المشهد السياسى
(العاصفة) عصفت بأحلام المعارضة..!!
موسى يعقوب
أكثر من ربع قرن من السنين مر على نظام الإنقاذ الوطني وأحزاب المعارضة تمني نفسها بأن تراه يرحل شأن أنظمة سودانية وإقليمية أخرى.. غير أن ما كل ما يتمنى المرء أو يطمح إليه يدركه..!
عبر تلك الحقبة الزمنية الطويلة وأحزاب المعارضة بتجمعها الوطني الديمقراطي حدثتنا عن إزالة النظام بالانتفاضة الشعبية (المحمية بالبندقية..!) ولكنها حتى عادت إلى الداخل بعد اتفاق السلام والشراكة السياسية بين الحركة الشعبية وجيشها الشعبي (SPLM SPLA) لم تحدث انتفاضة شعبية، ورغم كل التقلبات والتطورات التي صاحبت الانفصال بين جنوب السودان وشماله، وقد كانت في جملتها في غير مصلحة النظام الحاكم ولا جمهورية جنوب السودان الجديدة التي غرقت في مسببات عدم الاستقرار وعدم السعادة بالوضع الجديد.
ويوم هلَّ ما عرف بـ(الربيع العربي) على المنطقة وأطاح بالرئيس التونسي “بن علي” الذي غادر بلاده إلى المملكة العربية السعودية بالطائرة التونسية والرئيس المصري “حسني مبارك” ثم الرئيس الليبي “معمر القذافي” كانت آمال وطموحات المعارضة السودانية أن يهل الربيع العربي على وطنها السودان ويركب الرئيس السوداني “البشير” الطائرة التونسية بصحبة نظامه مغادراً إلى أي بلد آخر..!
غير أنه مرة أخرى لم يهل (الربيع العربي) على جمهورية السودان، وإنما هلت ظروف أخرى كانت في جملتها إيجابية ومثبتة للنظام وحافزة له مثل:
} اتفاق وإعلان مبادئ (سد النهضة) الإثيوبي.
} وقبله كان البدء في الانتخابات الدستورية الرئاسية والعامة.
إعلان مبادئ سد النهضة الإثيوبي وقانونه الإطاري كان قد جمع رئيس جمهورية مصر العربية ودولة إثيوبيا في العاصمة (الخرطوم) في لقاء سياسي ودبلوماسي وأمني كبير كان قد أشاد به كل من حضروه من دول الإقليم والجوار والمنظمات الدولية بحسبانه بادرة جديرة بالتقدير. فالاتفاق على المصالح وأولها وأهمها (المياه) هو الذي أولى من غيره.. ويشكر للسودان الدور الذي لعبه في ذلك الإطار وإن كان هو أحد الثلاثة المعنيين بأمر مياه النيل.. ففضلاً عن أن الاتفاق المذكور كان قد جمع وقرّب بين الأطراف وهي دول جوار متداخلة المصالح والمنافع فقد صار له دوره وقبوله أفريقياً وعالمياً. وهذا يرفع من شأنه ويضيف إلى رصيده في مقاومة المؤامرات.
وتأتي بعد ذلك الانتخابات الرئاسية والعامة التي شارفت على النهاية واكتملت ترتيباتها وإجراءاتها التي مرت بنجاح ولم يبق لها غير الوصول إلى (الصندوق) والفرز في نهاية المطاف.
إن هذه الانتخابات وهي حدث دستوري كبير سبق لأحزاب المعارضة أن دعت لمقاطعتها ومنع قيامها إذا أمكن حتى لا يكسب النظام وضعاً شرعياً جديداً ورئيسه هو المرشح الأول– تقريباً– لرئاسة الجمهورية، بل وزادت أحزاب المعارضة أن دعت عبر (إعلان باريس) و(نداء السودان) إلى رحيل النظام بالجملة قائلة (ارحل.. ارحل..!)، غير أن كل ما جد واستجد لا يقول بذلك بل العكس..
وما يتعين أن يحاط به ويذكر في إطار الإحباطات التي ضربت أحزاب المعارضة في ما مضى من زمان هو (عاصفة الحزم) العربية التي وجهت إلى اليمن بغرض إعادة الأمور إلى نصابها، وذلك ليس بِهَمّ يمني أو سعودي فحسب وإنما همّ عربي تبعاً لما رشق عن القمة العربية (26) التي عقدت في شرم الشيخ المصرية مؤخراً.
(العاصفة) وهي مبادرة سعودية كانت قد دفعت بالعلاقات السعودية السودانية إلى أعلى مراتبها ومستوياتها بعد سكون إن لم نقل جموداً.. ولذلك بالضرورة والنتيجة مردوده الإيجابي والعملي مع جملة دول الخليج العربي وعيرها من دول العالم الصديقة للمملكة العربية.
إن ما تم هو انفراج على الصعد الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والدفاعية والأمنية، وهو ما يضاف إلى ما سبق أن أشرنا إليه هنا من قبل.. فلا ربيع عربي ولا تونسية ولا ما إلى ذلك مما سبق أن غشي نظام الرئيس التونسي “بن علي” والليبي “معمر القذافي” والمصري “حسني مبارك”.. وأكثر من ذلك ما يتوقع مع دفع لمردود الانتخابات الدستورية الإيجابي والتحسن والتطور في الوضع الاقتصادي والمعاشي الذي تلعب عليه أحزاب المعارضة في أحلامها وطموحاتها منذ زمن بعيد.
وفي ضوء هذا، فإن على أحزاب التجمع الوطني إعادة حساباتها وتفكيرها في الشأن الوطني إجمالاً وليس (رحيل) النظام والدفع به لأن (يركب التونسية) كما كان يقال وقتئذٍ.
إن إصلاح النظام الحاكم وتقويمه ديمقراطياً أمر مطلوب، لكن لذلك وسائله الديمقراطية أيضاً.. وإلا فإن العاصفة ستعصف بالأحلام..!