بكل الوضوح
عامر باشاب
وظائف النبوءة الخمس
أجمل ما قرأت عن سيدنا النبي “صلى الله عليه وسلم” السراج المنير، وهي مقالة سطرها قلم المفكر الإسلامي “حسن البنا” تحت عنوان (وظائف النبوءة).
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾، تلك هي بعض وظائف النبوءة التي أراد الله تبارك وتعالى أن يعلمها الناس عن نبيه سيدنا “محمد”، بعد أن خاطبه بأحب الأسماء وأفضل الألقاب عنده فقال تعالى: ﴿يا أيها النبي﴾، وفي هاتين الكلمتين الشريفتين مجتمع الفضائل والكمالات وبرهان الصدق والحقيقة.
وبعد أن بين للناس أنه رسوله الأمين على وحيه لم يتقول على ربه ولم يأت بشيء من عنده فقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾.
فالوظيفة الأولى الشهادة، فهو شاهد لربه عارف إياه إلى أقصى حدود المعرفة، أجازها الله لعباده كما قال فيما يرويه البخاري (إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)، وهو شاهد بربه يثبت للناس بالآيات الساطعة والبراهين القاطعة صفاته ووحدانيته، ويعلمهم أحكام دينهم ويحدد لهم الصلة بينهم وبينه كما قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) .
وهو شاهد على أمته يراقب أحوالهم ويستطلع شؤونهم ويشجع محسنهم، ويرد من أنبائها وأطلعه عليه من شؤونها وذلك قول الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).
والوظيفة الثانية التبشير بجمال الفضائل والحق ووصف طريق السعادة وراحة البال واطمئنان النفس للناس وفتح باب الأمل الواسع الفسيح الصادق في رعاية الله ومعونته لهم في الدنيا وثوابه ونعيمه في الآخرة، وأية راحة تطلبها النفس الإنسانية وتدخل عليها البشرى والسعادة والسرور أكثر من أن تعتقد أن لها نصيراً في هذه الحياة الدنيا مثيباً في العقبى ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾.
والوظيفة الثالثة الإنذار والتخويف من مهالك الرذيلة ومضارها وتحذير الناس من عواقبها وآثارها وما تلك النتائج إلا شقاء الدنيا والبؤس فيها وشقاء الآخرة وغضب الله تعالى، وأية صورة تحذرها النفس وتخافها أفظع من أن يعيش الإنسان في الدنيا مضطرب البال قلق النفس، ثم يرد في الآخرة إلى عذاب أليم كما قال الله تعالى: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى* وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾.
والوظيفة الرابعة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وكشف النقاب عن جمال المعرفة ولذة الوصول إلى قدس الحقيقة وسعادة التعرف إلى الله تبارك وتعالى، حيث الكمال الروحي والرقي النفسي واللذة التي يقول فيها بعض السلف: نحن في لذة لو عرفها ملوك الدنيا لقاتلونا عليها بالسيوف ويقول الآخر:
أيا صاحبي قف بي مع الحق وقفة
أموت بها وجداً وأحيا بها وجدا
وقل لملوك الأرض تجهد جهدها
فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى
وإلى ذلك الإشارة بقوله تبارك وتعالى ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ* وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
والوظيفة الخامسة السراج المنير يهتدي بهديه السائرون ويسير بنوره الحائرون الإرشاد والهداية فهو مصدر نور ذاتي يشع على الخلق فلا يخبو، وفي التعبير بالسراج إشارة إلى أن النبي أبدا فأين النور من السراج؟.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة كل شرائط الدعوة الصادقة.