أخبار

الخارج والداخل

الاختراق الأخير في العلاقات الخارجية مع العرب ودول الخليج بصفة خاصة
خطوة إيجابية تصحيحية لأخطاء فادحة ارتكبها السودان لوحده ولحسابات
خاطئة في السابق، ولكن الرئيس هذه المرة تولى الإصلاح في العلاقات بنفسه
ومن خلال دبلوماسية القصر التي أتت أكلها سريعاً، ولكن هل ما ترتب على
تحسين العلاقات من تحسن في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار وحصول السودان على ودائع عربية مليارية، يجعله في غنىً عن علاج أزماته الداخلية، من حروب وانقسامات في جبهته الداخلية المتصدعة.
إن الاقتصاد السوداني يعاني بشدة من ثلاثة  مقعدات أولها ضعف الإنتاج من
الحاصلات الزراعية والفشل في تسويقها والاعتماد على بترول تضطرب مناطق
إنتاجه، وثانياً نشوب الحروب المهلكة في الأطراف والتعويل على الحل العسكري
وحده، وهي حروب قادرة على امتصاص المال مثل أحواض رمال الصحراء حينما تطلق عليها الماء. والحرب كلفتها عالية جداً وقد قالها الرئيس في حملته
الانتخابية الحالية، إن السلام عبر التفاوض أقل كلفة عطفاً على أن المال
يعوض والحديد يأتي، ولكن الفاقد البشري هو الوحيد الذي لا يمكن تعويضه.
والآن تحصد الحرب أرواح الفئات من عمر ثلاثين عاماً وما دون، كما تحصد
الآلة سنابل الزرع ولذلك يمثل وقف الحرب أولوية لغالب أهل السودان.
ثالثاً ترتيب الأولويات وضبط الصرف وتوجيه عائدات المال الخارجي في
مشروعات ذات جدوى اقتصادية وليست مشروعات غير مدروسة وذات طبيعة تفاخرية يمثل ضرورة ملحة. وقد تدفق مال النفط على السودان بعد عام  2000 ولكن تم إهدار المال في بناء العمارات السوامق والمشروعات التفاخرية، وأخرى غير مدروسة مثل سكر النيل الأبيض ومطار مروي وغيرها من المشروعات الفاشلة، إضافة إلى إهدار عائدات البترول في أنشطة سياسية غير ذات جدوى، الشيء الذي أصاب بلادنا بلعنة النفط الأسود الذي سود قلوب السودانيين بالأحقاد
والضغائن وأورثهم الانقسامات الحالية.
نعم الآن علاقات السودان مع العرب أفضل من قبل ثلاثين عاماً، ولكن هل الروشتة التي استخدمت لتحسين العلاقات مع العرب تصلح كوصفة علاجية مع الغرب. وهل الأزمة الحقيقية مع الغرب أم مع العرب، ومن يقود الآخر العرب أم الغرب. وقد استمعت لأحد المسؤولين المتفائلين جداً بأن السعودية هي من تنوب عنا في إصلاح علاقتنا بالغرب والولايات المتحدة وأنها أي السعودية، إذا لم تجد استجابة من الأمريكان قد تسحب ودائعها من البنوك الأمريكية وحينها سيدق الاقتصاد الأمريكي الدلجة. مثل هذا النوع من التفكير هو من يعمي السلطة عن رؤية الواقع كما هو ويجعلها تتبختر في زهو وكبرياء زائف، لأن أسباب التوتر في العلاقة مع الغرب تعود في الأساس لاتهام الغرب والولايات المتحدة الأمريكية للسودان بانتهاك حقوق الإنسان، والإصرار على الحل العسكري لقضايا المنطقتين ودارفور، واعتقادهم بأن السودان يغذي شرايين القضية الفلسطينية بالدعم والسند واحتضان المجموعات الإسلامية وبالتالي دعم الإرهاب.
 ومثل هذه القضايا شديدة التعقيد في دول لا تأتمر بمزاج رئيس أو ملك. والولايات المتحدة مثلاً لا يملك “أوباما” سلطة إعادة العلاقة مع السودان دون موافقة اللوبيات ومراكز القوى داخل دولته وحكومته، وتقديم مسوغات للرأي العام تبرر إقدامه على تلك الخطوة. إذن ثمة مسافة بعيدة مطلوب من الحكومة قطعها لبلوغ التعافي المطلوب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية