علي الحاج: خرجت من السودان طوعاً وسأعود في الوقت الذي يناسبني
نقلاً من صحيفة “الشرق القطرية”
الدخول إلى عالم “د. علي الحاج محمد” المقيم حالياً في “برلين” منذ نحو (14) عاماً صعب للغاية، وقد أجمع كثيرون على أنه يملك قدرات تكتيكية “عالية” وملفات خطرة يحركها.. يتحدث إليك بشفافية ولا يخلو حديثه دوماً من المزاح.. وقد درس “علي الحاج” الطب وتخصص في أمراض النساء والولادة، التقيته في “الدوحة” حيث شارك في مؤتمر معني بالأديان، تحدث الرجل بكل صراحة جلست معه حتى الساعات الأولى من الفجر رغم مشغولياته، وأكملت الحوار معه عبر الهاتف من “برلين” بسبب المستجدات المتسارعة في السودان، تحدث الرجل بشفافية عالية عن أسباب خروجه من السودان.
تحدث عن خروجه من الخرطوم قبل (14) عاماً وعودته وقضايا الحوار الوطني.. وقال إن بنود اتفاقية “نيفاشا” كانت ذات توجهات انفصالية، وقال إنه خرج طوعاً وسيعود في الوقت الذي يراه مناسباً إن كان في العمر بقية، وتناول أجواء الحوار الوطني الجاري حالياً قائلاً: “أنا مع الحوار رغم وجود بعض العثرات والمشاركة بالرأي والنصيحة إن قامت الانتخابات وإن لم تقم، وقال الحكومة لأن بيدها الأمر والمبادرات كما أن الحوار بيدها أيضاً.. حسب ما أرى وعلى الدولة أن تتحرك بطريقة نشطة وجادة وسريعة لإنجاح ذلك الحوار.. إلى مضابط الحوار:
{ قلت له رشحت أنباء بأنك تستعد للعودة إلى السودان لتشارك في الحوار الوطني الجاري حالياً؟
– ليس هناك شيئاً يذكر والإعلام أعطى حيزاً كبيراً لهذا الموضوع، كما ذكرت من قبل خرجت من السودان بإرادتي وطوعاً وسأعود طوعاً في الوقت الذي أراه مناسباً.
{ ولماذا وكيف خرج “علي الحاج” من السودان؟
– خرجت من السودان بطريقة عادية في فبراير عام 2001م لتمضية إجازتي السنوية لمدة شهر تقريباً خرجت عبر مطار الخرطوم بجواز سفر وإجراءات عادية، وسافرت عبر الطيران السوري إلى “دمشق” ومنها إلى “الأردن” بالطريق البري، وكان يرافقني ابني الكبير “أحمد” المقيم حالياً بالسودان بعد أن أكمل دراسته الجامعية في “ماليزيا”.. وكنت مخططاً لزيارة “العراق” و”تركيا” و”إيران” لأعود للسودان بعد شهر تقريباً، ولم يكن في نيتي البقاء خارج السودان منذ تلك الفترة وحتى الآن لنحو (14) عاماً.
اجتماع جنيف
{ ولكنك لم تعد بعد الإجازة كما كنت تخطط لذلك؟
– لقد حدثت عدة تطورات في 21 و22 و23 فبراير من عام 2001م، حيث جرى لقاء مع وفد من الحركة الشعبية لتحرير السودان في “جنيف”، وهو لقاء كان مرتباً له منذ فترة ولم يكن هناك شيء يربط بيني وبين هذا اللقاء، ولم أكن مخططاً للمشاركة فيه لان آخرين هم الذين تولوا المسألة، وفي الأردن اتصل بي الأخ “المحبوب عبد السلام” و”عمر الترابي” وأبلغاني بالاجتماع الذي تم مع قيادات الحركة الشعبية “باقان أموم” و”ياسر عرمان”، وقلت لهم استمروا وذكرا بأن الشيخ “حسن الترابي” كان على علم بمجريات الاجتماع.. ولكن الذي حدث أنه خلال الحوار والمناقشات تداخلت عدة قضايا وكانا يتصلان بالشيخ “الترابي” وبي وقلت لهما أنا حالياً مشغول ولدي برنامج زيارات لعدة دول، وطلبت منهما الاتصال مباشرة بـ”الترابي” حتى لا يحدث نوع من الازدواجية في المواقف.. وقلت لهما من الناحية المنهجية ليس من الضروري الاتصال بالأمين العام ونائبه، ويبدو أنهما نقلا الرأي هذا إلى دكتور “الترابي” الذي طلب الاتصال به مباشرة، وخلال يومين انتهى الاجتماع ووصل إلى مقررات وخلاصات وأبلغوني بطبيعة المناقشات ومحتوى ما تم التوصل إليه.. وكان المقترح أن تكون هناك مذكرة تفاهم توقع عليها كل الأطراف، وقد جاء الاقتراح من طرفنا وليس من الحركة الشعبية.
مذكرة تفاهم
يضيف “د. علي الحاج”: وبعدها عقدنا لقاء خاصاً وتوصلنا إلى مقررات محددة، ورأينا أن يكون هناك بيان أسميناه مذكرة تفاهم لكي يكون الرأي العام على علم بما جرى من مناقشات، وكانت هناك وقائع أخرى رأينا إخراجها في وقت لاحق بعد التشاور مع الشيخ “حسن الترابي”، وقلنا لـ”باقان أموم” قبل التوقيع على مذكرة التفاهم ضرورة إبلاغ رئيس الحركة الدكتور “جون قرنق” بما تم الاتفاق عليه، وذكروا بأنهم مفوضون بالكامل وفي تلك الليلة اتصلوا برئيس الحركة الشعبية “د. جون قرنق” وأرسلوا له نسخة من المذكرة، كما أرسلوا نسخة مماثلة إليّ وفعلياً أدخلنا بعض التعديلات وأعدناه لهم حيث تمت الموافقة عليه ووقع الجميع على المذكرة.
… إلى هنا كان الأمر عادياً وطبيعياً وبعد التوقيع بيوم عقد دكتور “حسن الترابي مؤتمراً صحفياً في “الخرطوم” شرح فيه تفاصيل مذكرة التفاهم، وعلى الفور حدثت تداعيات كبيرة حيث قامت الحكومة بعدة إجراءات انتهت باعتقال الشيخ “حسن الترابي” وحل الحزب، وفي ظل هذه السيناريوهات طلب مني قيادات الحزب أن أبقى بالخارج في تلك اللحظة، جاء “يسن عمر الإمام” له الرحمة و”السنوسي” حيث حضرا بعض المناقشات التي جرت في “جنيف”، ومنذ تلك اللحظة بدأت الأوضاع تتجه نحو السوء وكانت “الأجواء مكفهرة” وغير ايجابية.
أنا مع الحوار إن قامت الانتخابات أو لم تقم وأشارك بالنصيحة.. الحركات المسلحة ليست غريبة عن الحكومة وهي حريصة على السلام.
وفاق وطني مقبول
{ ما طبيعة البنود المضمنة في مذكرة التفاهم؟
– أهم تلك البنود الاتفاق على أن الأنظمة الأحادية لن تحل مشاكل السودان بل تعقدها، كما أن الأنظمة العسكرية والأمنية تزيد الأوضاع السياسية تعقيداً، لذلك أقر الطرفان ضرورة الوصول إلى وفاق وطني مقبول من كافة الأطراف والقوى السياسية السودانية، وأمنت المذكرة بأن تحقيق الوفاق الوطني يجب أن يتم عبر القنوات السلمية والحوار السياسي، كما تضمنت المذكرة نصاً بضرورة أن يخضع كل المسؤولين للمساءلة القانونية الجنائية والسياسية، وهذه النقطة أزعجت الحكومة كثيراً في رأيي الشخصي، كما تناولت المذكرة قضية حق تقرير المصير لـ”جنوب السودان”.
{ ألم تحدد تاريخاً معيناً للعودة للسودان؟
– لم أحدد الوقت الذي أرجع فيه للسودان ولكني حضور في ما يجري من حوارات في السودان بين القوى السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية الحديثة المتاحة لأنني جزء من السودان.
{ هل اتصلت بك أية شخصيات نافذة من الحكومة بشأن العودة والانخراط في الحوار الجاري حالياً؟
– هناك اتصالات عامة جارية “الناس تتصل عبر الهاتف والايميلات”، وكما خرجت طواعية سأعود للوطن يوماً ما أن كان في العمر بقية.
أنا مع الحوار الوطني
{ الحوار الوطني متواصل بين كافة القوى السياسية رغم بعض المطبات هنا وهناك والسودان قد يحتاج إليك في هذه الفترة؟
– أنا أدعم أجواء الحوار الوطني الجاري حالياً وما أفرزه من أجواء سياسية ايجابية مهما كانت المآخذ في “بعض الأشياء”، أنا مع الحوار رغم وجود بعض العثرات والمشاركة بالرأي والنصيحة يمكن أن يتم من أي مكان والقوى السياسية رغم اختلاف الرؤى السياسية الموجودة في الداخل يمكن أن تصل لحلول سياسية وهو ما أمله وأرجوه.
وهناك قضايا جوهرية يجب حلها عبر الحوار مثل قضايا الحريات خاصة الحريات الصحفية والسلام ومعالجة الأزمة الاقتصادية وإطلاق سراح المعتقلين والوضع السياسي كله وضرورة تشكيل حكومة انتقالية ببرنامج محدد، وأعتقد أن تلك الحوارات الجارية المتشابكة والمعقدة قد تستغرق وقتاً طويلاً مما يستدعي تأجيل الانتخابات إن كنا صادقين في الحوار لان غالبية القوى السياسية غير جاهزة وعملية انخراط المعارضين في الخارج في العملية السياسية يستغرق وقتاً طويلاً إلى جانب حل أزمات “دارفور” و”النيل الأزرق” وعملية إعاشة الناس وحل معسكرات الإيواء ونزع سلاح الجماعات المتفلتة تحتاج لوقت ولجهود وأموال وتهيئة المناخ السياسي.
الانتخابات جزء من الحلول
{ انطلقت دعوات لحكومة انتقالية وتأجيل الانتخابات والاتفاق على بنود الدستور؟
– أرى أن الدعوة إلى الحوار منذ البداية تعني الوصول إلى حلول وأن الانتخابات تكون جزءاً من تلك الحلول، وأرى أنه لابد من الحوار إن قامت الانتخابات أو لم تقم، ولكن من الأفضل قيام الانتخابات بناء على ما يتم التوافق عليه عبر الحوار.
{ المفاوضات مع الحركات المسلحة كيف ترى نتائجها وآلية انخراطها في العمل السياسي في الداخل؟
– أنا لا أتحدث نيابة عن تلك المجموعة والحركات المسلحة التي كانت في وقت ما جزءاً من الحكومة دخلت معها في شراكات وتحالفات، وأقول إن تلك الحركات ليست غريبة عن الحكومة.. وقبل الحوار الجاري وإطلاق “الوثبة”، وأعتقد بأن الحركات المسلحة التي أعرفها حريصة على السلام الذي لا يأتي من طرف واحد وإنما من الطرفين من الحكومة وحملة السلاح والشعب السودان بالطبع.. وأرى أن فرص السلام مع الحركات المسلحة ممكنة ومتاحة.
الحكومة بيدها المبادرات
{ هل من رسالة توجهها إلى الحكومة والمعارضة في الداخل والخارج؟
– الخطاب يوجه إلى الحكومة لأن بيدها الأمر والمبادرات كما أن الحوار بيدها أيضاً حسب ما أرى، وعلى الدولة أن تتحرك بطريقة نشطة وجادة وسريعة لإنجاح الحوار الوطني لتحقيق السلام في السودان وبمشاركة كافة القوى السياسية في الداخل والخارج، وأرى أن تلك التحركات يمكن أن تفضي إلى حلول، وتحدث بتفصيل عن الفروقات بين اتفاقية نيفاشا ومذكرة التفاهم التي وقعت في “جنيف” مع الحركة الشعبية عام 2001م، كما تناول قضية أبوجا 2 “في نيجيريا عام 1990م”.
اتفاقيتا نيفاشا والخرطوم
{ طبيعة الفروقات بين اتفاقية نيفاشا ومذكرة التفاهم في ما يتعلق بتقرير مصير جنوب السودان؟
– اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت مع “رياك مشار” في 12 أبريل عام 1997 والتي وقعت عليها سبع فصائل برئاسة “مشار” و”لام أكول” و”كاربينو كوانين”، تضمنت سبعة بنود في إطار كيان السودان الموحد ولفترة زمنية محددة خلال فترة انتقالية في إطار فدرالي تشمل تدابير لقسمة السلطة والثروة بعد ذلك يجرى استفتاء على تلك التدابير، وإن تمت الموافقة عليها يجرى تفعيلها على الأرض باعتبارها الوحدة التي وافق عليها الناس، وإن لم تتم الموافقة على تلك التدابير يمكن للناس بعدها النظر في مسألة انفصال جنوب السودان، وقد بدأنا بخيار واحد هو السودان الموحد. أما (اتفاقية نيفاشا) فقد بدأت بكيانين شمالي وجنوبي وكيان ثالث يجمع القضايا المشتركة، يعني أن بنود (اتفاقية نيفاشا) كانت ذات توجهات انفصالية وعندما تقرأ بنود تلك الاتفاقية لا تجد أية عبارات للوحدة وهناك كيانان.. جيشان وعملتان وعلمان و..و…
هناك قضايا جوهرية يجب حلها: الحريات والسلام والأزمة الاقتصادية وإطلاق سراح المعتقلين والوضع السياسي.
وعندما جلست مع “جون قرنق ” في أخر لقاء معه في الثامن من فبراير عام 2005 في “أسمرا” وبعد التوقيع على اتفاقية الخرطوم بحضور “ياسر عرمان”، ومن طرفنا كان الدكتور “الحاج آدم” ودكتور “زكريا آدم” وهو مغترب في “السعودية” وسكرتارية من الشباب تضم الأمين “محمد عثمان” وقد استغرق الاجتماع مع “قرنق” نحو الساعة… وقال “جون قرنق” بالحرف الواحد “نحن اتفقنا مع الجماعة — ويعني الحكومة — على تأسيس نظام كنفدرالي دون أن نذكر ذلك صراحة قالها “قرنق” بالانجليزية ” without saying it “بنفس الدوائر الثلاث التي عرضت خلال مؤتمر “ابوجا 2” والتي رفضت في وقتها والآن قبلتها الحكومة ورددت عليه بالانجليزية مبروك gongratulation ولم أعلق أكثر من ذلك، وأعتقد بأن أكبر مشكلة في نيفاشا أن تقسيم السودان حدث من الوهلة الأولى، حيث كان هناك خياران نظام كنفدرالي أو انفصال ولم يكن هناك خيار للوحدة.. في “ابوجا 2” في نيجيريا عام 1990 حددنا ثلاث دوائر عبر نظام كنفدرالية جنوبي وشمالي ودائرة مشتركي تجمع بينهما في إطار تنسيقي، حيث كنا سنضمن استمرار استفادة الشمال من البترول.