الديوان

"محجوب شريف" شاعر الشعب.. ما زالت الأحزان تحكم قبضتها

في ذكرى وفاته الأولى
المجهر _ آيات مبارك
في العام الماضي، وكما الأمس، هاتفني أستاذي “عامر باشاب” وزميلتي “سعدية إلياس” (بأن محجوب شريف مات).. سمعت هذا ودارت الأرض تحت قدمي.. يا الله.. انقسم رأسي إلى نصفين.. ربما كان أحدهما حاراً جداً.. مرت بعدها لحظات كئيبة على الكل.. تحركنا بعربة الصحيفة إلى مستشفى (التقى) بأم درمان توقفت حركة المرور ابتداءً من (كوبري النيل الأبيض) وحتى (الثورة الحارة 21).. إذن لا فرار من الألم والحزن والوجوم كان يوماً عصيباً.. وسرادق العزاء مليء بجموع المعزين من كل أطياف الشعب السوداني من سياسيين وأدباء وفنانين، وأصدقائه ومحبيه الذين لا عدد لهم.. بكته النساء بنحيب بالغ وأنين يقطع القلوب نائحات (حليلو نصير الغلابة.. حليلو الإنسان..).. (محجوب شريف.. الطيب البشوش.. محجوب زاد المحتاجين).
فماذا الآن بعد الفراق؟ وكأنه همس لتلك الحشود التي جاءته مودعة، قائلاً: (ح تهرب منو جلدك وين.. يوماً ما ح تسكت تم.. وأخت راسي وأفارق دنيتي وناسي وأخلي وراي كراسي).. وأصبح كراسه مرجعاً لمناصرة الفقراء والغلابة.
والشعراء والأدباء لا يموتون، فقد انتهت عصور وسياسات بأكملها ولم يمت أدباؤها، لكن ما زالت الأحزان تحكم قبضتها على خاصرة الوطن برحيل (والد الشعب) ونصير الغلابة والمحتاجين.. جموعها هادرة خرجت وقتها.. تنادي (ماك الوليد العاق لا خنت لا سراق).
{ سقف البلد
مازلت أذكر كلمات الكاتبة الصحفية “مشاعر عبد الكريم” وهي غارقة في دموعها: .(موت “محجوب شريف” زي الاتقلع سقف السودان ومشى بيه.. وبقينا قاعدين ساي).
{ الأسطورة الشعرية
وربما كان يوم ميلاده مختلفاً كيوم وفاته.. فقد قال أصحاب النظرية البنيوية إن شخصية البطل لابد أن تصحب ميلادهم خوارق وأساطير تتبعهم طيلة حياتهم.. لذلك كان شاعرنا هو الأسطورة الشعرية، منذ صرخة ميلاده في العام 1948م بأم درمان ليصبح معلماً بالمدارس لعدة سنوات.
{ الشاعر الثوري
في انتفاضة أبريل 1985م كان شاعرنا محلقاً من فرط الفرحة وكأنه طائر أسطوري فأنشد (بلى وانجلى)، (يا شعباً تسامى)، (وطنا)، (عشة كلمينا.. ميري زكرينا) و(كل سونكي أحسن يبقى مسطرينة)، فكانت كلماته تتسامى وفق ما تتسق الحياة بمفردات غارقة في المحلية تحكي بصدق بالغ مثل (المدرسة فاتحة على الشارع  والشارع فاتح في قلبي)،   ولـ”محمد وردي” (الجميلة ومستحيلة) و(السنبلاية)، وتغنت له فرقة (عقد الجلاد) بالعديد من الأغاني (تبتبا.. تبتبا).
{ مبادرات أبو الشباب
كانت (مبادرة رد الجميل) وإغاثة الملهوف تأخذ جل وقته وحياته وتشجيعه لشباب (شارع الحوادث) وهو على يقين تام بأن الحياة هي مستقبل هؤلاء الشباب.
{ الميلاد الأخير
 ورغم صعوبة تنفسه وآلامه كان يتنفس عشق زوجته، فأتت تلك العبارات في (عيد ميلادها) معبراً لدار رحيله وزاداً لزوجته من بعده:
صفِّقوا وغنُّوا
دقوا الترمبيتة
حبَّتني حبَّيتا.. ربّتني ربّيتا
ما بطيق النوم بَرَّه من بيتا
إلا في منفاي صورة ختيتا
إن شاء الله ما يحصل
ينقطِع خيتا
حليبا شاهيها.. كسرتا وزيتا
كم تشاجرنا.. مين سمع صوتنا
ولا غلط مرة .. إيدي مديتا

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية