفتاة في مرحلتها التعليمية تأخذ معينات إضافية إلى أن تتخرج وهي تحمل مهارات حياتية وليست أكاديمية فقط، وذلك بتشجيع البنات على التعليم، وهي تحمل صنعة في يدها.
{ أعطينا فكرة واضحة عن هذه التجربة.. حتى تتم الاستفادة منها؟
–    هذا حلمي الذي أتمنى القيام به، ولدي تصور واضح يسهل تحقيقه، ببساطة شديدة إذا كل من شركات الاتصال والشركات الكبرى عموماً تكفلت بدعم ولاية عن طريق منح  تأمين صحي طيلة فترة التعليم،  ودعم للأسر الفقيرة التي لديها عدد من البنات، نكون بذلك قد خرَّجنا للأمة السودانية نساء متعلمات ماهرات، للحد من الفقر وتحسين الصحة من جهة أخرى، وتعليم البنات وإرضاء ضمائرنا.
{    “د. بلقيس” الباحثة الاجتماعية.. الأغنيات الهابطة هي مرآة المجتمع.. فهل هذا ما فعلت يدانا؟
–    الفنان “إبراهيم عوض” زمان كان عنده أغنية بتقول (بتحبيني من جوة قلبك بتحبيني)، وقالوا دي هابطة: (يعني كيف ولد يقول لي بت غصباً عنك بتحبيني؟؟!!)، والمقاييس تختلف حسب الأزمان، فليست هناك أغنية هابطة بالمعنى الواضح.. إلا ما يندرج تحت إطار الإساءة.. وهذه لا تعد أغنيات، وينحصر تداولها، لكن هناك اختلاف أمزجة. مثلاً المطرب “طه سليمان” عنده أغنية أسمها (الليلة الدق) ووجدت قبول خلاص، معناها في ناس حابين الليلة الدق دي!! وما في داعي للهجمة، ثم أنه ما في طريقة  للضبط مع التكنولوجيا دي.. زمان كانت هناك (إجازة صوت في الإذاعة) والتقييم الآن حسب الأذواق الفردية.
{ (الذوق العام) و(المظهر العام) مفردات تطفو على السطح طيلة الحقبة الماضية وحتى الآن.. ما قولك؟
–    نحن زمان بنلبس قصير ودون أكمام تحت التوب، وهسي نفس اللبس بدون توب!! فالملابس تحكمها (تقليعات) الموضة فقط.. لا غير وليس مرحلة سياسية وترتديها شريحة الشباب التي لا تنقاد إلا لمزاجها الشخصي، فهم قادة التغيير والدليل على ذلك أن أغلب الساسة ظهروا بأفكارهم المختلفة في العشرينيات والثلاثينيات.
{ ألا تتفقين معي أن تنميط المجتمعات يعد عملية في غاية الصعوبة؟
–    نعم.. فالتغيير هو سنة المجتمع والدليل على ذلك أن أمريكا  طلعوا منها (دواعش). أما التغيير الشخصي فهو نوع من الإبداع  الرباني والموهبة وهنا تكمن متعة وقيمة الحياة، لكن نحن عموماً بعيدون عن التغيير الضخم رغم خطواتنا الواسعة نوعاً ما.
{ إذن وماذا عن منظومة القيم وقوانين المجتمعات؟
–    هي أيضاً تتغير فقط بمقاييس جديدة.. خصوصاً مع وجود جماعات مختلفة بدرجة كبيرة خاصة في ما يتعلق بالتصرفات الشخصية، لكن بالمقابل هناك منظومات لابد منها وليس بظني أن تتغير.
{ مثل ماذا.. فأهل علم الاجتماع يتوقعون أي شيء؟
كـ(قيمة العمل وكسب العيش) لا يمكن أن تنعدم.. لكن كل المنظومات المرتبطة بتقييم السلوك الفردي يحدث لها تغيير.. والمتمردون في المجتمعات كثر، لذلك علينا وضع السلاح جانباً والنظر إليها من جانب (متين الحالة تكون خطرة على المجتمع؟؟) مثل حالات الإدمان وإيذاء الآخر بصورة مباشرة، حتى نجد الحلول الناجعة.
{ كيف كانت طريقة زواجك؟
–    بطريقة ساخرة – مفروض أكون حبيت الولد المعاي في الجامعة وهو زوجي المرحوم “محمد حسن الطيب”، الذي كان متيماً بي، وصار يحدث عني الجميع (أنا بحب بلقيس.. أنا بحب بلقيس)، وهو كان (سينير) بالنسبة لي وبعد تخرجه قام بتوسيط أحد أصدقائه، فحدثني فأجبته: “أوكي بس اشوفو كويس”، وقتها لم تكن لدي اهتمامات بالجنس الآخر وجني قراية لدرجة يطلقون عليّ (بلقيس مكتبة)، وفعلاً شفتو المهم ارتحت ليه ومن لحظته قلبي دارو… لأنه كان زول هادئ.. والغريبة بعد كدا اكتشفت أنه وجيه فكان شكله مثار تعليق الكل.
{ ماذا قالوا؟
قالوا بلقيس دارتو عشان هو سمح..  لكني في الحقيقة لم أكتشف ذلك إلا بعد تعليقات الناس، بل بعد الزواج.
{ صفات أخرى جذبتك إليه؟
–    البساطة والهدوء لأني ما بحب الأولاد (اللعلاعين) إطلاقاً.
{ وماذا حدث بعد ذلك؟
–    أول جلسة بيننا صارحته بأني  زولة ما بعرف أعمل أي حاجة في المطبخ، قال لي ومالو؟ نأكل سندوتشات.. وهو أهله من القضارف والنسوان عندهم  بعوسن الأبري وبكفن الدلكة، وبعملن أي حاجة، فأستبعد هذا الأمر. ثم قلت له: أنا بسبح وبركب حصان.. أجابني قائلاً: برضو ما في مشكلة.
{ هل كانت استجابته السريعة لطلباتك محفزاً لنبضات قلبك؟
–    نعم شعرت بأنه إنسان رقيق ويجوز حدوث توافق في الملامح العامة ناتج الخلفية الذهنية لفتى أحلامي، وظللنا مخطوبين لمدة عام إلى أن تزوجنا.
{ بعد الزواج.. هل وافق على شروطك من عدم (طبيخ) وخلافه؟
–    نعم سكنت مع خالتي أرملة وما عندها أولاد.. لأني  ما بقدر أمسك بيت براي.. وكلهم عارفني زولة كحيانة وغير كده هي عندها   طباخ ومكوجي، وإذا احتجت لخلاف ذلك (خالتي زينب بتساعدني)، إذا في زرارة انقطعت هي بتخيطا). والثلاث سنوات الأولى قضيتها معها لدرجة أنه كثيراً ما يعلق أنا ما عارف عرستك أنتي ولا الحاجة؟!!
{ هل استمر هذا الحال طويلاً متى تحملتِ المسؤولية؟
–    ما عرفت أتحمل المسؤولية إلا بعد أن وضعت بنتي الأولى.. حينها قلت لنفسي: ( يا بلقيس الآن أتى للحياة من هو أضعف ويحتاج لمساعدة كاملة، والآن أبث تحياتي إلى روح المرحوم زوجي  وأشكره على  كل ما مضى من عمر بيننا، وبالأخص على تحمله كامل سنوات (الخيابة) الأولى، دون ضجر.
{ تضحيات زوجية أخرى؟
–    عشنا معاناة طيلة فترة عملي خصوصاً أثناء فترة الدكتوراة وصبر معي كثيراً.. عندما سافرت لنيل الدكتوراة، وعندما أبتعثت إلى (جامعة الملك سعود)، وهناك مشهد لازلت أذكره جيداً كما الأمس، كنت أحمل شهاداتي ووجهي مليئاً بالدموع ورئيس الجامعة كان مصراً على سفري، فتحايلنا على الموقف أنا وزوجي بأن تذرعت بأني سأسافر إلى انجلترا إلى أختي، وأخفيت أمر الدكتوراة إلى أن مضى بسلام.
{ تجربة أنثى مجتهدة.. ماذا تقولين لفتيات هذا الجيل؟
•    أيام الدكتوراة نفسها درست الكورس في أقصر فترة ممكنة لأني ما بقدر أقعد الفترة كلها بعيداً عن بيتي وأولادي.. كنت بين أسرتي والعمل الميداني.. وفعلاً انتهيت في الفترة المطلوبة لأني إذا صممت على عمل شيء لا أحب الفشل.. كنت حينعا حاملاً ولدي بنت صغيرة. وهذا ما أعيبه على البنات بالتحجج بعدم المقدرة.. فإذا وضعن كلمة الممكن فكل شيء سيتحقق.
{ من خلال  الحوار.. “د. بلقيس” إنسانة بعيدة مرامي الدهشة.. فما قولك؟
– (ضاحكة) فعلاً أنا لا أندهش فكل شيء متوقع.. وهنا يستحضرني موقف وأنا في المرحلة المتوسطة وأختي تدرس في (الجامعة الأمريكية) بـ”بيروت” أضعت منها خطاباً كان مرسلاً لأمي، فقلت لها بكل برود: الخطاب ضاع، فزجرتني عمتي: ” شوف البت الباردة دي.. أمك منتظرة الجواب ده بفارق الصبر.. تجي تقولي ضيعتو؟ فأجبتها: أنا بقول الحقيقة.. هي تزعل. ترضى دي حاجة بتخصها.. لذلك أنا آخذ الواقع على عواهنه.. بالمناسبة حتى الحاجة الجميلة ما بتفرحني شديد.. وفي الجامعة لما المدرسات ينجزن عملاً جيداً ولا احتفى بهن يحزن.. فاطلب منهن المواصلة في هذا الأمر.. فقط كل ما يهمني أن تكون المشاهد أمامي كاملة دون (دسديس).
{ (الدسديس!!؟).. أثار كتاب حياتي للشيخ “بابكر بدري” ضجة لم تهدأ حتى الآن.. بسبب تناوله للمسكوت عنه.. وها هو العم “شوقي بدري” يواصل ما بدأه.. و”د. بلقيس” امرأة شديدة صراحة.. ما قولك؟
–    ضاحكة.. أيوة نحن ما بنحب (الدسديس) طالما هذا الأمر واقع أمامنا لا نغمض أعيننا.. فقط نقول ما رأيناه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية