متفق عليهم
هناك شخصيات ورموز سياسية وعسكرية واقتصادية متفق عليها من كل الناس.. رموز فوق الانتماءات الضيقة.. وتعلوا بقامتها على صغائر الأمور.. وحينما يذكر المجد يذكرون أسماءً لامعة في عتمة ليالي وطننا الجريح، هذه الشخصيات القومية ملك لكل الناس لا قبيلة لهم ولا جهة جغرافية محسوبون عليها.. ولا عشيرية خرجوا من صلبها.. وإذا كان “الأزهري” و”سوار الذهب” و”جعفر نميري” و”عبود” من الشخصيات المتفق عليها، فإن الشهيدين القمرين النيرين “الزبير محمد صالح” و”إبراهيم شمس الدين” من الرموز التي أصبحت مقامات يتفق عليها أهل السودان.. ما ذكر التواضع والعدل والقسط إلا وذكر الشهيد “الزبير محمد صالح”.. وما جاء حديث عن الفدائية والتضحية والشجاعة والبطولة في ميدان المعركة، إلا وذكر الشهيد “إبراهيم شمس الدين” القلب المترع بحب الوطن والهامة والقامة التي ظلت تدافع عما تؤمن به حتى سقطت في ميدان القتال مهراً لوحدة البلاد.. وثمناً للسلام والطمأنينة وشرف الجندية في أبهى تجلياته.
الشهيد “إبراهيم شمس الدين” ليس ملكاً لأسرته الصغيرة ولا هو ابن لعشيرته الكريمة.. “شمس الدين” بطل قومي وفارس وطني وضابط استثنائي .. عرفته ساحات الوغى والمعارك قبل أن تعرفه الوزارات ومواقع المغانم.. جاء للسلطة بقناعة المؤمنين بالتغيير الثوري.. المدافعين عن الحق بالحق.. كتبت في تقرير عن أحداث كالوقي والرحمانية الأسبوع الماضي.. وكيف أن الإنسان يتبدل وتتغير سلوكياته.. ويهوي به الشيطان إلى الدرك السحيق من سوء السلوك.. وأن ضابطاً مثل “بندر أبو البلولة” كان الساعد الأيمن للشهيد “إبراهيم شمس الدين” قد انفلت على عقبيه وحمل بندقيته الصدئة ووجهها اليوم إلى زملاء الأمس ورفقاء الدرب ليطعن شرف القوات المسلحة، وهو يقتل أبناء السودان ويخرب وطنه ويستحل حرمة الدم؟؟ فكيف تتقلب القلوب و(تزوغ) الأبصار وتعمى القلوب.. وقد كان “بندر أبو البلولة” مقاتلاً مع “إبراهيم شمس الدين” وأصبح اليوم خائناً لدماء الشهيد “شمس الدين”!!
بعض أفراد أسرة الشهيد اختلطت عليهم الأشياء.. وجاءت ثلة كريمة منهم للقاء الأستاذ “الهندي عز الدين” احتجاجاً على عنوان المقال (الساعد الأيمن للشهيد) “إبراهيم شمس الدين” متواطئ في أحداث القتل بكالوقي.. واعتبروا العنوان فيه إيحاءات سالبة.. لمن لا يقرأ بقية المادة الصافية.. وأفاض الأستاذ “الهندي” في شروحات مطولة لبعض أفراد الأسرة في غيابي حيث غادرت حينذاك إلى دارفور وقد أصبحنا في كل يوم نمسي ببلد ونصبح في أخرى.. وتلك تصاريف الأقدار وضريبة المهنة.. ولكن ما ورد في التقرير عن أحداث كالوقي.. والرحمانية وهي أحداث في غاية البشاعة وتم رصد دقيق لما قامت به مليشيات الحركة الشعبية. وشخصياً كنت حريصاً لأسباب توثيقية معرفة القادة العسكريين الذين نفذوا الهجوم على منطقة كالوقي والرحمانية بالاسم والعنوان.. وموعدنا معهم ملف نقدمه في شهر سبتمبر القادم في “جنيف” إن كتب الله لنا عمراً حتى ذلك الوقت، لنكشف للعالم كيف خرقت حركة التمرد حقوق الإنسان.. وكما قدمنا العام الماضي تقريراً مصوراً ومعرضاً عن أحداث أبو كرشولا ووجدت الشجب والإدانة من المنظمات العالمية، فإن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجموعة الوطنية لحقوق الإنسان ستضع بين يدي العالم خروقات الجبهة الثورية.. ومن بين المعلومات التي حصلت عليها أن اللواء “بندر أبو البلولة” هو قائد العمليات التخريبية الأخيرة. وتمرد “البلولة” وكان حدثاً مفجعاً ومؤلماً لمن يعرف قدر الرجل عند الشهيد “إبراهيم شمس الدين”، مثل المئات من الضباط والمجاهدين الذين كانوا مع الشهيد في الميدان ولكنهم (انتكسوا) وخانوا العهد والقسم.. وخدعهم الشيطان وأصبحوا اليوم يقاتلون إلى صف التمرد؟؟ فـ”البلولة” ليس أولهم ولن يكون آخرهم.. ولو اقتدى بخلق وسلوك الشهيد “إبراهيم شمس الدين” لما حمل السلاح ضد زملاء له.. مهما كانت المواجع والظلامات الشخصية التي حاقت به.
“شمس الدين” شهيدنا فوق الشبهات.. ولا يسأل عن ضمائر الناس وتبدلهم بين فينة وأخرى.