الانفعالات بين القوى السياسية تتصدّر المشهد
مع اقتراب بدء العملية الانتخابية
الخرطوم- إسلام الأمين
الانتخابات العامة في السودان ظلت (المحرض والدافع) الرئيسي لخسارة الخصوم السياسيين لبعضهم البعض بصورة ربما تكون نهائية في الساحة السياسية. وظلت هذه العملية السياسية الكبيرة ترمي بظلالٍ تُعدّ سالبة في كثير من الأحيان، مثل اشتعال الصراع (الملتهب) بين القوى السياسية، إضافة إلى الهجوم غير المبرر أو غير الموضوعي بين السياسيين والأحزاب، لتمتد الخسارة من مؤقتة إلى دائمة، وتظل إفرازات العملية الانتخابية باقية في نفوس العديدين وتستمر إلى ما بعد العملية الانتخابية بغض النظر عن نتائجها.. ليبقى التساؤل حول إمكانية الحد من حدة الانفعال الانتخابي بين الخصوم سواء أكانوا سياسيين أم مقترعين سياسيين أو مواطنين، أم أن الانفعال أمر لا يمكن السيطرة عليه بطبيعة الحال، خاصة أن بعض المراقبين يرون أن المواطن العادي يتحول أثناء هذه العملية السياسية إلى شخصية سياسية بطريقة غير مباشرة..؟؟
الانفعال الانتخابي وحدة الصراع يراه بعض المراقبين أمراً طبيعياً ونتاجاً للعملية الانتخابية التي ربما تتسم بسمة العدائية الانتخابية، هذا ما يراه خبير علم الاجتماع السياسي د. “عبد الرحيم بلال” الذي قال لـ(المجهر) أمس، إن مثل هذه الممارسات التي تنتشر في المجتمع أثناء الانتخابات هي نتيجة طبيعية خاصة في ظل تصاعد الخطاب السياسي للسياسيين والأحزاب وارتفاع حدة الخلاف كلما اقتربت الانتخابات وخلالها، لافتاً إلى أنها في بعض الأحيان تمتد إلى ما بعد العملية الانتخابية. وأضاف “بلال” إن المصيبة في السودان هي أن الانتخابات غير قائمة على البرامج الانتخابية وذلك يساعد على حدة الخلاف والنقد الموجه للشخصيات وليس البرامج، موضحاً أن البرامج الانتخابية غير واضحة وهذا ما يسهل من إشعال الخلاف والنقاش حولها، ولفت “بلال” إلى أن الشخصيات المرشحة للانتخابات في السودان غالباً ما ترشح على أساس قبلي أو طائفي أو العلاقات العشائرية والاجتماعية، وليس الكاريزما التي يلتف حولها المواطنون، ولا حتى المبادئ السياسية، مشيراً إلى أن هذه الطريقة في اختيار المرشحين تساهم كثيراً في زيادة حدة الخلافات.
هذا، ويمضي بعض المراقبين إلى أن الانتخابات دائماً ما تزيد من درجة التوتر السياسي بين الخصوم السياسيين، حتى المواطنين الذين يتحولون إلى شخصيات سياسية تمارس العملية الانتخابية من ناحية الحشد السياسي والاصطفاء لجهة ما.. هذا ما ذهب إليه الخبير السياسي د. “صلاح الدين الدومة”، الذي أشار في حديثه لـ(المجهر) أمس، إلى أن لكل حدثاً يحدث في المجتمع تبعات خاصة الأحداث السياسية التي ترمي بظلالها على المجتمع، لافتاً إلى أن الانتخابات دائماً ما تحدث درجة عالية من التوتر السياسي وتزيد فيها المساندة الجماهيرية للشخصيات المرشحة، موضحاً أن المنافسة ترفع من درجة الانحياز إلى الشعار أو الحزب أو التيار السياسي المعين أو الأيديولوجية المعتنقة، لافتاً إلى أنه تحدث بعض المخاصمات بين الأطراف السياسية لكن سرعان ما تزول بمرور الزمن، على أساس أن (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية). وذهب “الدومة” في حديثه إلى أن الشخصيات التي يتم شن هجوم عليها تكون فيها ثغرات وعيوب واضحة تمهد لاستهدافها في العملية الانتخابية، بيد أنه أشار إلى أن هنالك بعض الاتهامات تُختلق في كثير من الأحيان للخصم السياسي من الشخصيات المستهدفة. ولفت “صلاح” إلى أن نتيجة الانتخابات غالباً ما تُحدث انفعالات لا تحمد عقباها، غير أنه أوضح أنها تتفاوت من شخص إلى آخر. وأشار “الدومة” إلى أنه في كثير من الأحيان تساهم الإغراءات التي يتعرض لها الناخبون في زيادة التوتر السياسي والانفعال وحدة الخلاف أثناء العملية الانتخابية.
يبدو أن مسألة عدم الوعي السياسي بأن العملية الانتخابية هي مسألة صراع مؤقت على بعض المراكز، تمثل المؤثر الأكبر على العلاقة السياسية بين السياسيين والمواطنين على حد سواء. ويرى الخبير والمحلل السياسي بروفيسور “حسن الساعوري” أن تحول الناس إلى خصوم بدلاً عن متنافسين هو أمر طبيعي أثناء العملية الانتخابية، مشيراً إلى أن الحملات الانتخابية تشوبها الخلافات بين المتنافسين، ولفت إلى أنها في أغلب الأحيان تنتقل تدريجياً إلى القواعد الشعبية، موضحاً أن المهاترات تأتي من الزعماء السياسيين، غير أنهم لا يخاصمون بعضهم البعض، لكن تبقى الخطورة في انتقال هذه المسألة إلى القواعد الشعبية التي تحولها إلى خصومة حقيقية تمتد إلى ما بعد الانتخابات. وأوضح “الساعوري” أن المسؤولية هنا تكون على النخب السياسية وأجهزة الإعلام التي يفترض بها أن تقوم بتوعية قواعدها لتفادي الصدامات، مشيراً إلى ضرورة إعادة الثقة وتعليم القواعد الشعبية التعايش السلمي وقبول الآخر، وعدم استخدام (الألفاظ) العدائية، وضرورة استبعاد الطرف الآخر بدلاً عن إقصائه.
إن ارتفاع درجة الخصومة والخلافات أثناء الانتخابات أمر حتمي لا مفر منه، غير أن وعي السياسيين وتوعية القواعد الشعبية بضرورة تخفيف حدة الصراع السياسي على العملية الانتخابية، أمر يحد من خطورة هذه الخلافات والانفعالات التي ترمي بظلالها السالبة على الانتخابات، ويشير بعض المراقبين إلى أن عدم الامتثال للإغراءات التي تقوم بها بعض القوى السياسية أثناء الانتخابات يساعد في التخفيف من درجة التوتر السياسي الذي يصاحب الانتخابات، إضافة إلى موضوعية الخطاب الانتخابي للمرشحين واعتمادهم على البرامج الانتخابية.