أخبار

القانون في الخرطوم..!! (1)

طرق على باب المكتب في الصباح الباكر.. نعم تفضل.. (لا يا أستاذ كنت بغسل في عربيتك) وجاء رجال الشرطة ونزعوا لوحات العربة واتجهوا شرقاً.. انصرف الطفل، الذي هو ضحية للحرب والنزاعات، حيث غمرت الحرب قريته ولجأ للخرطوم يعيش على غسل العربات وتلميع الأحذية والعمل (مراسلة) أي نادل عند بائعات الشاي.. كادت أن تسقط دموع الطفل الصغير على لوحات عربتي.. ربت على منكبيه الصغيرين.. وهرولت نحو العسكر الذين نزعوا لوحات سيارتي في هذا الصباح.. هل اشتبهت عليهم الأرقام مع أخرى ارتكب سائقها جريمة قتل ليلة البارحة؟؟ هرولت نحو سيارة شرطة يقودها عسكري بملابس الشرطة الخضراء.. و(يتوهط) في المقعد الأمامي شاب ممتلئ الجسم عريض المنكبين حازم جداً في تعامله مع الناس.. سألتهما عن أسباب نزع لوحات سيارتي، فقال الشخص الذي يرتدي الملابس المدنية: (اذهب لمحلية الخرطوم وسنأتي إلى هناك بعد قليل)؟؟ سألت الرجل الذي يقود الحملة: من أنت وما هي وظيفتك؟؟ فقال: أنا “بابكر عمر” من مكتب معتمد الخرطوم اللواء “عمر نمر”؟؟ هل أنت ضابط شرطة؟؟ قال: لا أنا موظف في مكتب المعتمد.. وسلمني (استيكر) كتب عليه محلية الخرطوم وحدة الخرطوم شمال الإدارية مخالفات الأمر المحلي رقم (11) لسنة 2012م، نرجو مراجعة قسم التأمين وسط جنوب (صينية القندول) وإحضار (الاستيكر).. ذهبت حيث طلبتني السلطة لمعرفة أسباب نزع لوحات سيارتي.. في ذلك الحين وصلت السيارة التي تتكون من الموظف “بابكر عمر” وهو يقود اثنين من شرطة المرور وأحد أفراد التأمين يأتمرون بقراراته.. سألته عن القانون الذي يخول له نزع لوحات سيارات المواطنين وأخذها لمكاتب المحلية.. استخرج ورقة مكتوب عليها أمر محلي من مكتب المعتمد بالرقم (11) لسنة 2012م، مخالفات غسيل العربات في الشارع العام.. وينص الأمر الصادر من مكتب المعتمد على معاقبة من يغسل سيارته في الشارع العام بالغرامة (200) جنيه أو بالسجن لمدة (15) يوماً.. سألت الموظف عن الجهة المسؤولة التي تجيب عن سؤالي هل من حق موظف مدني إصدار توجيهات لرجال الشرطة بنزع لوحات سيارات المواطنين وحملها لمكاتب الحكومة وفرض الغرامة المالية عليه؟؟ تمت إحالتي لموظف قال إن اسمه “الشاذلي”.. طلبت منه تعريف نفسه ووظيفته فقال بلهجة حادة (عاوز مني شنو اسمي “الشاذلي” كده) ما هي وظيفتك؟ قال: (إنت عاوز شنو يا حاج).. قلت له أنا مواطن نزعتم لوحات سيارتي.. أغلق باب مكتبه بعنف بالطبلة وانصرف مسرعاً لمجموعة من موظفي المحلية يتجادلون في أمر ما.. ذهبت لضابط شرطة برتبة ملازم.. بدأ الضابط أكثر تهذيباً وتواضعاً لكنه قال إنه غير مسؤول عن هؤلاء!! وطلب مني مقابلة رئيس الوحدة.. قدمت نفسي للمقدم حقوقي “عوض محمد إدريس” الذي كان هاشاً وأنب الموظف “الشاذلي” الذي رفض تعريف نفسه.. طلبت من السيد المقدم حقوقي أن يقدم لي مصوغاً قانونياً استند إليه موظفو المحلية ومنسوبو شرطة المرور بنزع لوحات العربات وحملها إلى مكاتب المحلية لمخالفتها أوامر صادرة من مكتب المعتمد وليس قانوناً صادراً من المجلس التشريعي لولاية الخرطوم ولا المجلس التشريعي لمحلية الخرطوم؟؟ وسألت المقدم حقوقي “عوض محمد إدريس” من ارتكب مخالفة غسل السيارة في الشارع شخص آخر ولست أنا.. كيف تنزعون لوحات السيارة وأنا لم ارتكب المخالفة؟؟ قال إن القانون حسب زعمهم يجرم صاحب السيارة لأنه لولا موافقته لما قام الطفل الصغير بغسلها؟؟ سألته عن القانون الذي بموجبه تم نزع لوحات المركبة فقال “الشاذلي” إنها أوامر من السيد المعتمد (لو عاوز تفسير أمشي مكتب المعتمد يا أخي)!!
طلبت من السيد المقدم تحويلي لدفع الغرامة المالية والإفراج عن لوحات سيارتي.. قال الموظف “الشاذلي”: عليك الانتظار حتى وصول الموظفة المسؤولة عن التحصيل!! ومتى تصل الموظفة؟ قال: الساعة العاشرة والنصف.. قلت له: ولكن الآن الساعة الحادية عشرة.. قال: طيب أمشي وتعال بعد ساعتين أدفع الغرامة ونفرج عن لوحات المركبة.. سألته: ولكن سيارتي بدون لوحات كيف أسير بها في الشوارع؟ قال: (دي ما شغلتنا).
غداً نواصل رواية القانون في قلب الخرطوم!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية