الأمير في محنته (2)
تتدحرج العلاقة بين حزب الأمة والحكومة إلى الهاوية بسرعة متناهية.. بيانات حزب الأمة التي تصدرها أجندته تنضح بعبارات صارمة.. ولغة عدوانية تثير قشعريرة المراقب للأوضاع السياسية في البلا، وغضب الحكومة وأجندتها عندما يتحدث حزب الأمة بلغة ومفردات التمرد دون احترام ووقار للمواقع الدستورية، فإنه يحفر عميقاً في مجرى الخلاف على شاكلة وصف رئيس الجمهورية برأس النظام ودمغه بصفة (الطاغية) وبقية مفردات اللغة العدائية.. في بيانات حزب الأمة ولكل فعل رد فعل لن يجد النظام أيضاً ما يحول دون اتخاذ إجراءات بحق قادة الحزب إذا مضت الحفريات الكلامية لتباعد المواقف.. والإمام “الصادق المهدي” في نشاطه الخارجي يبدأ تجريب (المجرب) بتحريض العالم الخارجي على الحكومة.. وهي بضاعة قديمة استخدمها التجمع الوطني الديمقراطي وكسدت ولم تحقق له أهدافه في تلك الحقبة من حقب الصراع السياسي بين الحكومة وفرقائها على السلطة.. وعاد “الصادق المهدي” مرة أخرى لاستخدام ذخائر منتهية الصلاحية.. والعالم أولوياته الاستقرار في جنوب السودان.. والحرب في أوكرانيا والأوضاع في سوريا.. وشن الحرب على (داعش) في العراق.. ولكن “الصادق المهدي” في هجرته الثانية للخارج يبحث عن إدانة للنظام تضعه ضمن الدول المنبوذة عالمياً.
وداخلياً فإن قيادات حزب الأمة في حال تهاوي العلاقة مع الحكومة لنقطة الصفر قد يذهب بعضهم للسجون والمعتقلات، ويجد الأمير “عبد الرحمن الصادق” نفسه أمام خيارات صعبة جداً.. كما هو الآن.. أن تعتقل شقيقات الأمير.. وينكل بالوالد.. وتبطش السلطة بالحزب وقادته يصبح وجود الأمير في القصر الرئاسي في مهب الريح.. وربما دفعته الأوضاع المأزومة لتقديم استقالته من منصبه الحكومي.. وتلقائياً تتم إحالته للتقاعد ليعود الأمير لما قبل جيبوتي!! وتخسر الحكومة حليفاً إستراتيجياً مثل حزب الأمة والأمير “عبد الرحمن الصادق” الذي وقف مسانداً للإنقاذ في أزمتها الكبيرة ومحنها التي لا تنقضي.. وقف مندداً بالمحكمة الجنائية ومحاولة توقيف “البشير”.. ورفض التدخل الأجنبي.. وأدان مثل والده “الصادق” علناً غزوة “خليل إبراهيم” لأم درمان.. وساند الدولة حينما اندلعت الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ولم ترعبه أحداث سبتمبر مثل السيد الآخر الذي خرج ولم يعد حتى الآن.
وكتاب الأمير في صفحات الإنقاذ يفيض بالمواقف النبيلة ولكن عواصف السياسة التي تهب الآن على علاقة الحكومة بحزب الأمة قد تضعه خارج أسوار القصر قريباً جداً، إلا إذا عاد العقل والوعي لكل الطرفين.. وأسند أمر الحوار مع حزب الأمة لشخصيات تجد القبول عند الطرف الآخر كالبروفيسور “غندور” والدكتور “مصطفى عثمان” من الحكومة، أما من جهة حزب الأمة فإن الإمام “الصادق” لوحده قادر على ترطيب المسافة الفاصلة بينه والرئيس “البشير”، ولكن القوى المتربصة بعودة “الصادق” داخل المؤتمر الوطني نافذة جداً.. وناشطة في دفعه دفعاً نحو الابتعاد عنها.. وفي ذات الوقت يبدو صقور التشدد والتيارات الرافضة لوجود الأمير “عبد الرحمن” في القصر داخل حزب الأمة سعيدة جداً بتدهور العلاقة مع النظام، وتحمل كل يوم أدوات الحفر العميق وتستعين بكل مكدر لمساعدتها في دفن العلاقة مع النظام في مقابر “أحمد شرفي”.
والأمير “عبد الرحمن” في موقع لا يحسد عليه.. ومنصب بات قطعة من جحيم.. هل يقف مع أسرته ووالده وحزب الأمة الذي يطمع في قيادته في قادم الأيام؟؟ أم يحتفظ بموقعه الحالي قناعة منه بأن النظام الذي هو جزء منه لم يرتكب جنايات في حق حزبه.. وأن الماضي قد يعود.. وتصفو الأيام بعد كدرتها وكل دور إذا ما تم ينقلب.