من وحي الأخبار

(أمورهم ما واضحة)..!!

من جديد الشائع في تعابير العامية السودانية، وقد لاحظت أنها تتجدد وتأخذ كل يوم ورداً إضافياً من الكلمات والدلالات، قول أحدهم إن (أموره واضحة)، وهي تعني أن القائل مستقر الحال بيسار مطمئن أو أن المسائل محسومة عنده فلا يتنكب الطريق والوجهة، وقد استخدم التعبير مؤخراً رجل الأعمال “أشرف الكاردينال” في معرض تقدمة لنفسه بشأن قدرته على إدارة نادي الهلال العاصمي حينما قال: (أموري واضحة)! وهكذا فإن الوضوح قد يكون تقديراً مادياً أو في معناه الآخر القريب من هذا الاستخدام وضوح الرؤية والمقاصد، وأعتقد والله أعلم- ولنغير اتجاه الكرة- أن الوساطة الأفريقية في قضية ومشروع السلام بالنيل الأزرق وجنوب كردفان بحاجة لأن تكون أوضح في معايير تقييمها للأشياء مما تفعل الآن.
الرئيس “أمبيكي” وهذه شهادة رجل يحترم يتحلى بحرص شديد على التوصل إلى سلام، وهو ينطلق في ذلك من منطلقات نبيلة قطعاً وأظن أن هذا قد يكون حال غالب زملائه في الآلية الرفيعة المستوى، ولكن ما يهدر جهده إشكالات لم ينجح ومساعدوه في تجاوزها، أول تلك الإشكالات عجزهم عن فرض هيبة الوسيط على الحركة الشعبية (شمال) إذ كثيراً ما بدا لي أن الوساطة ترفض وتكره تزمت “ياسر عرمان” ووفده، لكن هذا الرفض يكون كسيحاً ويتم وضعه في خانة (اضعف الإيمان) أي التعامل معه بالصمت! ولم تسجل الوساطة منذ الجولة الأولى إلى العاشرة أي مواقف حازمة تجاه المتمردين ولو على مستوى إبداء النقد العلني لمواقفهم، وقد كانت لهم أكثر من واقعة تتعلق إما بالتنصل الصريح عن نقاط تم الاتفاق عليها والالتزام بها أو التفسير الخاطئ لمنطوق نص مقترح من الوساطة في مسألة من المسائل.
من أمثلة العسف من جانب متمردي قطاع الشمال ربطهم المباشر بين التوصل لاتفاق حول الترتيبات الأمنية والتوصل إلى اتفاق سياسي (يسمى الشامل)، وهم يتجاوزون أن الغرض من الوقف الشامل لإطلاق النار إنما يرتبط بجوانب أخرى تتداخل مع الوضع الإنساني وأحوال المتأثرين، لكن ذلك يتم القفز منه مباشرة إلى الاتفاق السياسي، وهو ما يشير إلى أن قطاع الشمال في كل المسألة لا يأبه كثيراً بأحوال الناس وظروفهم، ثم تأتى طامة أخرى بحشرهم لمسألة الحكم الذاتي، ويربطون كل ذلك في حزمة يفترض حسب رؤيتهم أن تتم مناقشتها في الحوار الوطني الشامل!!
هذه توجهات غير مقبولة ومحفوفة بمكاره، أولها أن الدعوة للحكم الذاتي بهذه الكيفية ستحظى بحصانة سياسية ومشروعية توفرها الوساطة نفسها التي بحاجة لردع مثل هذا التوجه الغائب في كل المرجعيات المتفق عليها، سواء كانت اتفاقية السلام الشامل أو مرجعيات قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي.. وفوق هذا حري بـ”أمبيكي” وهو هو رمزية وقيادة في تاريخ وحاضر أفريقيا أن يكون أكثر حزماً تجاه مشروعات الانقسام الوطنية، لا سيما وأقرب الأمثلة وأحدثها في جنوب السودان قد انتهى إلى الفجيعة والخديعة والدم.
“أمبيكي” والوساطة.. أمورهم ما واضحة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية