كفيل الأفندي..!!
أؤمن إيماناً مطلقاً بأن تمرد المثقفين، وغضباتهم الشخصية حينما تنمو وتخرج من باطن النفس تتحول إلى حالة كره كبير.. هؤلاء يسقطون أحياناً كثيرة فشلهم وإخفاقهم على الحكومات والأحزاب، المرء منهم يتنقل بين دست السلطة ومقامات الحزب فإن انسلخ عنها وقف مرشداً وخطيباً.. أمثلتهم كثيرة، ونماذجهم تمتد بطول تاريخ السودان السياسي قبل (الإنقاذ) وبعدها، وأؤمن أن تمردات العوام يكون كثيراً مردها صالح الجماعة أو مطلبية بدوافع ترتبط بالخدمات.. قضية دارفور هذه بشهادة الشهود والمعاصرين مثلاً كادت أن تنتهي في بداياتها حينما عرض الناشطون فيها يومها مطالب بسيطة تحولت بعد دخول المثقفين وتلك النوعية من الرجال إلى حالة أزمة مقيمة لا تنطفئ نيرانها إلا لتشتعل من جديد، فقد غذاها الحانقون على الحركة الإسلامية والحركة الشعبية وبقية الفصائل بالكثير حتى ثقلت موازين الحلول والتسوية فيها.
الآن يقف شخص الدكتور “عبد الوهاب الأفندي”، المعارض السوداني الإسفيري الأشهر، والمقيم بلندن مثلاً شردواً على ما نقدم، ومقاله الأخير الذي ملأ به المساحات والصحف المهاجرة يقف شاهداً عليه، فقد نفث كل أحقاده ضد قيادة البلاد الحالية بسبب زيارتها لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأفرط الرجل حد الإفلاس وهو يقوض أيما موضوعية قد تحسب له بميزان تأهيله وكونه رجلاً عالماً ومن المثقفين، إذ انصرف ليكون قوله محض موجدة شخصية ينشر فكراً هو ابن الضغينة حتى بت أقرب لتصديق رواية أن إنهاء خدماته من سفارة السودان بلندن هي السبب في حالة الإيمان بخصومة “البشير” والكفر بحزبه الذي كان الرجل موظفاً وموفداً عنه عبر مدخل الوظيفة الدبلوماسية، وقد أسفت والله لكونه رجلاً مصنفاً في مقام الاستشاريين والباحثين النابهين فضلاً عن سيرة تؤكد أنه عالم وأستاذ جامعي عمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة (مانشستر) وجامعة و(يستمنستر) البريطانية، وهي ميزات تلزمه بأن يكون منطقه أرفع في مقام النقد والإصلاح.
“الأفندي” نفسه الأسبوع الماضي تعرض في مقال عن اتجاهات علاقات السودان الخارجية وجهود السلام، فاختار لغة عالية التهذيب رصينة إلى حد بعيد ولم يهاتر رغم أن الموضوع يرتبط بالحكومة والرئيس “البشير”، والسبب كما هو واضح أن المقال يخوض في جوانب من سيرة وجهود الرئيس الجنوب أفريقي “ثامبو أمبيكي” رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، و”أمبيكي” هو (كفيل) “الأفندي” بوصفه مستشاراً أو ما شابه في فريق الرئيس الأفريقي السابق، ولأن كما يقول أهلنا في دارفور إن الثعبان إن كانت في فمه جرادة فإنه لا يعض، فقد اكتفى الناشط السوداني الناصح دوماً بجميل القول وطيب الثناء وقليل النقد اللطيف، ومضى إلى تحليله مشكوراً مأجوراً لأنه يخشى إغضاب سيده بالطبع، وقد لا يكون الأمر كذلك.. لكن كيف إذن يمكن تفسير جرأته حتى على رئيسه الذي عينه دبلوماسياً بلندن ومنحه الثقة رغم أنه لم يكن ذا نشاط يذكر وإنما ذاع صيته بعد أن خرج منها مغاضباً وبطلبه هو شخصياً في العام 1997؟؟ لكن مما أراه، يبدو أنه أُخرج ولم يخرج.