تقارير

(المجهر) ترصد التفاصيل الكاملة لجلسة توقيع إعلان مبادئ سد النهضة

بعد التئام قمة الرؤساء الثلاثة…
كيف نجحت الخرطوم في تحويل (الخلافات الفنية) إلى (شراكة سياسية) ؟
الخرطوم: رصد – مي علي
 بلغة مصرية خالصة ارتجل الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” كلمة مقتضبة بعد فراغه من كلمته الرسمية في احتفال التوقيع على اتفاقية سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا الذي تم بالعاصمة الخرطوم أمس (الاثنين). ووجه “السيسي” كلماته مباشرة إلى المواطن المصري قائلاً: (أنا قلت لإثيوبيا معندناش أي تحفظ أنكم تنموا وتطوروا من أجل الشعب الإثيوبي لكن خلي بالك أن في مصر شعب يعيش فقط على المياه التي تأتي من هذا النهر والمياه هذه تأتي بامر من الله).. بهذه الكلمات البسيطة اختزل “السيسي” أسباب التحفظ المصري على سد النهضة الإثيوبي مذ أن أعلنت “أديس أبابا” عن عزمها إنشاء ذلك السد على النيل الأزرق قبل أكثر من أربعة أعوام. وبدا واضحاً أن الرئيس “السيسي” أراد بكلماته تلك أن يطمئن الشارع المصري الذي ما فتئ يشكك في جدوى التوقيع على اتفاقية تعني الاعتراف والموافقة ضمنياً على تشييد سد يتحكم في مياه النيل الأزرق المغذي الرئيسي لنهر النيل. وابتدر “السيسي” كلمته المرتجلة تلك برسالة وجهها إلى شعوب حوض النيل قائلاً: (أنا بقول لشعوبنا في إثيوبيا وفي السودان وفي مصر ممكن نوقع اتفاقيات كتير لكن الإرادة متكونش قوية ولا النية تكون صافية، الأساس في أي اتفاق بين الأشقاء هو الاستعداد لتنفيذ الاتفاق ويمكن لا نحتاج لتوقيع اتفاق إن أجمعنا على أن لا نضر بعضنا البعض).
= مخاوف مصرية
  وكان قد أثير جدل كثيف في الشارع المصري منذ أن وقع وزراء خارجية الدول الثلاث على اتفاق  إعلان المبادئ في الخرطوم مطلع الشهر الحالي وهو الاتفاق ذاته الذي تعتزم القيادة المصرية التوقيع عليه مع الجانب الإثيوبي والسوداني، ومرد تخوف الشارع المصري يعود قطعاً إلى مدى إمكانية أن يحفظ ذلك الاتفاق حقوق الشعب المصري في مياه النهر وربما هذه المخاوف هي التي دفعت الرئيس “السيسي” للخروج عن النص ومخاطبته جميع أبناء شعبه بلغة بسيطة لا تستعصى على أحد. ولم ينسَ الرئيس المصري التذكير بالهواجس التي تحيط بشعبه نتيجة استمرار إثيوبيا في تشيد السد، قائلاً: (إن سد النهضة يمثل هاجس وقلق للملايين من أبناء الشعب المصري). وأكد  “السيسي” على أهمية التعاون بين الدول الثلاث للاستفادة من السد وهو الشيء الذي رسخت له بصورة أساسية اتفاقية إعلان المبادئ .
وأضاف “السيسي” في كلمته خلال جلسة توقيع إعلان المبادئ المشتركة حول سد النهضة: (السودان لها محبة في قلب كل مصري، ونهر النيل نقيم به الحياة ونبني على ضفافه الحضارة ونجعله سوياً محوراً للتعاون وإلإخاء والتنمية من أجل شعوبنا التي تتطلع إلينا وتعلق آمالاً كبيرة على بزوغ فجر جديد ومستقبل واعد، والقيمة الحقيقية لاتفاقنا اليوم هي استكمال التفاهم لحين الانتهاء من الدراسات الفنية). وبدا لافتاً تذكير “السيسي” خلال كلمته الرسمية بأن ما تم التواثق عليه أمس يمثل قاعدة لاستكمال التفاهم حول الجوانب الفنية إذ أكد الرئيس “السيسي” التزام مصر الكامل بالتعاون مع السودان وإثيوبيا من خلال اللجنة الفنية الثلاثية، وأشار إلى أن سد النهضة يمثل باعثاً للتنمية للشعب الإثيوبي كمصدر لإنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة، وكان لافتاً عدم ختام “السيسي” لكلمته بعبارة “تحيا مصر” على الرغم من تدوينها في مقدمة الطائرة التي أقلته إلى الخرطوم.
= أكثر من رأي
 ويرى محللون أن جل كلمة الرئيس المصري كانت موجهة بصورة أساسية للشارع المصري في محاولة منه لإزالة الهواجس .
ويحسب للخرطوم هذا الإنجاز التاريخي الذي أفلحت في صياغته وزارتا الخارجية والموارد المائية حيث ظل موقف السودان الثابت في ملف السد هو الاستفادة من السد مع الحفاظ على حقوق جميع الدول، داعياً الجار الشمالي الى أهمية التعاون بين الدول الثلاث والعمل سوياً على جعل السد يعود بالمنفعه على الجميع دون الإضرار بالمصالح  المائية لأي دولة .
ويتضح من ذلك جلياً أن الخرطوم أفلحت في تحويل ملف سد النهضة من خلاف فني حول بناء سد وسعته التخزينية إلى ملف سياسي يحتوى على الجوانب الفنية وتبلور ذلك بالاجتماعات السياسية الفنية التي غدا يرأسها وزراء الخارجية في الدول الثلاث مع وزراء الري حيث أقنع السودان كل من إثيوبيا ومصر بأهمية التوصل الى صيغة توافقية تحول الخلافات  حول اقتسام المياه الى كيفية تعظيم الفائده من مياه النهر في الزراعة وتوليد الكهرباء وغيرها من المشاريع التنموية التي تعود بالفائدة على شعوب المنطقة ونجح السودان أيضاً  في إزالة المخاوف وبث روح إيجابية الشيء الذي يسهل معه التفاهم حول كل المسائل الخلافية في الجانب الفني مستقبلاً  وهو الاتجاه ذاته الذي مضى فيه.
= الموقف السوداني
الرئيس “عمر البشير” خلال كلمته وصف وثيقة مبادئ سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا بالوثيقة التاريخية للتعاون بين الدول الثلاث لتحقيق الأمن والاستقرار في إقليم دول حوض النيل. وأضاف في كلمته خلال جلسة توقيع وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة: (الاتفاق اليوم هو اتفاق مهم وتاريخي، والسودان يتشرف باحتضان هذا الحدث التاريخي غير المسبوق في إطار العلاقات الأزلية بين شعوبنا ودولنا الثلاث للوصول لتنمية مستدامة تساعد شعوبنا على خلق أرضية صلبة في إطار العيش الكريم وتحقيق الأمن والاستقرار في إقليم دول حوض النيل).
وأكد “البشير” أن دولته تؤمن بحتمية التعاون وتحقيق الوحدة بين دول حوض النيل، لافتاً إلى أن وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة هي خطوة لإرساء التعاون وتعزيز الثقة والترابط بين مصر والسودان وإثيوبيا. وقال الرئيس “عمر البشير” إن حكومة بلده تؤمن بضرورة وحدة الحكومات والشعوب. وأكد “البشير” أن المصالح الوطنية يجب ألا تأتي خصماً على المصالح التاريخية. وبدا أن تلك الروح الإيجابية بدأت تسري في جسم العلاقة بين دولتي مصر وإثيوبيا حيث وصل الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى “أديس أبابا” مساء أمس في زيارة رسمية تستغرق يومين وتعد هي الزيارة الأولى منذ أكثر من (30) عاماً يقوم بها رئيس مصري إلى إثيوبيا. وتعتبر مصر وإثيوبيا دولتين ذواتي ثقل إقليمي لا يستهان به وأي تقارب سياسي بينهما يصب في مصلحة القاره الأفريقية ومن المقرر ووفق جدول زيارة “السيسي” أن يخاطب اليوم البرلمان الإثيوبي في إشارة واضحة لرغبة الجانين في إزالة كل الشوائب التي اعترت العلاقة بين البلدين خلال الفترة الماضية. ويمضي محللون للاعتقاد بأن الرئيس المصري يهدف من وراء مخاطبته للنواب في البرلمان الإثيوبي إلى التهميد إلى مواقف مستقبلية من البرلمان الإثيوبي في حال تطرق إلى اتفاق إعلان المبادئ إلى اتفاقية تحتاج إلى مصادقة من برلمانات الدول .
= زوايا متعددة 
ووفقاً لمصدر مطلع تحدث لـ(المجهر) فإن إثيوبيا وافقت على أن تشارك دولتا المصب في إدارة السد في الوقت الذي ألح فيه الجانب المصري على أن توقف إثيوبيا عمليات بناء وتشييد السد إلى حين التوصل إلى صيغة تفاهمية حول الجوانب الفنية، حيث أكدت إثيوبيا على احترام لنتائج الدراسات المزمع إتمامها، وتعهد الدول الثلاث بالتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي في ضوء نتائج الدراسات، فضلاً عن إنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاث للتعاون في عملية تشغيل السدود بشكل يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب وتضمن الاتفاق
عشرة مبادئ أساسية تحفظ في مجملها الحقوق والمصالح المائية للدول وهي: مبدأ التعاون والتنمية والتكامل الاقتصادي، والتعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، الاستخدام المنصف والعادل للمياه التعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، مبدأ بناء الثقة مبدأ تبادل المعلومات والبيانات، مبدأ أمان السد مبدأ احترام السيادة ووحدة أراضي الدولة مبدأ الحل السلمي للنزاعات.
= تعهدات إثيوبية
وتعهد رئيس الوزراء “ديسالين” باسم شعب إثيوبيا وحكومة إثيوبيا الاتحادية بالتعاون في ما يخص سد النهضة مع دول حوض النيل، والتأكيد على أنه لن يلحق الضرر بأحد. وأوضح رئيس وزراء إثيوبيا أن سد النهضة الإثيوبي سيكون أساساً لتعاون إقليمي وهو ما أوضحه رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل “ميليس زيناوي”، مضيفاً: (هذا السد لن يحقق مصالح الإثيوبيين فقط بل مصالح مصر والسودان). وتابع: (قطعنا شوطاً كبيراً لتكوين هيئة الخبراء الدوليين من أجل أن يحظى المشروع بالثقة، ونقدم تعاوننا السياسي من خلال إبراز كل الوثائق للاتفاقيات لهيئة الخبراء العالميين حتى إصدار التقرير النهائي وأثبتنا تعاوناً قوياً بين دول وشعوب الدول الثلاث واليوم سنوقع إعلان المبادئ).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية