قمة الخرطوم الثلاثية
بين يدي القمة الثلاثية حول سد الألفية بين السودان ومصر وإثيوبيا الذي تستضيفه الخرطوم يجب التأكيد على أن منهج الحوار والأخذ بالحسنى هو المدخل الصحيح لتسوية مثل هذه المسائل، فوقوع الدول الثلاث في حيز جغرافي واحد وتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية يلزمها كلها بتغليب نقاط المشتركات والتجاوز قدر الإمكان عن مظان الخلاف وتحريرها بردها إلى أصول موضوعية بالرأي السليم والحكيم وترجيح حسن الظن والنية ما أمكن ذلك، ولهذا كله وكثير غيره فإن قمة الخرطوم قد تؤسس إن خلصت النوايا إلى واقع جديد يقوم على التعاون المفضي لاستقرار كامل المنطقة وهو المنتظر والمرجو للجميع.
بالنسبة لبلادنا، فإن المواقف الرسمية والشعبية والإعلامية تتسم بكثير من الحرص على البلدين الجارين وتقر مصالحهما المعروفة في مياه النيل وبذات القدر نقر مصالحنا الايجابية في قيام السد العظيم لان السودان سيحصل على طاقة كهربائية تعينه في مشروعات التنمية المتصاعدة وتعزز توجهه نحو إقالة عثرة الزراعة كمخطط استراتيجي متفق عليه وطنياً وبتقديرات بسيطة ووفق أسهل الشروح، فإن السد سيقلل كميات الأطماء في النيل ويزيد حجم التوليد الكهربائي، إذ سيوفر طاقة رخيصة حسب غالب إفادات الخبراء، كما أنه يحفظ كميات مهولة من المياه كانت تهدر وتذهب هباء وعروق الأرض أولى بها لتنبت الخيرات والغذاء.
بالحسابات الاقتصادية فالمشروع يقوي الاقتصاد الوطني السوداني ويوفر له بيئة تطوير إن أحسنت الحكومة توظيف فوائده، وبالتقديرات السياسية والأمنية فإنه يعزز ويوطد علاقات راسخة مع “مصر” و”إثيوبيا” وفوق ذلك فإنه يقوي فرص السلام على حدودنا مع إثيوبيا، حيث نطاق أرض السد الجديد إذ لن يكون مسموحاً بحسابات عديدة لأية جهة بارتكاب أية حماقة على طول الخط الممتد مع حدود ولاية “النيل الأزرق”.
أحد الخبراء السودانيين في مجال المياه أكد أن السدود الإثيوبية (مدانديا وكارادوبى وبوردر) ستوفر (17) ألف جيجا وات من الكهرباء سنوياً يمكن تصدير كثير منها للسودان بكلفة منخفضة، وأما بالنسبة لسد الألفية فإنه يزيد من العُمر الافتراضي للخزانات السودانية لتقليله معدلات ترسيب الطمي في الخزانات السودانية، مع العلم أننا ندفع فاتورة إزالة الأطماء سنوياً في مشروع الجزيرة بنحو (12) مليون دولار سنوياً، وهكذا فإن موقفنا يجب أن يكون المباركة والتأييد مع الاحتفاظ بأية معالجات تؤمن مصالح الكل وتتجنب الأضرار الجانبية المتوقعة مهما كان حجمها.
وأرجو أن تلتئم القمة وتخرج بموجهات وتفاهمات كبيرة ووافية، وأن تؤسس بداية وعهداً أبيض من الشراكات الإقليمية الفاعلة، ومثلما أن النيل قد ربط بين الدول الثلاث فيمكن إيجاد رباط متين قوامه الاقتصاد والدبلوماسية على قاعدة التساوي في الندية والاحترام لان أية اختلالات في هذه القواعد لن يسلم الجميع إلا للتوترات والمواقف غير الصحيحة أو المشنجة في مسائل لا يجوز معها ممارسة الأنانية وتغليب الرؤية الضيقة لأي طرف من الأطراف الثلاثة والذين جمعهم النيل ونوقن أنه لن يفرقهم.