رأي

النشوف آخرتــــا

نشرب شاي..!!

سعد الدين  ابراهيم

كنت بصفتي برجوازياً صغيراً.. أتأفف من الجلوس مع (ستات الشاي والقهوة) وكنت أنظر إلى الجالسين كـ(ناس ما عندهم شغلة) ويملأون فراغهم بمنشط بائس.. إلى أن صادقت الحبيب جداً الراحل الفنان الساخر جداً “صلاح حمادة”.. وعندما تصادق “صلاح حمادة” ينبغي لك أن تركن إلى اقتراحاته فلديه– معي على الأقل- قدرة على الإقناع عجيبة.. دعاني إلى كوب شاي مع إحدى صديقاته (ستات الشاي).. وجلست وأنا أتلفت كأنني أمارس فعلاً شائناً… سلم على (ست الشاي) فشكت له من (الكشة) ظهر أمس وكيف صادروا (عدتها).. واضطرت لشراء (عدة) جديدة تركت بسببها أولادها بلا طعام المهم- أخذنا قعدتنا- وأردت إظهاراً لكرم زائف أن أدفع حق المشروبات فزجرتني (ست الشاي) قائلة: (احنا لا بنشيل من صلاح ولا من ضيوفو)!!
استمر اليوم.. وفي آخره دعاني أيضاً لكوب شاي، لكن مررنا على حانوت يبيع اللحم وبقربه آخر يبيع الخضروات.. وملأ كيساً.. فقلت له مداعباً: (بقيت تسوي الأكل براك) قال لي بحسم: (ده ما لّي)!! ومضينا إلى ست الشاي تلك وأعطاها الكيس فشكرته بطريقة أليفة: (ما كان تتعب يا أخوي)! عندما انصرفنا سألته عن سر الكيس فقال لي: (ألم تسمع أنها قالت تركت أولادها بلا طعام).. بعد ذلك أصبحنا نجلس عادي أمام (ستات الشاي) وكبحت برجوازيتي.. الآن أنا لديّ صديقات من (ستات الشاي) في بقاع كثيرة ولا أتحرج من الجلوس إليهن.. رغم النظرات المتأففة إلينا.. والتي كنت أحملها ذات مرة حسبما هيأ لي صلفي البرجوازي.. بل كتبت أغنية بعنوان (ست الشاي) قدمها المخرج الكبير (أسامة سالم) في سلسلة (المسحراتي) الغنائية في التلفزيون القومي والتي دعمها “عوض جادين” بجرأة لحبه للأفكار المختلفة.
 توقفت قبل فترة عند خبر الناشطات اللائي عملن لفترة ساعات (ستات شاي) دعماً لفرض اتجاه يعلي من قدر (ستات الشاي) ويدرأ عنهن (الكشات) هل هذه الفكرة عملية؟ أليست من (شطحات) البرجوازية الصغيرة.. الفكرة ذاتها متعالية من زاوية ترى في (ستات الشاي) طبقة دنيا.. وحين تمارسها مثقفات وإعلاميات وسياسيات يكنَ قد تنازلن من عليائهن ودعمن (ستات الشاي)؟؟ وهل ترى فيه (ستات الشاي) دعماً حقيقياً؟ أم ينظرن لها وهن  (ما فاهمات حاجة)؟؟ والمعروف أن بين (ستات الشاي) جامعيات.. وأقسم لكم إنني أعرف (ست شاي) كانت معلمة تركتها لشظف في الحركة من وإلى المدرسة بجانب أن (الماهية) بسيطة و(ممحوقة) حين تخصم منها (حق المواصلات وغسيل ومكوة التياب).. وضياع الزمن.. وجدت أن مهنة بيع الشاي أقل رهقاً رغم تكاليفها لكنها ليست برجوازيه فلم تر في مهنة بيع الشاي أية شبهة.. المهم أنها عمل شريف يدر دخلاً أكثر.
لا أريد أن أبخس الناشطات فعلهن.. فهو خيّر وهن حسنات النية ما في ذلك شك.. لكن ما مردود ذلك على (ست الشاي)؟ إن العائد على الناشطات أكثر من العائد على (ستات الشاي)، فقد قدمن موقفاً رأى فيه البعض فكرة خلاقة.
الأجدى كان تطوير شكل وبيئة مهنة بيع الشاي وعمل مقاهٍ معتبرة.. والسعي إلى تقنين المهنة بواسطة التشريعات والضغط على متخذي القرار.. آه لو كن فعلن مثلما فعل صديقي الراحل المقيم “صلاح حمادة”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية