هل سيعيد المؤتمر الوطني قراءته ويعيد مفصوليه المستقلين الفائزين؟
بعد أن خسر في دوائر (أبو حمد) و(دنقلا) و(الجاموسي)
تقرير: الصادق الطيب
(البلاد تسع المصوت وغير المصوت والمقاطع والمشارك في الانتخابات).. عبارة كانت في سياق تصريحات رئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني د. “مصطفى عثمان إسماعيل”، عقب اجتماع طارئ للقطاع (الأحد) الماضي. وبعد أن طوت الانتخابات صحائفها وسجلها، وأقبلت البلاد على مشارف مرحلة جديدة تحمل بين جوانحها العديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية، بجانب ملامح التغيير التي اكتسى بها وجه السياسة الخارجية ،مؤخراً، فهل تعتبر تصريحات رئيس القطاع السياسي مؤشراً ومفتاحاً لاستيعاب كل الذين انفلتوا عن الحزب وخرجوا عن عباءته في الانتخابات وترشحوا مستقلين وعودتهم لأحضان الحزب؟ خاصة بعد فوز بعضهم كما في حدث في دائرة “أبوحمد” بولاية نهر النيل التي اكتسحها المرشح المستقل “مبارك عباس” الذي كان ضمن منسوبي المؤتمر الوطني ،وفاز على مرشح الوطني “البرجوب”، الذي أتت به اختيارات الكلية الشورية للحزب مرشحاً له في انتخابات 2015، كما خسر مرشح المؤتمر الوطني في دائرة دنقلا “بلال عثمان” أمام المرشح “برطم”، بجانب خسارة الوطني لدائرة الجاموسي بولاية الجزيرة.
عودة منسوبي المؤتمر الوطني الذين خاضوا الانتخابات مستقلين، وتم إعلان فوزهم في الدوائر التي ترشحوا فيها هل ستكون ضمن خيارات الحزب الحكم، أم أنه سيطبق عليهم لائحته الجزائية التي أعلن عنها قبيل الانتخابات وهدد بموجبها بفصل كل منسوبي الحزب الذين يخرجون عن إجماع الشورى ويترشحون مستقلين وإبعادهم عن الحزب نهائياً، لا سيما وأن السياسة مبنية على المتغيرات والتكتيك فهل سيفرط الحزب الحاكم في دوائر ذات ثقل جماهيري فاز فيها المستقلون الخارجون عن إجماعه على منافسيهم بمن فيهم مرشحو الوطني الذين خسروا التنافس في مواجهة المستقلين (منسوبي الأمس)؟
المراقبون يرون أن التفريط في عضوية الحزب حتى وإن انفلتوا عن عقال الحزب وأصبحوا (مستقلين) عنه، ولطالما أنهم حققوا فوزا كاسحاً على المُجمع عليهم في الشورى وخاضوا الانتخابات باسم المؤتمر الوطني فإنه ينبغي على الحزب إعادتهم إلى ساحته من جديد ليس فقط من أجل زيادة عدد النواب داخل البرلمان وإنما بغرض تجنب خسارة قاعدة جماهيرية كبيرة منحتهم أصواتها. خاصة وأن جل الذين صوتوا في انتخابات العام 2015 في أنحاء البلاد كافة بلغ عددهم خمسة ملايين فقط من جملة (13) مليون حواهم السجل الانتخابي الذي اعتمدته المفوضية القومية للانتخابات أي بنسبة (42%). وفي ذلك يعلق رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. “مصطفى عثمان إسماعيل” الذي وصف النسبة بالمعتبرة بقوله:(في دول جرت فيها انتخابات بنسبة 25%). وأضاف: (كنا نأمل أن تكون أعلى من كدا ولكنها نسبة معقولة). وعزا “إسماعيل” ضعف الإقبال لعدم تنقيح سجل انتخابات 2010م. وقال: (وجدنا السجل لم ينقح هناك طلاب تخرجوا من الجامعات ما زالت أسماؤهم موجودة ولم يصوتوا، ومعسكرات للقوات المسلحة خرجت من مناطقها وذهبت لأخرى، وأسماء لمواطنين من جنوب السودان ما زالت موجودة في الكشوفات وأيضاً هناك من توفي).
المؤتمر الوطني الذي كون لجنة سياسية تتلقى تقارير من أمانات الحزب والولايات لتحليل نتائج الانتخابات بغية تقديمها للقطاع السياسي ليقدمها للمكتب القيادي ـ حسب ما أشار إليه رئيس القطاع السياسي بالحزب، هل ستكون عودة مفصوليه من الذين ترشحوا مستقلين ضمن توصيات هذه اللجنة، وهل سيسعى الحزب لضم مفصوليه من جديد؟
(المجهر) طرحت هذا السؤال على المحلل السياسي د.”حامد عمر حاوي” الذي أشار إلى أن النائب البرلماني لا يستطيع أن يقدم في ظل وجود نظام حزب مخالف، كما لا يمكن للنائب تقديم الخدمة لدائرته نتيجة لمعاكسته من كتلة الحزب بالبرلمان، لذا لم يستبعد “حاوي”عودة المفصولين الذين ترشحوا مستقلين إلى أحضان الحزب سواء أكان ذلك بسعي من الحزب أو بمبادرات من جانب المستقلين لا سيما الفائزين في عدد من الدوائر. “حاوي” في حديثه لـ(المجهر) عزا ذلك لعدة أسباب أهمها أن المؤتمر الوطني ربما يعيد قراءته للواقع الاجتماعي في عدد من الدوائر بمعنى تراجعه عن القراءة السابقة التي وصفها بالسيئة وغير الدقيقة التي نتج عنها ما أفضت إليه من نتائج، بجانب ما سمَّاه بتزوير الإرادة في الكليات الشورية على حساب مطالب المواطنين الحقيقية في الدائرة. كما أوضح أن المرشحين الذين خرجوا عن عباءة الوطني وخاضوا التنافس الانتخابي مستقلين بعد الكسب الذي حققوه في دوائرهم ربما يفكرون في العودة إلى المؤتمر الوطني تغليباً لمصالح مواطنيهم وخدمة لأهل دوائرهم الذين جاءوا بهم إلى قبة البرلمان. وتوقع “حاوي” أن يعلن المؤتمر الوطني الصفح عن المنفلتين عنه ويعرض عليهم العودة إلى صفوف الحزب الذي خسر في عدد من الدوائر حيث خسر دائرتي دنقلا وأبو حمد كما خسر الدائرة القومية (21) كرري الجاموسي بولاية الجزيرة التي فاز فيها المرشح المستقل التابع لـ(حزب الأمة القومي) “مبارك علي عبد الله نمرة” بفارق (9) آلاف صوت عن منافسه من الوطني، ونال “نمرة” (21) ألفاً و(500) صوت.
محاولة إعادة المستقلين بعد فوزهم إلى أحزابهم من جديد وقيام هذه الأحزاب بتبني هؤلاء الذين انفلتوا عن توجيهات الكليات الشورية في أحزابهم مفضلين الترشح بعيداً عن الحزب ليس بدعة سياسية جديدة، إلا أنهم بعد أن يحققوا الفوز في دوائرهم ويجيء بهم مواطنوهم لمقاعد البرلمان تتغير المعادلات وتصبح إعادتهم ضرورة ومن المرجح أن يلجأ إليها المؤتمر الوطني وبعض أحزاب الأمة (المتحد) و(القيادة الجماعية) و(الفيدرالي) وأحزاب الاتحادي (الأصل) و(المسجل) التي فاز منها مرشحون في عدد من الدوائر، وهذه الضرورة تقتضيها متطلبات السياسة الذي يمكن أن يكون ضمن (فقه المرحلة). وقد كان هناك سبق في هذا الأمر سبق إليه المؤتمر الشعبي في الانتخابات السابقة إذ تبنى ثلاثة من المستقلين الذين كانوا يوماً ما أعضاء به وفازوا في دوائرهم وأصبحوا نواباً في البرلمان وكانوا فاعلين في البرلمان. فهل ستسعى الأحزاب المشاركة في الانتخابات لضم مستقلين كانوا قريبين منها قبل الترشح بعد فوزهم في الانتخابات واختلال معادلة تلك الأحزاب وحساباتها التي كانت تتوقع عدم فوزهم وبعضها أصدر عقوبات على تلك العضوية المتفلتة في نظره بإبعادها عن صفوفه؟.
مراقبون يتوقعون عودة المستقلين الفائزين في الانتخابات بقرار من المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، قبل أن يسعى المستقلون أنفسهم لذلك. فهل ستشهد الأيام المقبلة إعادة قراءة الخارطة الانتخابية من جديد؟