مسألة مستعجلة
عندما تغيب الحكمة
نجل الدين ادم
اعتباراً من اليوم (السبت) وحتى الغد (الأحد) ممنوع الحملات الدعائية الانتخابية للمرشحين بأمر المفوضية، وكل من يتجاوز ذلك يعرض نفسه للمساءلة، على أن تبدأ بعد غدٍ (الاثنين) عملية الاقتراع أو التصويت، الكل الآن في حالة ترقب لهذه المرحلة المهمة ما إذا كانت ستشهد العملية إقبالاً ملحوظاً أو إحجاماً.
أفضل ما توجت به الحكومة مرحلة الحملات الانتخابية كان قرار الإفراج عن الأستاذ “فاروق أبو عيسى” السياسي المعروف، و”أمين مكي مدني” الناشط والمحامي، و”فرح إبراهيم العقار” القيادي السابق بالمؤتمر الوطني، الذين تم توقيفهم على ذمة بلاغ بتوقيعهم على اتفاق (نداء السودان) بـ”أديس أبابا”. الحكومة عبرت إلى مرحلة الاقتراع بهدف ذهبي في مرمى أهم عملية سياسية وهي الانتخابات، ووزير العدل يصدر قراراً بموجب سلطاته التي في ظاهرها قانونية وفي باطنها سياسية.
إطلاق سراح هؤلاء القيادات نزل برداً وسلاماً على الشارع العام وهم يقبلون على التصويت وكذلك وجد استحساناً من القوى السياسية، رغم أن الخطوة جاءت متأخرة. وأعتقد أن البادرة ستلعب دوراً في تحريك جمود العملية الانتخابية التي لا يكاد أحد يحس بطعمها، بما في ذلك المرشحون أنفسهم!، عدد من المشفقين على الانتخابات ظلوا يتساءلون هل سيقبل الناخبون على صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم، في ظل غياب بعض القوى السياسية الحية مثل حزب الأمة القومي الذي يغيب رئيسه السيد “الصادق المهدي” عن البلاد مغاضباً، والمؤتمر الشعبي الذي يرفض شيخه المشاركة ولكنه يتمسك بالحوار الوطني، والشيوعي الذي ظل يرى أن في اعتقال “أبو عيسى” وصحبه قبل الإفراج عنهم انتهاكاً لحقوق دستورية تعطيهم حق تحركهم لإسقاط النظام بالوسائل السلمية، كالتوقيع على اتفاق نداء السودان. نأمل أن تمضي الحكومة في اتجاه تهيئة الأجواء بمزيد من القرارات السياسية التي تدفع العملية الانتخابية .
ومن المفارقات السياسية العجيبة والعملية الانتخابية تمضي إلى نهاياتها، أن أحد مرشحي حزب المؤتمر الوطني لمنصب الوالي في انتخابات الوالي السابقة وهو “فرح إبراهيم العقار” في السجن حبيساً، قبل أن يأتي قرار الإفراج عنه وأصحابه. “فرح” كان مرشح الوطني لمنصب والي النيل الأزرق في انتخابات 2010، وهو يواجه مرشحاً شرساً من الحركة الشعبية وقتها وهو “مالك عقار”. “فرح” حاز على أصوات متقاربة مع تلك التي حصل عليها منافسه “مالك عقار” الذي سرت معلومات واسعة النطاق في ذلك الوقت، بأنه قام بتزوير نتيجة الانتخابات في دوائر انتخابية بعينها يسيطر عليها. عدد كبير من المواطنين وقتها، كانوا يرون أن “فرح” هو الفائز الحقيقي وليس “عقار”. الرجل تحمل تبعات أصعب انتخابات ولائية في ذلك الوقت لكن كان مصيره السجن بعد توقيعه على اتفاق (نداء السودان)، من واقع أنه أحد قيادات الولاية وليس معارضاً. سبق كل ذلك خلافات في الرأي للرجل مع حزبه لم يتم تداركها بحكمة، سيما وأنه كان يتحدث حتى آخر لحظة من إصدار قرار بإعفائه من الحزب أنه مؤتمر وطني وسيظل، وقد أكد لنا ذلك ونحن نحاوره. في خضم كل هذه المعلومات المبعثرة، نرجو أن لا تغيب الحكمة، في التعامل مع الرجل وغيره في مثل هذه المواقف.