بين وزيرين..!!
اختار الأستاذ “ياسر يوسف” أمين الإعلام في الحزب الحاكم ووزير الدولة النافذ جداً في مطبخ القرار السياسي التعبير عن موقف الحكومة من حرية التعبير وعدّد أسباب ودواعي مصادرة السلطات التنفيذية لـ(14) صحيفة بعد أن اتخذت الحكومة في أجهزتها التنفيذية والسياسية قرار المصادرة وأسندت لجهاز الأمن القيام به.
لم تجد خطوة الأستاذ “ياسر يوسف” بالكتابة في شأن يختلف الناس حوله ما بين دعاة حرية مطلقة ودعاة حرية (نصف كم) ودعاة حرية بمقاسات تحددها الظروف السياسية، ودعاة حرية (غبيشة) وأنصار كبت وتعتيم شعارهم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وتبريرهم أن السودان يمر بمنعطف خطير!!
وآثر الكُتّاب والصحافيون والمشتغلون بقضايا الحريات الصمت إزاء ما كتب الوزير “ياسر” في عدد من الصحف الأسبوع الماضي.. وصمت الكُتّاب لا يعبر عن موقفهم الحقيقي، فالبعض يؤثر السلامة بالصمت والنأي عما يجلب الكدر والهمّ والغمّ، والناشرون وملاك الصحف وهم المعنيون أكثر بالمصادرات، بينما الصحافيون تشغلهم الرقابة والتضييق، اختاروا جميعاً قراءة مقال الوزير الذي قال إنه يعبر عن نفسه ككاتب وصحافي منتمٍ للمهنة أكثر منه ناطقاً باسم الحزب الحاكم.. وبذلك يُفتح باب وكوة صغيرة للحوار وتبادل الرأي وتلاقح الفكر إزاء ما هو مطروح من بضاعة “ياسر يوسف” الذي امتلك شجاعة الاعتراف جهراً بمسؤوليته هو كوزير وسياسي وكحكومة وحزب عن قرار مصادرة الصحف في ذلك اليوم وتحمل تبعاته، وهي تبعات معنوية لا أكثر من ذلك حيث تكاثرت الإدانات والشجب.. وكما يقول الوزير المهندس “السميح الصديق” إن الإدانات المعنوية لا تسقط حكومة ولا تبدل واقعاً ولن يصغي لها أحد.
وفي غمرة انصراف الكُتّاب عن التعقيب والرد على ما خطه يراع الوزير تصدى وزير آخر وصحافي في رصيف المراقب “عبد الماجد عبد الحميد” لما كتبه الوزير “ياسر يوسف”.. وتتشابه عبارات “ماجد” و”ياسر”، حتى في طريقة توزيع المقال على أكثر من صحيفة في يوم واحد.. وقد درج بعض المسؤولين حينما يكتبون على توزيع مقالاتهم على عدد من الصحف اعتقاداً منهم أنهم أشخاص مهمون، وبالتالي ما يكبتونه يستحق أن يبلغ الناس بشتى الطرق والوسائل.. ولا تستنكف الصحافة تلك الطريقة التي يتفرد بها السودان نسيج وحده.. وإذا وجدنا العذر للوزير “ياسر يوسف” في نشر مقالته في أكثر من صحيفة.. فكيف لـ”عبد الماجد عبد الحميد” السير على خطى الوزير ونشر مقالته في صحيفته التي يكتب فيها من حين لآخر في صفحاتها، وفي صحيفة أخرى (احتفت) بمال الوزير “ياسر يوسف”.. وهو جدير بالاحتفاء، لكنه أجدر بالقراءة والرد والتعقيب لخطورة ما ورد فيه، حيث أثبت “ياسر يوسف” إن حزب المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والحزب الاتحادي الديمقراطي “الدقير” والحركة الشعبية “دانيال كودي” وأنصار السنّة المحمدية.. وفروع حزب الأمة وجيوبه المتعددة جميعهم شركاء في قرار الحكومة بمصادرة الصحف.. وقد أثبت وزير الإعلام د. “أحمد بلال” منذ اليوم الأول قانونية الخطوة واتساقها مع الدستور.. إذن المطالبة بتعديل الدستور وإلغاء بعض القوانين أو تعديلها لا ينبغي للوزير “بلال” أن يعدّها مطالب غير موضوعية.. لكن “ياسر يوسف” حينما يقول إن واقع الحرية الصحافية في السودان أفضل من دول أوروبية، وإن ما تقوم به الحكومة من مصادرات سبقتها لهذا السلوك الولايات المتحدة الأمريكية.. فمجرد جعل الولايات المتحدة دولة معيارية في السلوك والأخلاق يقدح في شعارات نرددها كثيراً بأن الحرية في الإسلام لا مقارنة بينها وحريات الغرب.. ولم يجب الأستاذ “ياسر يوسف” عن سؤال: هل تاريخ السودان منذ الحكم الثنائي شهد يوماً مصادرة (14) صحيفة في يوم واحد وبقرار من الحكومة متفق عليه في مجلس الوزراء والمؤسسات السياسية؟؟!