بكل الوضوح
عامر باشاب
العم “جاه الله” والخرطوم أيام زمان
{ العم “جاه الله” رجل أعمال من طراز فريد بسيط في مظهره وكبير بفهمه وحكمته وورعه تجاوز الستين من عمره بنى نفسه بنفسه، بدأ عصامياً منذ الصغر رعى الأغنام ثم بدأ حياته العملية في سوق الزمن الأصيل كعامل يومية في بوفيه، ثم مع مرور الأيام أصبح صاحب بوفيه تنقل به في عدد من المصالح الحكومية، بعدها شارك أحد (الخواجات) في مخبز بلدي وبعدها سودن المخبز بامتلاكه الكامل له وبجهده وشطارته وبره وإحسانه، توسعت أعماله ورغم أنه لم يكمل تعليمه لكنه حصل على الدكتوراه من الحياة والدنيا التي عاش فيها.
{ عمنا “جاه الله” الرجل النقي التقي قضى جل عمره في سنتر الخرطوم جمعتني به جلسات مؤانسة عالية الصفاء بعد صلاة الفجر مع شاي الصباح، ودائماً ما يحكي لي فيها عن الخرطوم أيام زمان عندما كانت عاصمة للنظافة والنظام والانضباط.
{ وكثيراً ما يحكي لي عن انضباط رجال البلدية وحرصهم على متابعة ومراقبة كل شوارع وأزقة وأسواق الخرطوم، وعن ضباط الصحة كيف كانوا يدققون في كل صغيرة وكبيرة داخل وخارج المطاعم والمقاهي للتأكد من نظافة الجدران والسقوف والأواني والترابيز والكراسي، ويدققون بتركيز شديد في نظافة العاملين وهيئتهم وشكلهم العام ونظافة ملابسهم حتى الداخلية.
{ وبالأمس حكي لي عن واقعة حدثت في السبعينيات وهي تغريم البلدية لصاحب مطعم في السوق الأفرنجي ثلاثة جنيه، لأنهم وجدوا آثار ماء مدلوق أمام المحل ..
{ تخيلوا معي ماء تم (كشحها) ليلاً فيجد رجال البلدية أثارها في الصباح، فيحاسبوا الجهة المسؤولة عن هذه الفوضى و العشوائية، هكذا كانت تعمل بلدية الخرطوم أيام زمان.
{ أما الآن في زماننا الأغبر هذا تجد مياه المطاعم والكافتريات بأوساخها وروائحها الكريهة تملأ الشوارع بوسط عاصمتنا الخرطوم، هذا غير طفح مياه الصرف الكان صحي وتحول بالإهمال إلى صرف غير صحي.
{ وضوح أخير
{ عمنا “جاه الله” حكي لي أيضاً قصص كثيرة عن (الخواجات) خاصة اليونانيين الذين كانوا يسكنون في قلب الخرطوم ويملكون معظم متاجرها، وكيف كانوا يتخلقون بصفات الصدق والأمانة والحرص على النظافة وتقديم المساعدة للفقراء والمساكين.
{ وحدثني كذلك عن تجار الخرطوم السودانيين (رجال الأعمال) عندما كانت الدنيا بخيرها وكيف كانوا يسيرون على هدى الآية الكريمة (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
حيث ظلوا جميعهم حتى رحيلهم من هذه الفانية يحرصون على الإنفاق على أصحاب الحاجات ومساندة الأسر المتعففة. وذكر لي منهم على سبيل المثال أمير المحسنين عبد المنعم محمد والحاج بشير النفيدي وشيخ البرير وأبو العلا والشيخ مصطفى الأمين وغيرهم من رجال المال والبر والإحسان.