بروفيسور "حسن الساعوري" يقرأ لـ(المجهر) المشهد السياسي بعد الانتخابات
أتوقع استمرار الحكومة القادمة لأطول فترة قبل أن يصل الحوار إلى نهاياته
المعارضة تريد إقصاء المؤتمر الوطني وهو لا يمكن أن يأتي بمن يقوده لحبل المشنقة!!
“الترابي” يقصد بالنظام الخالف البديل للمؤتمر الوطني ويبحث عن ألفاظ لشغل الساحة
دول (الترويكا) تحتاج للسودان في مكافحة الإرهاب.. والقانون لا يمنحها حق التدخل في شأن داخلي!!
المعارضة ستضطر إلى قبول التفاوض الذي قررت مقاطعته بعد الانتخابات!!
الحكومة ستُجبر على التفاوض خارج البلاد..!!
يجب على الحكومة القادمة معالجة العلاقة مع المعارضة
مقدمة
قلل خبير سياسي، من تهديد دول (الترويكا) حول عدم شرعية الانتخابات التي ستعلن نتائجها الأولية بعد غد (الاثنين). وقال الخبير والمحلل السياسي بروفيسور “حسن الساعوري” إن دول (الترويكا) أصدرت بيانها نكاية في الحكومة بسبب رفضها المشاركة في ملتقى التحضير للحوار الوطني بأديس أبابا، مؤكداً أن (الترويكا) تحتاج إلى الحكومة السودانية في ملف مكافحة الإرهاب. وكشف “الساعوري” عن عدم الثقة بين الحكومة والمعارضة، وأساسه الذي لم تفصحا عنه هو الإقصاء للآخر، موضحاً أن المعارضة تطالب بتفكيك الحكومة الحالية وتكوين حكومة انتقالية، بينما لا يتوقع أن توافق الحكومة على الذهاب إلى حبل المشنقة وأن تخلي مكانها للحكومة الانتقالية. وأقر “الساعوري” بوجود خطأ سياسي وقانوني بالنسبة للمستقلين، لجهة عدم قدرتهم على تنفيذ وعودهم الانتخابية، وأضاف إن المهمة ستكون صعبة بالنسبة لهم، وسيكتفون- عند اكتشافهم لتلك الصعوبة- بأخذ رواتبهم فقط.
حوار- وليد النور
{ هل يتسبب بيان الترويكا (الولايات المتحدة، النرويج والمملكة المتحدة) حول عدم شرعية الانتخابات وردة فعل وزارة الخارجية في أزمة جديدة بين الحكومة والبلدان الثلاثة؟
_ بداية، مجموعة (الترويكا) سبقت الانتخابات ببيان فضفاض، وحمال أوجه، أكدت فيه عدم دعمها للانتخابات. وكان ذاك البيان بمثابة إنذار للحكومة وتمهيد لما بعد النتائج النهائية للانتخابات، برفض الاعتراف بها.
{ لكن المراقبين أكدوا ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع؟
_ صحيح أن نسبة المقترعين أقل من (50%) لكن عادة الانتخابات يؤثر فيها الرأي العام المحلي (السوداني)، وعدم اعتراف الآخرين لا يؤثر فيها. ثم أن القانون الدولي لا يمنح (الترويكا) أو غيرها فرصة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول حتى تقرر أن هذه الحكومة شرعية أو غير شرعية. ولكن كل الذي تستطيع أن تفعله (الترويكا) هو إعادة الأسطوانة القديمة بتحريض التمرد ودعمه مادياً.
{ لكن ألا يؤثر قرار (الترويكا) بعدم الاعتراف بالشرعية على مسألة إنهاء العقوبات وإعفاء ديون السودان الخارجية وحرمانه من الحصول على القروض الميسرة؟
_ بالتأكيد سيكون له تأثير كبير في قضية إعفاء الديون. وحسب التقارير، التي أصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هناك اعتراف بأن السودان استوفى الشروط كافة الواجبة لإعفائها، ولكن هنالك دوافع سياسية وراء التأخير.
{ هل مشاركة السودان في (عاصفة الحزم) ستخفف من حجم تأثير القرار المتوقع؟
_ حسب الوعود الخليجية عقب موافقة السودان بالدخول في تحالف (عاصفة الحزم)، حال وفاء دول الخليج بالتزاماتها، ستكون النتائج في صالح السودان. والعامل الثاني مربوط بالإرهاب، لا سيما أن الدول التي تجاور السودان كلها ضعيفة. بيد أن تنظيم (بوكو حرام) هدد معظم الدول الأفريقية (مالي، الكاميرون وأفريقيا الوسطى)، والآن في طريقه إلى تشاد، ومن ثم سيتجه إلى دارفور. والإرهاب الدولي وصل قلب أفريقيا والسودان مطوق به، ودول (الترويكا) تحتاج إلى السودان في مكافحة الإرهاب.
{ ألا ترى أن تلك التطورات في الوضع العربي والأفريقي تقتضي ترتيبات داخلية أو استمرار الحوار الوطني حتى نهاياته على الأقل؟
_ دول (الترويكا) رفضت دعم الانتخابات لأن الحكومة رفضت المشاركة في الملتقى التحضيري للحوار بأديس أبابا.. لكن القضية مربوطة بالحوار الوطني، ويتعلق الأمر أيضاً بما إذا كان قطاع الشمال يتحدث عن النيل الأزرق وجنوب كردفان أم يتحدث عن السودان ككل.. وأعتقد أن الحكومة عندما وقعت على خارطة الطريق بأديس أبابا قدمت تنازلات كبيرة.
{ ما هي التنازلات التي قدمتها الحكومة؟
_ يتمثل التنازل في الأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرار، وهي نسبة (90%) من آلية الحوار الوطني، ومعناها أن المؤتمر الوطني لا يستطيع اتخاذ القرار منفرداً. لذلك فإن المعارضة ضيعت فرصتها الوحيدة بتوقيعها (نداء السودان)، لأنه تحالف عسكري – سياسي.. ولأن المعارضة المسلحة لم تستطع حتى الآن الانتصار على الحكومة، ولن تستطيع إلا عبر إدخال عناصر إلى الداخل لتفجير الخرطوم، ستكون خسارتها كبيرة جداً.. لكن أعتقد أن المعارضة ستضطر إلى قبول التفاوض الذي قررت مقاطعته بعد الانتخابات، وكذلك الحكومة ستُجبر على المفاوضات خارج البلاد، لأن كل الاتفاقيات التي وقعتها للسلام كانت في الخارج، سواء (نيفاشا)، (الدوحة) أو (أبوجا).
{ هنالك أزمة ثقة بين الحكومة والمعارضة؟
_ المشكلة الأساسية التي لم تفصح عنها المعارضة ولا الحكومة هي (الإقصاء).. المعارضة تريد إقصاء المؤتمر الوطني ومن سانده في ممارسة الحكم والعمل السياسي في الفترة القادمة.. هي لم تقلها صراحة، لكنها تلمح باستخدامها عبارة (تفكيك النظام).. وهي تريد تكرار التجربة المصرية، والحكومة لا يمكن أن تقبل بتشكيل حكومة انتقالية تحاسبها، وهي ليست مستعدة لأن تتنازل أو تسلم نفسها لحبل المشنقة بنفسها.. وهذه القضية التي لم تفصح عنها الحكومة أيضاً.. فالإقصاء الذي تم في مصر عقب ثورة يناير، للحزب الوطني الحاكم وقتها، كانت نتيجته انقلاباً عسكرياً عكس الموقف في تونس، وقد انتبه “الغنوشي” لذلك، وسمح للحزب الحاكم بممارسة العمل السياسي، وقامت انتخابات واستمرت العملية السياسية.. لكن السؤال: هل المعارضة مستعدة للتعامل مع النموذج التونسي أم المصري الذي يقصي المؤتمر الوطني من الساحة السياسية؟؟!
{ هل تتوقع تغييراً في الخارطة السياسية ما بعد الانتخابات؟
_ أولاً.. الحكومة الجديدة هي المنتخبة، وستكون شرعية بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، وبالتالي لا يستطيع أحد داخل السودان أو خارجه أن يقول إنها غير شرعية، لكن الأزمة السياسية ستكون موجودة، لأن المعارضة ما زالت ترفض التعامل مع الحكومة. لذلك يجب على الحكومة القادمة معالجة العلاقة مع المعارضة، أو بالأصح الاستمرار في الحوار الوطني الذي إن وصل لنتائجه النهائية ستكون هذه الانتخابات عديمة الفائدة، إما أن تلغى أو تقام انتخابات مبكرة.. وهذا يعني إهدار أموال طائلة دون فائدة.. هذا حال خروج الحوار الوطني بنتائج إيجابية، لكني أتوقع أن تستمر الحكومة لأطول فترة ممكنة، قبل أن تصل بالحوار الوطني إلى نهاياته.. ويمكن أن يتم ذلك بعد عامين، لجهة أن الحكومة الجديدة تأخذ فترة وتنجز بعض المهام.. وفي العام الثالث توافق الحكومة على مخرجات الحوار الوطني، بإعلان انتخابات مبكرة .. لكن المعارضة في ذهنها أن الحركات المسلحة ستحقق انتصاراً بزحفها نحو الخرطوم، وهذا لا أتوقع أن يتم، بجانب أن فيه نوعاً من المغامرة غير محسوبة العواقب.. ومع ذلك ستكون المعارضة مستعجلة، والحكومة تريد كسب الوقت، والمعركة ستكون على الزمن.
{ لكن الأمر يراوح مكانه في المنطقتين؟
_ لقد حول قطاع الشمال الأمر من جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى السودان كله. وبالتالي ليس لديه استعداد لمناقشة قضايا المنطقتين، بل يريد مناقشة قضايا السودان كله.
{ لكن المشكلة الاقتصادية ستظل المعوّق للبلاد؟
_ المشكلة الاقتصادية ستتحول إلى مشكلة اجتماعية خطيرة، لأن حوالي (25%) من السودانيين (عطالة)، وستنعكس على معدلات الزواج وارتفاع معدلات العنوسة، لأن الشباب حالياً لا يستطيع الزواج بسبب (العطالة)، وحال وجد فرص عمل ستتزوج الفتيات دون سن الثلاثين، وبالتالي كل من تعدت الثلاثين ستكون خارج حسابات الطبقة الراغبة في الزواج. ولو فرضنا جدلاً أن العطالة انتهت سنواجه مشكلة عنوسة قد تتسبب في مشكلة أخلاقية. يعني الأزمة الاقتصادية انعكست على المجتمع وستتحول إلى أزمة أخلاقية.. لذلك إذا لم تنتبه الدولة ستتفجر مشكلة أخلاقية غير متوقعة.. وأنا مشفق على علاقاتنا الاجتماعية خاصة أن نسبة العنوسة عالية، وهي (قنبلة موقوتة) يجب معالجتها قبل زمنها عبر مشاريع اقتصادية.
{ لكن مشاريع النهضة الزراعية والنفرة فشلت رغم الأموال التي صرفت عليها؟
_ فشلت.. نحن نخطط تخطيطاً صحيحاً ونضع برامج حقيقية لكننا لا نمولها، ولم ننفذها بالطريقة المثلى، بسبب تحويل الإيرادات إلى الحرب. وبالتالي أية نهضة سواء أكانت زراعية أو حيوانية إذا لم تكن الدولة مستعدة لتمويلها فلن يكتب لها النجاح.. وأنا شخصياً اشتركت في اجتماع لمناقشة خطة النهضة الزراعية، وعندما طرحت خطة جديدة رفضت وقلت لهم نفذوا الخطة الموجودة أصلاً التي صرفت عليها أموال.. ومشاريعنا المخططة محتاجة لتمويل، ويجب وضع برنامج إسعافي اقتصادي.
{ توقعات النجاح للحكومة الجديدة بعد مشاركة الاتحادي الأصل والمسجل؟
_ كنت أتوقع أن يتوحد حزبا مولانا و”الدقير”، لأن خلافهما كان حول المشاركة في السلطة.. لكن أعتقد أن الطرفين لم يشجعا بعضهما على الوحدة، وأنا لا أشعر في حال استمرار الحرب، والمعارضة تتحدث كلام (نكاية) وكيد في الحكومة أن يكون هنالك تغيير يذكر، ويجب أن نتوصل إلى حل، لأن الحرب في المنطقتين أصبحت سياسية، وقطاع الشمال أصبح ناطقاً باسم المعارضة.. لكن يجب الاستمرار في الحوار، لأننا نعلم أن الحزب الشيوعي لا يمتلك جماهير، لكن له وزنه السياسي وعلاقته مع الحركات المسلحة، وكذلك حزب الأمة.. لذلك فالحكومة لا تستطيع أن تقدم شيئاً.
{ هنالك إرهاصات بعودة الحرس القديم إلى الواجهة مرة أخرى؟
_ لا أتوقع ذلك، لأن الحرس القديم نفذ كل ما يملك (وتاني ما عندو جديد، لو عاوزين نحل مشاكلنا يجب على الحرس القديم أن يتنازل).
{ فوز المستقلين من المؤتمر الوطني في الانتخابات هل يشكل تهديداً ما للحزب الحاكم؟
_ صحيح.. النتائج الأولية للانتخابات أظهرت ضعف المؤتمر الوطني، وفقد أكثر من (15) دائرة.. والفرق كان كبيراً جداً والفوز كاسحاً. ومن غير المتصور أن لا يشفع للمؤتمر الوطني كل ما قدمه في عاصمة الولاية الشمالية دنقلا ومحلية أبو حمد بولاية نهر النيل، من نهضة وتنمية.. إذن هنالك خلل.. أنا أعتقد هنالك خطأ قانوني وسياسي.. الخطأ القانوني في النظام الفيدرالي، فالخدمات التي يطالب بها المواطنون هي ولائية وليست مسؤولية المركز. لكن حتى الآن الحكومة والمعارضة (ما فاهمين) أن النائب المستقل، يتحدث عن القضايا المحلية في كتم وبرر ودنقلا والقضارف، وهو مرشح في البرلمان القومي، ولا يستطيع تقديم ما يعد به ناخبيه في حملته الانتخابية. وبالتالي (لا المرشحين ولا المواطنين فاهمين)، ولا الحكومة استطاعت أن تفصح عن أن النائب المستقل لا يستطيع تقديم الخدمات، لأنها مسؤولية الحكومة الاتحادية. والخطأ القانوني أنها سمحت للمستقلين بالترشح وعندما فازوا أصبحوا في حاجة إلى ميزانية لدوائرهم، وإلا فإن هؤلاء المستقلين لن يستطيعوا تقديم أي شيء لدوائرهم، وسيكتفون بأخذ مرتباتهم، لأن الحكومة ليست ساذجة أو غافلة لكي تدعم، مثلاً، “مبارك عباس” في أبو حمد، حتى يفوز للمرة القادمة.. يجب أن يعدل القانون وتكون القوائم النسبية (100%)، حتى لا تترك فرصة للمستقلين، ويتم التعرف على الوزن الحقيقي للأحزاب وحجمها.
{ التقارب بين الشعبي والوطني.. إلى أين يسير؟
_ المراقب من بعيد يرى تقارباً بين الحزبين. لكني شخصياً أرى غير ذلك، لأن قيادة الأحزاب الإسلامية بما فيها (الإصلاح الآن) و(السائحون)، هم من فرطوا في الوحدة. لذلك أستبعد وحدتهم حالياً، إلا الجيل القادم يمكن أن يزيل ما علق في النفوس.
{ هنالك رغبة من القواعد؟
_ القواعد في حال تحركها، فإنها لن تأتي بالقيادات الحالية وستأتي بقيادات جديدة.. يجب أن تتحلى القيادات الحالية بقيمة الوحدة ولا أعتقد أن هناك ثقة.
{ كيف تفسر دعوة “الترابي” للنظام الخالف التي يبشر بها؟
_ “الترابي” و”الصادق” دائماً يبحثان عن الألفاظ والمفردات التي يمكن أن تشغل الساحة السياسية.. لكن أعتقد أنه يقصد النظام الذي يخلف المؤتمر الوطني في الحكم، لكن الآن المؤتمر الشعبي والوطني والإصلاح الآن والإخوان المسلمين وأنصار السنّة، ولا يوجد شيعة، لماذا لم يكونوا حزباً واحداً في مواجهة الحزب الشيوعي والبعث، مثلاً، لخدمة البلاد؟!
ويتعلق السؤال أيضاً بحال طائفتي الأنصار والختمية.. هذه القيادات كلها ليست لها رغبة في وحدة الأمة، وهي من فرط فيها بأمور اجتهادية.. هذه القيادات إما نسيت أو تناست، لا أقول إنها تجاهلت قيمة الوحدة، لأنها الأصل.. النظام الخالف هو نفس دعوة (السائحون)، فهم يدعون إلى حزب واحد.. والخلاف كله حول الكرسي.. ونحن نحتاج لصيغة تستوعب الناس كافة لكي يتعاونوا على الحكم، بحيث لا تكون هناك معارضة، بل النصيحة.. وحتى الحزب الشيوعي يمكن أن يشترك مع تلك الأحزاب، لأن منهج الأحزاب كله قائم على الإقصاء، لأن الكاسب يقعد في الكرسي.. فلابد من تربية سياسية جديدة على منهج الاستيعاب لضم الناس، بدل تنفيرهم.. هنالك خلل في قيادات الأحزاب.