المجلس الوطنى .. عندما يعزف البرلمان لحن الختام !!
تقرير- إيمان عبد الباقي
أسدل الستار على ختام جلسات البرلمان بنهاية الدورة العاشرة والأخيرة من عمره المنتخب في تمام الحادية عشرة (ليلاً) من يوم الأربعاء الماضي خلال جلسة مسائية.. (خمسة سنوات) مضت كانت فترة البرلمان المحددة في الدستور، لتنتهي بذلك دورة انتخابية كاملة بدأت في الحادية عشرة من (صباح) يوم الاثنين 24 مايو 2010م، وقد شهد البرلمان خلال هذه الفترة جملة متغيرات وقضايا مفصلية ومهمة في تاريخ البلاد من بينها الانفصال، وبعض القضايا المهمة التي أثارت جدلاً كبيراً في الرأي العام وأخرى قوبلت بالرفض والمناهضة من قبل الشعب كان أبرزها تمرير النواب لقرار رفع الدعم عن المحروقات (لمرتين)، وما تبعه من زيادات في أسعار السلع وتعريفة المواصلات، بجانب ما حدث من خلافات داخل كتلة المؤتمر الوطني عجلت بإعفاء رئيس الكتلة السابق د. “غازي صلاح الدين” من منصبه وإسقاط عضويته لاحقاً مع الأستاذ “فضل الله أحمد عبد الله”، بجانب تقديم د. “سامية هباني” زوجة “غازي” لاستقالتها.. وواصل خلال هذه الفترة البرلمان أعماله الرقابية والتشريعية بإجازة عدد من القوانين إلا أن الأداء الرقابي والمحاسبي حول قصور الجهاز التنفيذي في أعماله صاحبه عدم رضا واضح من الشارع ووجد انتقادات عنيفة من الإعلام. كما صاحبت فترة البرلمان المنتخب تغييرات كبيرة في الوجوه ابتدرها المؤتمر الوطني في الجهازين التشريعي والتنفيذي، حملت رئيس البرلمان السابق “أحمد إبراهيم الطاهر” (بقرار سياسي) من مقعد الرئيس إلى مقعد النائب، ورفعت د. “الفاتح عز الدين” من رئيس لجنة إلى رئيس للبرلمان لمدة تقارب العام ونصف العام، حيث كانت هناك مفارقات بين فترتي “الطاهر” و”الفاتح”، وقد مرت فترة الأخير بمنعطفات ومطبات كثيرة وضعت البرلمان على المحك على رأسها قرار رفع الدعم (للمرة الثالثة)، الذي تراجعت عنه الحكومة مع اقتراب الانتخابات.. وحسب بعض نواب الوطني فإن “الفاتح” الذي جاء بحسابات سياسية كان يتمتع بقدرة غريبة على أداء هذا الدور الذي يتضمن إثارة الانطباع بأن لديه نفوذاً، وقالوا إن دوره كان يعتمد على تأثير مهاراته (كوسيط) بين النواب والجهاز التنفيذي وقدرته على توجيه تركيز النواب على المسائل التي يرغب في تمريرها الجهاز الحكومي، بما يشبه نوعاً من (السلطة الرخوة) التي عدّوها سلطة غير حقيقية.
{ الجانب التشريعي
تلا رئيس البرلمان د. “الفاتح” في آخر جلسة تقرير نشاط المجلس الوطني طيلة الخمسة أعوام، التي انعقدت خلالها عشر دورات مدة كل واحدة ثلاثة أشهر بمعدل ستة أشهر عمل وستة أشهر عطلة في كل سنة، انعقدت فيها (292) جلسة مجلس وطني و(75) جلسة للهيئة التشريعية القومية– أي المجلسين، وأجاز البرلمان خلالها (22) مرسوماً مؤقتاً أبرزها قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض وقانون الجمارك، بجانب (72) قانوناً من ضمنها قانون الانتخابات لسنة 2008م تعديل سنة 2014م، حيث كفل التعديل زيادة نسبة المرأة من (25%) إلى (30%) وزيادة القوائم الحزبية من (15%) إلى (20%)، وجعلت النسبة المؤهلة في القوائم صفرية، وتم إجراء تعديل على قانون الشركات لسنة 1925 بعد (90) عاماً، بجانب إجازة قوانين أبرزها (الجنسية تعديل لسنة 2011م، القوات المسلحة، المشورة الشعبية، مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2014م، مكافحة الاتجار بالبشر، تنظيم اللجوء لسنة 2014م، ديوان المراجعة القومي، حماية المستهلك والرفق بالحيوان لسنة 2015)، وأجاز البرلمان ست موازنات، بينها موازنة بديلة عقب الانفصال.
وكان من الملفات إجراء تعديل جزئي على الدستور الانتقالي لسنة 2005م، الذي أدى لحدوث فجوة بين نواب المؤتمر الوطني أنفسهم وتم رفضه من قبل كتلة المؤتمر الشعبي، وقضى التعديل بمنح رئيس الجمهورية مزيداً من الصلاحيات بتعيين الولاة بدل الانتخاب، كما طالت التعديلات الدستورية تحويل جهاز الأمن والمخابرات من جهاز لجمع المعلومات إلى قوة نظامية قتالية.
وأشار التقرير إلى أن عدد اللوائح المودعة (204)، والقوانين بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية (34)، حيث أثارت بعض الاتفاقيات جدلاً حول وجود شبهة ربوية وتمت المصادقة عليها بحجة فقه الضرورة، بينما أثارت آخر اتفاقية بين السودان والمغرب مخاوف بين النواب من منع تعدد الزوجات.
{ الجانب الرقابي
في الجانب الرقابي أكد د. “الفاتح” نفسه خلال المؤتمر الصحفي الأخير أن الأداء البرلماني كان دون الطموح، وقال: (هو عمل بشر يشوبه القصور)، ويبدو أن تأخير بداية الدورة الأخيرة بسبب انعقاد المؤتمر العام للوطني أثر مباشرة في أداء البرلمان وأحدث فراغات كبيرة مما اضطر المجلس لزيادة جلساته (صباحية ومسائية)، ويشار إلى أن البرلمان تجاهل استدعاء بعض الوزراء في عدد من المسائل المستعجلة والأسئلة الساخنة والملحة أبرزها قضية عطاء شركة (كومون) المسؤولة عن صالة كبار الزوار، التي طالب خلالها النائب البرلماني وعضو الوطني “محمد الحسن الأمين” باستدعاء وزير الدفاع، بجانب السؤال الذي أثاره رئيس كتلة الشعبي د. “إسماعيل حسين” حول ملابسات غرق عدد من طلاب دارفور بجامعة الجزيرة وطالب فيها باستدعاء وزير العدل. وحسب التقرير، فقد بلغ عدد البيانات المقدمة من الوزارات حول الأداء والخطط (128)، بجانب (38) بياناً نوعياً يتعلق بقضايا اقتصادية وترتيبات مالية ومستجدات خارجية وأوضاع أمنية، وتمت الإجابة خلال الدورات عن (24) مسألة مستعجلة منها بنك الثروة الحيوانية وملابسات بيع الباخرتين النيل الأبيض ودارفور وخصخصة مصانع السكر، إضافة إلى (24) طلب إحاطة منها أداء اللجنة العليا للتصرف في المرافق الحكومية وإلغاء الدورة المدرسية بالجنوب، و(87) سؤالاً بينها موقف تنفيذ المدينة الرياضية وإضافة عام لمرحلة الأساس وسد الألفية. وصدر (21) قراراً للهيئة التشريعية و(219) قراراً للمجلس و(48) قراراً لرئيس المجلس و(54) تقريراً ومخاطبة، فيما كونت (26) لجنة طارئة أبرزها لجنة متابعة تطورات الأوضاع في دولة الجنوب وآثارها على السودان، وقد أحيلت توصياتها للجهاز التنفيذي بجانب لجنة الحوار الوطني لجمع الصف الوطني.
وتلاحظ أن الوضع الاقتصادي أثر في الدور الرقابي للبرلمان خاصة فترة العطلات التي كان ينشط فيها بالزيارات للولايات، فأصبحت بالكاد تتم سفرية أو سفريتان للولايات الساخنة.
{ معارضة رمزية
بتأكيد عدد من المراقبين، لم يكن البرلمان المنتخب يحتوي على معارضة حقيقية تمثل الشعب في ظل النسبة الأعلى داخل البرلمان للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم، وقد ظهرت كتلة الشعبي كمعارضة بديلة لم يكن معترف بها ككتلة في لائحة المجلس الوطني لأن عددهم قليل بحيث يمثلها أربعة أعضاء جميعهم فازوا في الانتخابات كمستقلين، ورغم قلة عددهم إلا أنه كان لهم دور واضح في الوقوف ضد بعض القضايا المفصلية كتمرير قرار رفع الدعم عن المحروقات والانسحاب من جلسة تعديل الدستور، لكن بسبب عددهم القليل لم تنجح أصواتهم في إسقاط أية مسألة مرفوضة أو محل خلاف.
{ أداء كتلة الوطني
أدت التغييرات التي طرأت على رئاسة الكتلة بعد إعفاء د. “غازي صلاح الدين” منها لأسباب سياسية وتعيين د. “مهدي إبراهيم” محله، أدى ذلك إلى خلاف كبير بين نواب الحزب في تلك الفترة، حيث كان د. “غازي” من الشخصيات المقبولة والمتوافق عليها لدى النواب دون استثناء، بعكس د. “مهدي” الذي تم ترشيحه للمنصب داخل المكتب القيادي للحزب، وقد قوبل ترشيحه بالرفض من قبل النواب ما أدى لتدخل د. “نافع علي نافع” نائب رئيس المؤتمر الوطني وقتها ومساعد رئيس الجمهورية وحسم الأمر وألزم النواب بتنفيذ القرار.. وقد شهدت فترة د. “غازي” نشاطاً غير مسبوق داخل الكتلة، ولم يكن مكتبه يخلو من عضوية الحزب التي كثيراً ما تلجأ له لحلحلة قضاياها، بينما يؤكد عدد من النواب أن فترة “مهدي” شهدت ركوداً تاماً.
{ جدلية الغياب
يمثل غياب النواب عن الجلسات لفترات طويلة خلال الدورات البرلمانية الماضية إحدى القضايا الجدلية بنهاية كل دورة عند تلاوة قرار فض الدورة. وحسب لائحة أعمال المجلس فإن الغياب لفترة طويلة دون إذن يعرض صاحبه للمحاسبة وأحياناً يتم إسقاط عضويته، وكانت أطول فترة غياب معروفة للنائب البرلماني عن دوائر المؤتمر الوطني “موسى هلال” الذي غاب عن الجلسات أكثر من عام، وكان من أشهر النواب غياباً “جمال الوالي” و”صلاح قوش” و”علي كرتي”.
{ خاتمة أعمال
يدخل البرلمان في إجازة بعد أن أعلن عن آخر دورة له، تستمر حتى نهاية مارس القادم، وسيظل البرلمان في حالة استدعاء من رئاسة الجمهورية في حالة الطوارئ إن تطلب الأمر ذل .
وقبل أن يمضي البرلمان في حال سبيله أعلن حزب المؤتمر الوطني عن مرشحيه للبرلمان القادم، وتلاحظ إجراء تغيير جزري في قائمة مرشحيه يكاد أن يتجاوز (60%) بعكس المرات السابقة التي عادت بنفس الوجوه، وقد وضح من خلال ما أعلنته مفوضية الانتخابات أن المؤتمر الوطني أخلى عدداً من مقاعده للأحزاب الأخرى بما فيها الحركات المسلحة في شكل محاصصة في المقاعد البرلمانية، واحتفظ بالحصة الأكبر لنفسه، برغم تأكيدات د. “الفاتح” أن البرلمان القادم سيشهد أعلى نسبة مشاركة تصل لأكثر من (29) حزباً سياسياً بما فيها الأحزاب التاريخية الكبيرة، التي أعلنت غالبيتها مقاطعتها للانتخابات.