مأزق التلفزيون وإعلام القصر في المضمون لا الأشخاص
حديث السبت
يوسف عبد المنان
“أمبيكي”.. مقترحات حلول رفضتها الحكومة والحركة الشعبية
صراع شركاء (الانتباهة) يدخل النفق المظلم
لم تجد المقترحات التي تقدم بها الوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي” قبولاً من طرفي النزاع في السودان.. والحكومة شكلت لجنة خاصة للرد على ورقة الوسيط “أمبيكي”.. لكن الرئيس في حديثه للوسيط قال إن الحكومة ترفض من حيث المبدأ الدخول في حوار مع الجبهة الثورية وملتزمة بالحل السياسي مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وفق مرجعيات اتفاقية السلام الشامل.. والحوار مع متمردي دارفور من خلال مرجعيات اتفاقية الدوحة.. لكن ما هي المقترحات التي جاء بها الوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي؟!
أولاً- اقترح حكماً ذاتياً للمنطقتين في إطار السودان الواحد.
ثانياً- التفاوض من خلال منبر واحد حول قضية جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور.
{ ثالثاً- إشراك القوى السياسية من أحزاب المعارضة في المفاوضات.
{ رابعاً- فتح المسارات والممرات لانسياب الإغاثة للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية.
خامساً- عد مسودة 30 أبريل 2014م الاتفاق الإطاري بين حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال إعلان مبادئ للحل النهائي.
وقبل أن تعلن الحكومة موقفها من تلك المقترحات، أصدرت الحركة بيانها الممهور بتوقيع الناطق الرسمي “عبد الرحمن أردول” وقالت إنها التقت بالمبعوث “أمبيكي” و”عبد السلام أبو بكر” و”هايلي منغريوس” ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وتمت مناقشة الوضع السياسي في السودان ونتائج زيارة الآلية الأفريقية للخرطوم وفرص السلام الشامل، وقالت الحركة إن فرص تحقيق السلام تتضاءل بسبب ما سمته بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والتعديلات الدستورية الأخيرة والانتخابات، واعتقال قادة نداء السودان الذي وقعته بعض القوى مع الحركة الشعبية، وإن السبيل الوحيد لوقف الحرب هو تطبيق القرار الأفريقي بالرقم (456)، وإن الحركة ترفض أي حل جزئي، لكن اللواء د. “حسين كرشوم” عضو الوفد الحكومي المفاوض قال إن ثلاث لجان قد بدأت أمس الأول (الخميس) دراسة الورقة التي قدمها الوسيط “أمبيكي”.. فهل اللجان التي شكلت تستطيع أن تقول بغير ما أعلنه الرئيس من رفض للتفاوض مع الجبهة الثورية.. وعدّ اتفاقية السلام الشامل الموقعة مع الحركة الشعبية 2005م هي المرجعية الأساسية لأية مفاوضات مع قطاع الشمال؟؟
بعض السودانيين يهاجمون الوسيط “أمبيكي” ويطالبون الحكومة بطرده م البلاد.. وسد الأبواب في وجهه، لكن “أمبيكي” لم يأت لبلادنا للنزهة إنما عجز السودانيين عن حل مشكلاتهم هو الثغرة التي تشكل من خلالها التدخل الأجنبي الكثيف في كل شأن وطني.. حتى مسار الحل السياسي من خلل الحوار الوطني بات للاتحاد الأفريقي صلة به.. ومقترحات “أمبيكي” رّفضت من الحكومة ومن الحركة الشعبية، ويعود الرفض لاختيار “أمبيكي” توقيتاً خاطئاً لطرح ورقته!! الحكومة الآن لا يشغلها شاغل إلا الانتخابات الرئاسية المقرر لها شهر (أبريل) القادم، وقد ودع البروفيسور “إبراهيم غندور” في آخر جولة مفاوضات الطرف الآخر- أي الحركة الشعبية- وأصدقائه في الاتحاد الأفريقي، على أن يعود للتفاوض بعد حلول شهر (مايو) القادم.. وفي ذات الفترة- أي الصيف الحالي- تشهد مسارح العمليات في جنوب كردفان معارك ضارية لكسر شوكة التمرد والقضاء على قوته العسكرية على الأرض، الشيء الذي يمهد لحل سياسي بسهولة ويسر، وقد أدركت الحكومة أنها ستجد عقبات كبيرة في الوصول إلى تسوية مع الحركة الشعبية إذا كانت الحركة تحتل محليات من جنوب كردفان.. في مناخ القتال الحالي في جبال النوبة لا تبدو المناخات مواتية لاختراق سياسي ينهي النزاع.. ولكن بعد انقضاء فصل الصيف وحلول موسم الأمطار في النصف الثاني من (مايو) القادم تفرض الطبيعة كلمتها على القوات الحكومية وعلى متمردي قطاع الشمال.. وتتعثر الحركة بين المناطق.. ويصبح كلا الطرفين في موقع المدافع عن وجوده في المناطق التي يسيطر عليها.. وتبعاً لإعلانات قادة القوات المسلحة فإن العمليات الصيفية تمضي كما خطط لها.. لكن السياسيين يهرفون بما ليس لهم به علم كقول معتمد محلية سنكات إن القوات المسلحة الآن في جبال (…) وألقت القبض على (…) من قادة التمرد.. وتبعد سنكات عن مسرح العمليات أكثر من ألفي كيلومتر.
وبعد انقضاء عمليات الصيف الحالية تنتهي دورة الحكم وينتخب الرئيس “البشير” لدورة قادمة بفوز كبير على المرشحين المنافسين من ذوي الوزن الخفيف الذين خاض بعضهم الانتخابات لدواعي الشهرة.. والتكسب الإعلامي.. وليت “البشير” بعد فوزه المرتقب يعين منافسيه في وظائف بحكومته القادمة مثلما عين “منير شيخ الدين” في وظيفة مستشار لـ”أحمد هارون” في كادوقلي، وعندما جاء المهندس “آدم الفكي” رفض تعيينه مجدداً وتم طرده من مكتبه بالقرب من السفارة السعودية.. وذهب لسبيله كسياسي لا يموت، لكنه ينتظر دوره في قادم الأيام والمواعيد.. والمرشحون المنافسون للرئيس اليوم بعضهم موظف مثل “الصوفي”.. و”محمد عوض البارودي”.. و”فضل السيد شعيب” يمكن تعيينه في وظيفة معتمد رئاسة في شمال كردفان لتطوير قريته (أم قديتي).. وتشكيل الحكومة الجديدة في (مايو) القادم قد يأتي بوجوه جديدة.. ورؤية سياسية مغايرة للمرحلة الحالية.. وتتخذ تدابير داخلية من شأنها تجفيف بؤر التوترات والنزاعات، وبيد الحكومة اتخاذ سياسات من شأنها تجريد التمرد من كل أسلحته التي يستخدمها.. وفي حال سيطرة عمليات الصيف الحالية على المحليات الرئيسية في جبال النوبة (أم دورين، البرام وهيبان)، فإن سقف الحل يصبح ميسوراً خاصة وأن العامل الدارفوري قد ضعف جداً بعد أن أصبحت حركات دارفور التي تحمل السلاح في وضع لا تحسد عليه.. و”أمبيكي” يمكنه العودة للسودان في (يونيو) القادم وتقديم مقترحات جديدة حينذاك.. أما اليوم فإن ما يقوله لن يصغي له أحد، ولن يجد القبول في ظل مناخ التوترات الحالية.. وتمترس كل طرف في خندقه بعيداً عن العقلانية المطلوبة.
{ الصراع حول (الانتباهة).. إلى أين؟؟
أعادت المحكمة العليا للمهندس “الطيب مصطفى” صحيفته (الانتباهة) التي لا جدال أنها صناعة “الطيب مصطفى” و”الصادق الرزيقي”.. لولا “الطيب” لما كانت هناك صحيفة، ولولا جهد “الصادق الرزيقي” لما نجحت الصحيفة.. لكن الخلافات العميقة التي نشبت وسط أعضاء مجلس إدارة الصحيفة دفعت بها إلى أتون معارك قانونية بين مجموعة تملك المال والسلطة والنفوذ و”الطيب مصطفى” المسنود بالحق!! وصراع القوة والحق قديم.. قد تنتصر القوة اليوم لكن يبقى الحق حقاً.. اختلافنا في الشأن العام مع “الطيب مصطفى” ومعاركنا على صفحات الصحف لا تمنعنا عن قول الحق.. فهو صاحب حق أصيل في (الانتباهة).. وقد اختار “الطيب” و”سعد العمدة” و”بابكر عبد السلام” طريقاً طويلاً وشاقاً.. وهو التقاضي.. واختار حكماء الوسط الصحافي (الفرجة) والترقب والانتظار.. تعود (الانتباهة* لصاحبها “الطيب”.. يستأنف ملاكها الحاليون الحكم.. وتمضي القضية إلى (متاهات) لا يعرف متى تنتهي.. وقد كانت لنا مبادرة مع الأخ المهندس “الحاج عطا المنان” لإصلاح ذات البين وتكوين لجنة من حكماء الوسط الصحافي ممثلة في الأستاذ “محجوب عروة” و”أحمد البلال الطيب” و”النور أحمد النور” و”علي شمو” و”طه علي البشير” ود. “أمين حسن عمر”.. لكن لم يبد كلا الطرفين حينذاك حماساً للحل الودي، خاصة وأن مقترح اللجنة جاء بعد صدور حكم لصالح “سعد العمدة” و”بابكر عبد السلام” الذي للأمانة والتاريخ كان موضوعياً.. ويحفظ كثيراً من الود والتقدير لـ”الطيب مصطفى” الذي رغم صورته التي تميل إلى الشدة والغلظة لكنه رجل أبيض القلب ودود.. ويحترم الرجال.. ويقدرهم ويكظم الغيظ.. والآن.. عادت (الانتباهة) بقرار المحكمة العليا.. وغداً يستأنف الفرقاء قرار المحكمة.. وتدور الصحيفة في حلقة مفرغة.. ولا يقدم الوسط الصحافي مبادرة لتسوية الخلاف.. ونحن من يسدي النصح للآخرين عشية وصباحاً فلماذا تتثاقل خطانا عن إصلاح ما بين الأخوين “الطيب مصطفى” و”سعد العمدة”؟؟ وهل الذي جمع الرجلين في بدايات تكوين الصحيفة لا يجمعهما مرة أخرى من أجل مشروع ناجح وصحيفة مؤثرة في الرأي العام.. وأكثر من أربعمائة أسرة تعيش على عائد (الانتباهة)؟؟
{ تغييرات التلفزيون والقصر
يأسى المرء كثيراً عندما يقرأ تحليلات لنخب وأقلام صحافية تتبوأ مقامات رفيعة وهي تهتم كثيراً بقرارات الإعفاء والتعيين الأخيرة في الأجهزة الإعلامية الحكومية من القصر حتى التلفزيون الذي يطلق على نفسه صفة القومي أو يطلقون عليه صفة ليس فيه منها شيء.. وفاضت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار تعيين “عوض جادين” مديراً للتلفزيون و”محمد حاتم سليمان” مستشاراً صحافياً للرئيس!! و”السموأل خلف الله” مطرود من رحمة السلطان.. ومبعد عن كبير الحيشان الثلاثة.. وانصرف الوسط الإعلامي والصحافي عن تحليل مضامين الرسالة التي تقدمها تلك الوسائط الإعلامية للأشخاص ما بين قادح ومادح.. وصديق وحبيب.. وقريب وزميل دراسة.. ودفعة تنظيم.. وفي السودان لا يسأل الناس لماذا عُين الوزير في موقعه وأي برنامج سينفذه وأي جديد في جعبته.. لكنهم يسألون إلى أين سيذهب فلان.. جاء “السموأل خلف الله” إلى منصب مدير التلفزيون متدحرجاً من أعلى إلى أسفل، كان الرجل وزيراً للثقافة في بلادنا.. وعصفت به التغييرات الوزارية.. جاء للوزارة وخرج منها.. للرصيف العام.. وعند دمج الإذاعة والتلفزيون جيء به خلفاً لـ”محمد حاتم سليمان” الذي في عهده خرجت التظاهرات المطالبة بالحقوق داخل حوش التلفزيون وحجزت المحكمة عربة المدير.. ولم يشهد تلفزيون السودان في عهده تطوراً تقنياً أو مضموناً رسالياً.. مثل المهندس “الطيب مصطفى” الذي خسره التلفزيون ولم تكسبه الصحافة الورقية وخاض في وحل السياسة القميء، وبات اليوم محاصراً لكسر قلمه.. وإسكات صوته.
والتلفزيون الذي تثور من أجله الأقلام وينشغل الرأي العام بمن هو المدير القادم.. “عوض جادين” أم “عبد الماجد هارون”؟؟ يعدّ اليوم في عداد الموتى.. تلفزيون لا يشاهده إلا الوزراء في نشرة العاشرة لرؤية صورهم.. نشرات رتيبة ضعيفة المحتوى و(هايفة) انصرفت عن مشاهدتها أعداد كبيرة من الناس، ومسلسلات من القرن الماضي، ومنوعات تطل من خلالها نساء وفتيات يصبغن وجوههن بحثاً عن اللون الأبيض، ومذيعون منذ عهد “جعفر نميري” و”عبود”.. وبرامج حوارية (مملة)، وتقارير من الولايات تهتم بالولاة والوزراء أكثر من اهتمامها بالأحداث.. الشخوص عند التلفزيون مقدمين على الأفعال.. ورسالة تلفزيون السودان لا تخرج من ثلاثية الحقيبة والطنبور ومدائح الطار!! وتنفق الدولة على جهاز إعلامي خاسر وبلا أثر على المتلقي مليارات الجنيهات شهرياً.. وسفريات خارجية للمدير ونائب المدير وأي مدير يأتي لهذا التلفزيون يضع في أولوياته شراء كاميرات جديدة.. وأجهزة بث رقمي جديدة.. وطلاء الجدران بـ(البوماستك) وتوقيع الاتفاقيات مع الشركات الأجنبية.. كل ذلك لإهدار ما تبقى من المال.. والعاملون الصغار يقتاتون الفتات ولا ينالون حقوقهم حتى يتظاهروا علناً في (الحوش) الكبير.. لن يشغل المدير العام الجديد نفسه بمضمون الرسالة ولا ينظر لجودة المادة.. ولا يفكر في استقطاب المشاهدين، لكن يحرص على إرضاء أولياء نعمته من الذين رشحوه للمنصب.. وسندوا ظهره بقوة السلطة وأسبغوا عليه الألقاب والأوصاف الزائفة.. وفي القصر الرئاسي ذهب “عماد سيد أحمد” السكرتير الصحفي للرئيس وجاء “محمد حاتم سليمان”، لكن بطاقية وقبعة كبيرة (ناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية).. ومنذ 25 عاماً ظل منصب المستشار الصحافي للرئيس يتداول في دائرة ضيقة من التنظيميين أهل الولاء.. “الصادق الفقيه” إلى د. “أمين حسن عمر”.. و”محجوب فضل بدري”.. و”عماد سيد أحمد”.. ما كان قرار الشأن الإعلامي يصدر من هؤلاء، بل جهات أخرى هي التي تقرر متى يتحدث الرئيس ولمن يتحدث!! وبرع المستشارون والسكرتيرون الإعلاميون للرئيس في (تطفيش) الصحافة من القصر وحرمانها من إجراء حوارات مع رئيس الجمهورية.. ونواب الرئيس.. وحتى وزير شؤون الرئاسة لا يمكن الوصول إليه.. والمستشارون صامتون مرعوبون من الحديث لوسائل الإعلام خوفاً من انزلاق عبارة أو انفلات جملة غير مفيدة تذهب من القصر إلى الشارع العام!!
فهل يبدل “محمد حاتم سليمان” وهو شخصية نافذة جداً في الحزب ووثيق الصلة بدوائر صناعة القرار من الصورة القاتمة الآن؟؟ نعم كان رؤساء التحرير يرافقون الرئيس أيام الفريق “بكري حسن صالح” لكن لا يحق لهم الاقتراب من الرئيس أو الحديث معه.. و”البشير” شخصية في غاية التواضع والتهذيب ويحب الناس، لكن حوله مستشارين يعدّون حجب الإعلام عنه نجاحاً في المهمة التي أسندت إليهم.
في “عهد محمد حاتم سليمان”.. وقبيل الانتخابات قد تتبدل بعض مظاهر التشوهات السابقة.. وربما جاءت التعديلات الجديدة في مواقع قادة الأجهزة الحكومية لتحسين صورة السلطة وتحسين صورة الشاشة.. لكن في خضم الاهتمام البالغ بمن هو مدير التلفزيون الجديد.. ولماذا تم إعفاء “السموأل خلف الله” لم يتذكر أحد وكالة السودان للأنباء، التي أصبحت (يتيمة) في عهد الـ(واتساب) والإعلام الإلكتروني، ولا يتذكرها المسؤولون إلا بالنشرة الخاصة.. ولا ينظر في مشكلاتها.. ولا بارقة أمل في إنصاف المظلومين القابضين على جمر الوكالة وحدهم.. كيف تعود وكالة السودان للأنباء لعهدها القديم؟؟ لكن قبل ذلك هل سيصبح “الفاتح السيد” هو خليفة “عوض جادين” في الوكالة، خاصة بعد أن بات “السيد” من المقربين إلى أمين الإعلام في الحزب والمحظيين بالرعاية من البروفيسور “غندور”؟؟