حوارات

حسن مكي : *إذا قامت الانتخابات سيواجه المؤتمر الوطني سيناريوهات صعبة

*ما زلنا نعالج قضايانا بفقه القرن الرابع الهجري ولا نتحدث عن مشروع إسلامي
*استقلال السودان جاء مكافأة للجيش على ما بذله من طاعة
  حوار. فاطمة مبارك  ـ عقيل أحمد ناعم
{ لماذا رجع “الترابي” للتحاور مع السلطة؟
-من ناحية سياسية يمكن تُفهم في إطار (إذا لم تستطع أن تتجاوزهم تنضم إليهم) على الأقل، والنظام بصورته الحالية كان قادراً على الإصلاح من داخله، والمؤتمر الوطني إذا تبنى وثيقة الإصلاح التي صدرت من داخله كان سيكون هناك حزب، لكن الطاعة العمياء مشكلة رغم أن السياسة هي علم المنافحة والمجادلة، وحتى الدين، وبدون مدافعة لن تكون هناك حيوية سياسية أو مشروع سياسي.
{ الشيوعيون فهموا تفاهم “الترابي” مع السلطة في إطار لملمة أطراف الحركة الإسلامية؟
– لا أعتقد أنه مشغول بالحركة الإسلامية القديمة لأنه تجاوزها، هو مشغول بتصحيح وضعه التاريخي، إنه شخص كان ملهماً على مستوى الحركة الإسلامية العالمية ولديه أفكار وقراءات وإذا ينقلب على مشروعه حتى في فترته وهي (1992-1999) فعندما كان رئيساً للمجلس الوطني قام بأشياء أضحوكات هي التوالي السياسي، والأحزاب الكرتونية التي قامت كلها كانت بضاعة “الترابي” وواحدة من عبقريته، وصحيح أنه يمرر أفكاره عن طريق المؤسسة لكنها هي مشروع “الترابي” وفي النهاية مشروعه دفن عام 1999 وبرز مشروع عسكرة النظام والدولة والحزب.
{ كان المشروع نقاشاً حول الأفكار فكأنها قامت على أسس خاطئة ؟
– لا أستطيع قول ذلك، و”الترابي” كان يعتقد أن المجموعة التي كانت معه في مجلس الشورى دون مستوى الدولة وهي المجموعة التي خططت للتغيير والانقلاب، لكن أعتقد لو تركها لتنمو نمواً طبيعياً لتغير مسار التاريخ، وأعتقد أن الصراع على السلطة والثروة شأن كل البشر ويكفي ما يحدث الآن.. الصحافة لما تكتب عن الفساد تمنع في حين أنك أسست مفوضية للفساد يفترض تكشف الفساد وتوقف الفاسدين في المحاكم، وأكبر قضية شهدها السودان هي قضية المخدرات، الآن مسكوت عنها فأصبحت هناك (مداراة) لا تليق بالحركة.
{ ربما يعود السبب لعدم وجود تجارب تعاملت مع مثل هذه الظواهر في الحكومات السابقة؟
-أعتقد أن المجموعات الوطنية ضربت أروع الأمثال، فيحكى أن الزعيم “الأزهري” أراد أن يصدق قطعة أرض لمواطن محتاج” فكتب له لمدير الأراضي، فقام المدير بتمزيق خطاب “الأزهري” أمامه فذهب الرجل لأزهري محتجاً فوعده بمعرفة الحاصل، فاتصل “الأزهري” بمدير الأراضي وقال له لم أغضب لأنك مزقت خطابي لكن غضبت لأنك مزقته أمام الرجل، فانظروا كيف كانت تسري روح الثقافة الإسلامية في تعاملات  “إسماعيل الأزهري” بدون مزايدات وحديث في الأعياد يبدأ فيه بالاستفتاح والصلاة على النبي، كذلك حكى لي ناظر المدرسة الأهلية قال كان عندما يخرج “الأزهري” من بيته طلاب المدرسة (يركبوا العجلات ويقفلوا له الطريق) فكتب خطاباً لمدير المدرسة الأهلية، قال فيه علموا أبناءكم آداب الطريق، وأن لا يغلقوه أمام العربات الآن يضربونهم بالرصاص فمن الأقرب للروح الإسلامية؟
{ هل يمكن نفهم ما تم من تقصير في تجربة الحركة الإسلامية في إطار النوايا الطيبة التي يمكن تصحيحها ؟
– من الصعب أن تشيل الفاتحة وتقول أصبحت جنازة بحر؛ لأن البديل هو الجهوية والعرقية والعنصرية والاقتتال تحت رايات صغيرة على السلطة والثروة، فأعتقد أن مشروع الحركة مطلوب والحركة الإسلامية التي في ذهني هي التي قامت في جامعة الخرطوم.. والمهتمة بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانه في فوق المجتمع. مكانة رئيس الدولة وما حوله لكن الحركة الإسلامية التي تسكت عن الفساد هذه ليست حركة، هذه صناعة السلطة، وللأسف أن كثيراً من الناس يتحدثون عن أن البديل سيكون هو الفوضى واليسار والجهوية، واليسار موجود منذ أن شارك “ياسر عرمان” و”عقار” في السلطة، لكن ماذا فعلوا لم يغيروا شيئاً في المجتمع، فيجب أن لا نخوف أنفسنا بأوهام وبدلاً عن ذلك نواجه مطلوبات التصحيح.
{ على من تراهن في الحركة التصحيحية للحركة الإسلامية؟
– لا أراهن على أشخاص بعينهم في الحركة، وإنما أراهن على الحاملين للفكر الإسلامي لأنه هو الفكر القادر على تجاوز الجهوية والعرقية وتحقيق قدر من التوازن في ميزان الدولة، أنا لما دخلت حنتوب الثانوية وأعطوني مصحفاً ارتبكت (ما قدرت أفتحه) كان أول مرة أمسك مصحف كنت  تربية علمانية أبناء تجار قرأنا الثانوي في المدارس الحكومية حنتوب وجامعة الخرطوم ومن ثم ذهبنا لبريطانيا، الحركة الإسلامية أعطتنا العمق الثقافي الإسلامي وفي السجن حفظنا القرآن، جامعة الخرطوم إذا انسحب منها  الاتجاه الإسلامي إما أن تتجه نحو اليسار أو السلفيين، والفكر السلفي  مثلما كتب الكاتب الفرنسي في كتابه (الاستسلام) قال الجماعة ديل حيستلموا فرنسا ويفرضوا النقاب على النساء الفرنسيات.. يغلقوا الأندية ويصادروا الحركة الثقافية.
{ ماذا عن مستقبل الإسلاميين على ضوء اقتراب الانتخابات ؟
-لو تمت الانتخابات سيواجه “البشير” ظروفاً صعبة وقد تكون هناك سيناريوهات أصعب من السيناريوهات التي رفضها في الوثيقة الإصلاحية التي قام عليها المؤتمر الوطني، والمنطقة كلها حبلى بالتغيير، أي حاكم قضى (20) عاماً سواء في السودان أو إثيوبيا أو إريتريا أو تشاد  ستكون هناك عدم مقبولية له نتيجة للأوضاع الاقتصادية والإقليمية وللملل السياسي، ونتيجة إلى أن الشباب أصبحت لديه وسائل أخرى للتواصل سواء (الفيس بوك) أو (الواتساب) و(التويتر) ولم يصبح يشكله إعلام الدولة وعقلها، ومفوضية الانتخابات قالت هناك (30) مليون سجلوا إلا يكونوا من الجن، لأننا لم نرهم في المراكز والذين تقدموا للترشح شخصيات لا وضعية سياسية لها، الشعب السوداني زاهد وشاعر أن هذه تجارة كاسدة والرابح منها خاسر.
{ ما هو شكل المراجعات الضرورية للسلطة والحركة في هذه المرحلة ؟
– فكرة الحرية أساسية والبرنامج السياسي القائم على الدراسات النقدية والتداول السلمي للسلطة وأنها حركة أنداد وليس أتباع وحركة مؤسسات وليس للشخصنة والاستبداد.
{ هل الأجواء مهيأة للدعوات التي بدأت تظهر لإبعاد الدين عن السياسة؟
– هذا سيكون موجوداً لأن الناس لم يروا الدين، رأوه كرافعة سياسية وقضايا في المحاكم وسفك دماء. غزوات النبي صلى الله عليه وسلم بلغت (18) غزوة.
الذين استشهدوا كانوا مائة ونيفاً يعني (23) سنة في كل سنة كان يستشهد حوالي (5) معناها الشهادة حاجة رمزية، كلمة جهاد وردت في القرآن (41) مرة وكانت لمعانٍ مختلفة. ما معناها الجهاد (القتال) وآيات القتال نزلت في مواقع محددة ونتاجها (100) شهيد، اليوم في السودان في كل معركة عندك ما يقارب (1200) شهيد، سفك دماء (سد كجبار- بورتسودان – مظاهرات جامعة الخرطوم – دارفور) نحن لا نحتاج إلى هذا القدر الكبير من الدماء اعتباراً بما حدث يعني معركة حنين (10) آلاف الذين ماتوا فيها كانوا بضعة أفراد، ما يتم الآن ليس موجوداً في ثقافتنا الإسلامية ولا فقهنا، وحتى نحن لما خرجنا في شعبان شعاراتنا كانت ثورة ثورة لا تخريب، كنا رافضين حتى تخريب أكشاك (التوتو كورة).
{ كيف تفسر التحول في السلطة من المشروع الفكري إلى السياسي الأمني ؟
-الطاعة التي جاءت عن طريق انقلاب عسكري جعلت القيادة السياسية ناضجة في إطار العسكرية التي تجعل كل طاقات الإنسان تفنى في الرتبة العليا لأنه مطلوب يموت من أجل الرتبة العليا سواء كانت الراية المرفوعة إسلامية أو جاهلية (مش مهم) والجيش السوداني هو هدية “كتشنر”، والجيش الحالي هو جيش “كتشنر” تغير اسمه فقط ، قسم الولاء بدل من أن يكون لملك مصر أصبح منذ 1920 لحكومة الإدارة الاستعمارية، وأصبح قوة دفاع السودان من عام 1924، لذلك هذا الجيش بهذا التكوين قاتل وتغنى بأمجاد ما حقتو (يجوا راجعين) لو دخلوا كرن هم دخلوا من أجل المشروع الإنجليزي وليس من أجل مشروع تحرري. 
{ إذن كيف حدث الاستقلال؟
-استقلال السودان جاء مكافأة لهذا الجيش على ما بذله من طاعة، وجهاد في الحربين العالميتين والإنسان الذي خرط يده من مشروع السودان الحديث “علي دينار” انتهي منبوذا مقتولا، وحتى “عبد الرحمن المهدي” ابن أكبر مجاهد في نهاية قدم سيف أبيه، وكان هذا مغزى جديداً، وهذا ما يسمى بالمهدية الجديدة وكان انقلاباً على المهدية القديمة التي كانت ضد الاستعمار وقائمة على الجهاد، السيد “عبد الرحمن” حولها إلى مصانعة الإنجليز واستئناسهم والقبول بالمشروع في كلياته وتبني فكرة الجهاد المدني بمعنى قبول المشروع، لكن فقط استبدال الحكام بشخوص سودانيين بدأت السودنة وانتهت بالاستقلال لذلك عندما رفع المرحوم “الأزهري” و”المحجوب” علم السودان كانوا يعتقدون أن مشكلة السودان حلت بأن هناك جيشاً يحميهم وقضاء، لكن لم نستطع المحافظة على النوع،  ومشروع السودان الحديث كان مشروعاً نخبوياً يهتم بالمدن، والريف كان بعيداً وبمرور الوقت تم بناء السودان الجغرافي .. وهذا تطور كبير ومهم لكن لم يتم في إطار راية أو ثقافة إسلامية بدليل أنك عندما تفتح القنوات الفضائية في الساعة الرابعة مساء تجدها كلها تتحدث عن فقه من القرن الرابع الهجري الوضوء ومسح الرأس والطلاق، لا تجدها تتحدث عن مشروع سياسي إسلامي ففي فواتح القرن العشرين نعالج قضايا السودان بكتابات فقهاء القرن الرابع الهجري.
{هل يعود ذلك الى إشكال في خيارات المتلقي أم في أطروحات الحركة الإسلامية ؟
-الصحوة الإسلامية ليست ظاهرة سودانية هذه ظاهرة عالمية.. فرنسا والاتحاد السوفيتي الذي كان يدعو للإلحاد خرجت من رحمه سبعة جمهوريات إسلامية، لكن تبلور الإسلام في نظام سياسي هذه ميزة السودان.
{هل أصابت الحركة في تقديم نموذج سياسي إسلامي؟
-لا أعتقد، قد تكون نجحت في الدعوة الإسلامية وفي تكوين هيئات مثل الإغاثة، على مستوى الداخل والخارج، بجانب الهيئات الاجتماعية التي عملت على بناء المساجد، لكن الإخفاق الكبير كان في المشروع السياسي الإسلامي.
{برأيك، لماذا فشلت في المشروع السياسي؟
-لأنه لم يكن واضحاً، في فترة من الفترات كان مشروع “الترابي” وفي الفترة الأخيرة أصبح هو البيعة لـ”البشير” والسمع والطاعة (يقولون من عرف الدين بالرجال ضاع في متاهات الضلال) الآن تبحث عن الحركة الإسلامية في إطار مجموعات مختلفة مجموعة مع “الترابي” ومجموعات صغيرة مع “جاويش” ومجموعة الإصلاح الآن مع “غازي”.. ومجموعة  “الزبير الحسن” ملتفة بغطاء الحكومة إذا رفعت يدها عنها لا تكون شيئاً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية