تقارير

"أبو سليمان السوداني".. رحلة البارود من الخرطوم إلى طرابلس!!

تفجيرات (فندق كورنثيا) تصدرت واجهة الأحداث
الخرطوم – الهادي محمد الأمين
اهتمت الصحافة العربية والغربية ووكالات الأنباء العالمية بالخبر الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فرع ليبيا، مصحوباً بصورة شاب قال التنظيم إنها لمقاتل سوداني شارك في الهجوم على فندق (كورنثيا) في العاصمة الليبيّة طرابلس، واحتل الخبر حيزاً كبيراً في صدر صفحات تلك الصحف وبرز بشكل كبير في القنوات الفضائية مسيطراً على الرأي العام الداخلي والخارجي،  حيث قال التنظيم الجهادي إن أحد كوادره ويبدو من ملامحه أنه شاب في بداية العشرينيات، هو (الانغماسي) الثاني في فندق كورنثيا في طرابلس “أبو سليمان السوداني” واسمه الحقيقي “خالد”، بصحبة آخر تأكدت هويته بأنه من تونس. وتشير ذات المصادر إلى أن الخمسة الذين احتلوا الفندق كانوا ملثمين ويرتدون السترات الواقية من الرصاص ويربطون في وسطهم أحزمة وعبوات ناسفة، في وقت أوردت فيه منتديات الجهاديين وشبكاتهم الإلكترونية معلومات وتفاصيل جديدة حول الحادثة، وكشف مقربون من التيار السلفي الجهادي أنّه إلى جانب هذا المقاتل “أبو سليمان السوداني”  شارك أيضا تونسيّ بهذا الهجوم” وقد بث الخبر عبر الإنترنت مصحوباً بصورة لشاب تونسي وصفه التنظيم  بأنه (الانغماسي الأول) في فندق عملية كورنثيا بوسط طرابلس “أبو إبراهيم التونسي” في أعقاب تفجير نفسيهما عبر عبوات ناسفة أوقعت عدداً من الضحايا والجرحى من نزلاء الفندق، ومن بين القتلى ستة أجانب، أمريكي وفرنسي وكوري جنوبي وفلبينيتان وآخرون.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الأمريكي القتيل ويسمى “ديفيد بيري” عمل مستشاراً في المخابرات الأمريكية لقيادات عسكرية عليا في مجال مكافحة الإرهاب وخدم (12) عاماً في سلاح البحرية الأمريكية مع خبرة واسعة وكبيرة في إدارة العمليات العسكرية- المخابرات- الاستطلاعات الكشفية، وعمل اختصاصياً للعمليات والمهام الخاصة، وكان يعمل قبل مقتله بشركة (آي بي آر)، بينما يعمل الفرنسي قائداً لطائرة تتبع لشركة طيران جورجية ومساعده من الجنسية الكورية، بالإضافة إلى مضيفتين من الفلبين وثالثة جريحة تعمل في مجال النظافة، بجانب “هشام الزحاف” الذي يتولى إدارة مركز الأمن الوطني ووليد بشير عثمان.
{ بداية التفخيخ
فيما أصدر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فرع ليبيا بياناً أول، أول أمس (الأربعاء)، وصف فيه العملية بأنها غزوة مباركة وأطلق عليها (واقعة الثأر والانتقام) لمقتل الشيخ “أبو أنس الليبي”. ومضي البيان قائلاً إن فندق كورنثيا يعد واحداً من أوكار أعداء الله من شركات أمنية صليبية وبعثات دبلوماسية، وقال التنظيم إنهم (عملوا فيهم مقتلة عظيمة شفا الله بها صدور قوم مؤمنين). وأشار البيان إلى أن القتلى من (عباد الصليب) وأنه بجانب القتلى فقد أسفرت العملية عن جرح (12) حالة بعضهم خطيرة.. وكان مسلحون يرتدون واقياً ضد الرصاص قد اقتحموا فندق كورنثيا صباح (الثلاثاء) وأطلقوا الرصاص عشوائيّاً تجاه العاملين والنزلاء الموجودين في باحة الفندق بالدور الأرضي، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وتبنى تنظيم (داعش) العملية الانتحارية مطلقًا عليها اسم (غزوة أبو أنس الليبي). وفي ظهيرة يوم (الأربعاء) الماضي أعلن (داعش) فرع ليبيا عن مسؤوليته وتبنيه للحادثة، وهو ذات ما أكده المركز الأمريكي لمراقبة مواقع التنظيمات الجهادية (سايت) (الثلاثاء الماضي) من أن الهجوم على كورنثيا كان بالفعل من تنفيذ فرع (داعش) بليبيا.
وتجيء هذه العملية بعد وقت وجيز من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية بالشام والعراق، وبصورة رسمية وجوده في الأراضي الليبية تمهيداً لنقل نشاطه إلى السودان وفقاً لما أعلنه التنظيم في وقت سابق خلال الشهر الجاري، وحسبما نقلته وكالات أنباء ووسائل إعلامية غربية أكدت عزم (داعش) التوسع في القارة السمراء، في مناخ تصاعدت فيه حدة المواجهة والعمليات العسكرية بين الفصائل الجهادية التابعة للتنظيم في ليبيا ممثلة في أنصار الشريعة و(فجر ليبيا) التي ينضوي تحت مظلتها العديد من جهاديي السودان من جهة، وقوات اللواء “خليفة حفتر” من جهة ثانية، وذلك في عدد من المواقع والمدن الليبية التي تشهد مواجهات حادة بين الفصائل الجهادية والحكومة الرسمية.  
{ سودانيون في الميدان
في غضون ذلك زفّ التيار السلفي الجهادي- بلاد النيلين- نبأ استشهاد عدد من عناصره الفعالة في مناطق متفرقة بالأراضي الليبية في عمليات عسكرية متفاوتة، وأعلن الجهاديون خبر مقتل “محمد برعي الهلالي” ويطلق عليه “أبو عمر السوداني” الذي لقي حتفه في معركة قوية بين كتائب أنصار الشريعة وقوات الجنرال “خليفة حفتر” ببنغازي.. وكان “محمد برعي” قد حاول الهجرة إلى العراق للالتحاق بالفصائل الجهادية والقتال إلى جانب خليفة التنظيم “أبو بكر البغدادي” لكنه لم يوفق، وحاول اختراق الحاجز الأمني مرات للوصول إلى ليبيا إلا أنه تم القبض عليه واعتقاله في الحدود السودانية – الليبية، وبعد إخلاء سبيله لاحقاً استطاع اختراق حدود البلدين والوصول إلى بنغازي حيث قُتل هناك، هذا إلى جانب مقتل سوداني آخر من أبناء ولاية نهر النيل يدعى “محمد أحمد عبد الحميد” الذي قضى نحبه في قصف جوي شنّه سلاح الطيران الليبي على ذات الموقع في العام الماضي، هذا بالإضافة إلى استشهاد أحد العناصر الفاعلة والرفيعة التابعة للتيار السلفي الجهادي بالخرطوم في رمضان الماضي، حيث نشر مدونون على صدر صفحاتهم على موقعي (فيسبوك) و(تويتر) نبأ مقتل “محمد تاج السر الخضر” الملقب بـ(أبو قتادة السوداني)، وهو من أقرب تلاميذ الشيخ “مساعد السديرة” الذي تم الإفراج عنه مؤخراً، وهو من أبناء الجريف غرب وتعود جذوره الأصلية إلى ولاية نهر النيل منطقة خليوة بالقرب من مدينة عطبرة، وكان يعمل محاضراً في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وأحد الناشطين في صفحة منصة نداء الإصلاح والنهضة- سائحون- على (فيسبوك)، وخرج “أبو قتادة السوداني” قبل أشهر قليلة من البلاد مهاجراً صوب الأراضي الليبية والتحق بكتائب أنصار الشريعة التي تقاتل قوات الجنرال “خليفة حفتر” الذي تتهمه كوادر السلفية الجهادية بالعمالة لأمريكا نظراً لوجوده لفترة طويلة في فرجينيا الأمريكية تحت رعاية الجيش الأمريكي، ولقي “أبو قتادة السوداني” حتفه بعد عملية اشتباك مباشر والتحام بين قوات جماعة أنصار الشريعة الليبية وقوات الجنرال “خليفة حفتر” في إحدى حواري مدينة بنغازي في فجر يوم 26 رمضان الماضي.
{ مواجهة العاصفة
وعلى الصعيد المحلي دعا البرلمان الليبي المعترف به من الأسرة الدولية في وقت متأخر ليل (الثلاثاء) الماضي، المجتمع الدولي إلى ضم بلاده للتحالف الدولي لمكافحة جرائم الإرهاب، مطالباً برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي وتوفير الدعم الكامل له، وذلك في أعقاب الهجوم على فندق في العاصمة الليبية طرابلس (كورنثيا)، وطالب البرلمان في بيان جميع الدول الصديقة والشقيقة لليبيا بـ(إدانة هذا العمل الإرهابي) الذي استهدف فندق (كورنثيا).. وفيما أكد إدانته للهجوم عدّ البرلمان أن (هذه العملية الإرهابية التي طالت مدينة طرابلس تأتي في إطار سعي ما يسمى بتنظيم “داعش” إلى أن يكون له موضع قدم في المدينة)، وأوضح أن أسلوب هذا التنظيم سيكون من خلال عمليات متتالية تطال كل المرافق الحيوية والإستراتيجية في المدينة، وكذلك سفارات الدول الصديقة، لافتاً إلى أن استهداف فندق (كورنثيا) دليل واضح على أن (التنظيم بات يتحرك بشكل معلن في العاصمة)، وتأتي الحادثة الأخيرة التي أطلق عليها منفذوها (غزوة أو أنس الليبي) “نزيه عبد الحميد الرقيعي” للثأر والانتقام من قاتليه- طبقاً لتصريحات قادة أنصار الشريعة- و”أبو أنس الليبي” ورفيقه “عبد الحكيم بلحاج” يعدّان من أبرز قادة الجماعة الليبية المقاتلة التي استقر بعض عناصرها بالخرطوم في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وكانا من المقربين لزعيم تنظيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن” وتوفي “أبو أنس الليبي” في أحد مستشفيات نيويورك يوم (الجمعة) في الثاني من شهر يناير الجاري بعد تدهور حالته الصحية وفق ما أكدته مصادر طبية، والرجل أتت الفحوصات مؤكدة أنه مُصاب بسرطان الكبد، وتدهورت صحته إلى حدّ كبير في أعقاب إجراء عملية جراحية نادرة، غير أن أسرته لاحقاً اتهمت جهاز المخابرات الأمريكية بأنه وراء مقتل رب الأسرة نظراً لتأخر الكادر الطبي في إسعاف “أبو أنس الليبي” وعدم متابعة حالته الصحية ومنع الدواء عنه الأمر الذي أدى لوفاته، وكان من المقرر محاكمته يوم 12  يناير 2015 برفقة رجل الأعمال السعودي “خالد الفواز” المتهمين في تفجيرات سفارتي أمريكا بكل من نيروبي ودار السلام في العام 1998 بعد أن أشارت واشنطن إلى ضلوعهما وتورطهما في عملية التفجير، غير أن الموت عاجل “أبو أنس الليبي” قبل أن تبدأ جلسات محاكمته.. وفي كلمة له عقب الانتهاء من مراسم الدفن قال “محمد الجازوي” وزير الشهداء والمفقودين في الحكومة الليبية البديلة في طرابلس: (نطالب الحكومة الأمريكية بالكشف بسرعة عن قاتل أخينا البطل أبو أنس وأيضاً بكشف سر كيف تم اختطافه من ليبيا من عاصمة الثورة)، وأضاف ملوحاً ومهدداً: (هذه الأمور لن ندعها).. واستطاعت المخابرات الأمريكية إلقاء القبض على الرجل المطلوب أمريكياً بعد رصد واشنطن مكافأة وجائزة مالية قدرها (5) ملايين دولار تقدم كحافز لمن يساعد في القبض عليه، قبل أن تفلح قوة عسكرية خاصة تسمى (دلتا) في توقيفه بعد عملية تعقب ورصد وهو في طريقه لأداء صلاة الفجر بالقرب من المسجد المجاور لمقر سكنه في أكتوبر 2013.. ويعد “أبو أنس الليبي” من القيادات النادرة التي أسندت لها مهام العمل المعلوماتي لتنظيم (القاعدة) نظراً لخبرات الرجل ومهاراته في مجال استخدام التكنولوجيا، بالإضافة لقدراته في العمل الهندسي الخاصة بتقانة المعلومات والربط الشبكي من خلال خلفيته الأكاديمية، حيث درس بكلية الهندسة في جامعة الفاتح وتخصص في الحاسب الآلي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية