المجلس الوطني .. جرد الحساب قبل خطبة الوداع !!
مع نهاية الدورة الحالية
تقرير – إيمان عبد الباقي
قبل جلوس رئيس البرلماني الحالي الدكتور الفاتح عز الدين علي مقعد من سبقه أعلن مولانا أحمد إبراهيم الطاهر عن تكوين لجنة عليا (لتقييم أداء البرلمان منذ العام 2005م أي منذ قيام البرلمان الانتقالي وحتى الدورة الحالية في البرلمان المنتخب، وحتي الآن لا أحد يعرف مصير اللجنة، فقد انتهت الدورة دون أن يعلن عن نتائجها ويبدو أن قرار تشكيلها انتهى بنهاية فترة صاحبها.
شهادتي لله
كنت شاهدة كغيري من المواطنين السودانيين على الانتخابات الأخيرة التي جرت في أبريل من العام 2010م والتي فاز فيها المشير “عمر حسن البشير” كرئيس للجمهورية لخمسة أعوام، وتم انتخاب كل النواب الذين يمثلون الشعب في البرلمان كل حسب منطقته ودائرته الجغرافية، وكغيري من المواطنين الذين صوتوا للانتخابات أو الذين لم يصوتوا كانت آمالنا وتوقعاتنا كبيرة بأن الأمور ستتغير للأفضل إن لم تكن بدرجة (جيد) فعلى الأغلب (مقبول)، لكن على أسوأ الفروض لم نتوقع أبداً أن نصاب بخيبة الأمل التي نحن عليها الآن في غالبية من اخترناهم عبر صناديق الإقتراع بعد مرور خمسة أعوام على الانتخابات فخلال الحملة الانتخابية التي جرت في كل أحياء ومدن السودان شاهد الناخبون واستمعوا لشعارات وخطط وطموحات ووعود بمستقبل مشرق وخدمات ممتازة لصالح ممثلي الشعب ونوابه بالمجلس النيابي القومي، الآن وبحسب تأكيدات ذات المستمعين السابقين، فإن كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح، فبرغم مرور تلك الفترة إلا أن القليلين فقط استطاعوا أن يحققوا جزءاً يسيراً من الانجازات التي وعدوا بها،
صوت الشعب
وبسؤالنا لأحد المواطنين عن نائب دائرتهم وممثلهم في البرلمان ونوعية وحجم الخدمات التي قدمها للمنطقة قال لـ(المجهر): لم نتوقع منه مواقف بطولية بالطبع، لكن كنا نرغب في حلول وسطى فنحن واقعيون، واستطرد قائلاً (مرشحنا بعد فوزه أولانا ظهره واختفى تماماً عن الظهور المباشر ولم نعد نرى صورته إلا في شاشات التلفاز ونقرأ اسمه على صفحات الجرائد).
الانتقالي والمنتخب
وبحسب نائب الأمين العام للمجلس الوطني خلال حديثه لـ(المجهر) حول عدد أعضاء الأحزاب المشاركة في البرلمان الانتقالي في الفترة من (2005م حتى نهاية 2009م)، أكد أن عدد الأحزاب السياسية المشاركة كانت (17) حزباً بعد أن تم اختيار الكوادر التي تمثلهم داخل البرلمان، وقد منحت المرأة تمثيلاً مقدراً بلغ (76) مقعداً، ويشار إلى أن المادة (117-1) من الدستور الانتقالي نصت أن يكون مجمل العضوية (450) حسب الظروف التي اقتضها اتفاقية السلام الشامل، فيما خصص رئيس الجمهورية بالتشاور مع النائب الأول (قبل الانفصال) نسبة (70%) من المقاعد للشمال، ونسبة (30%) للجنوب، وكانت نسبة حزب المؤتمر الوطني (52%) والحركة الشعبية (28%) والقوى السياسية الشمالية (14%) والقوى السياسية الجنوبية (6%)، فصلت كالتالي (225) مقعداً للوطني، و(126) للحركة، و(20) للتجمع الوطني، و(10) للاتحادي، و(3) الأمة الإصلاح والتجديد، و(3) للأمة الفدرالي، و(5) الأمة القيادة الجماعية، و(3) لأنصار السنة، و(3) الأخوان المسلمين، و(5) للأحزاب الشمالية الأخرى، و(5) لجبهة الإنقاذ الديمقراطية، (10) لاتحاد الأحزاب الأفريقية، و(3) للجبهة الديمقراطية المتحدة، و(4) للمنبر الديمقراطي، (5) حزب سانو، و(8) لجبهة الشرق، و(12) لحركات سلام دارفور.
وأشارت بعض تقارير المجلس إلى أن البرلمان الانتقالي تم فيه لأول مرة استحداث آليات الكتل والهيئات البرلمانية النسوية، كما أتيحت الفرصة لقيادات الأحزاب لاختيار كوادرهم، ومارس الأعضاء دورهم بشفافية من خلال استدعاء الوزراء وإعادة ورفض بيانات وتقارير.
إسقاط عضوية
وبحسب حضورنا أول جلسة للبرلمان بعد الانتخابات التي جرت في أبريل 2010م (قبل الانفصال) بدأ البرلمان المنتخب بجلسة إجرائية لاختيار رئيس للبرلمان (كان متفق عليه مسبقاً بين أعضاء المؤتمر الوطني)، حيث ترأست الجلسة أكبر الأعضاء سناً وهي البرلمانية عن المؤتمر الوطني “د. سعاد الفاتح” وتم انتخاب مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” رئيساً للبرلمان بعد فوزه على مرشح المؤتمر الشعبي “د. إسماعيل حسين” الذي حصل على (24) صوتاً فقط، علماً بأن عدد أعضاء الشعبي (4) نواب من الدوائر النسبية لولاية جنوب دارفور.
ويشار إلى أن مجمل العضوية في البرلمان المنتخب بحسب نائب الأمين العام بلغ (450) عضواً بما فيهم نواب الحركة الشعبية البالغ عددهم (99) عضواً، إلا أن الوضع اختلف بعد الانفصال وتناقص العدد بعد إسقاط عضوية الحركة الشعبية ليصبح مجمل العضوية حوالي (354)، وتم تقسيم المقاعد بحسب الأحزاب المشاركة في الحكومة، وخصص النصيب الأكبر من المقاعد (322) للمؤتمر الوطني و(5) للحركة الشعبية بـ”جنوب كردفان” و”النيل الأزرق”، (2) للاتحادي الأصل، (4) للمؤتمر الشعبي، (3) للأمة الفيدرالي، (4) للاتحادي الديمقراطي، (2) للأمة الإصلاح والتنمية، (1) للإخوان المسلمين، (1) للأمة، (1) للأمة الوطني، (1) للأمة القيادة الجماعية، و(3) أعضاء مستقلين، فضلاً عن وجود (5) دوائر شاغرة.
اعترافات ومفاجآت
يرى عدد من المراقبين للساحة السياسية أنه وعلى الرغم من أن البرلمان السابق كان (معينا)، إلا أن مساحة الحرية كانت أفضل قليلاً من البرلمان الحالي (المنتخب) الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم باعتبار أن النواب ليس لهم حول ولا قوة لإحداث التغيير المطلوب، وأشاروا إلى وجود بعض الأصوات المعارضة في البرلمان السابق التي كانت تقف إلى جانب المواطن وتنادي بحقوقه.
وحول أداء كل برلمان والخدمات التي ساهم في تقديمها كل نائب لدائرته يقول النائب البرلماني عضو المؤتمر الوطني عن الدائرة الجغرافية “الفتح” و”الريف الشمالي” أم درمان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في ذلك الوقت “محمد الحسن الأمين” (مرشح الآن في الدوائر النسبية) خلال حديثه لـ(المجهر) بعد مرور أكثر من عامين على انتخابه إن أعباء البرلمان الانتقالي كانت كبيرة بسبب المتغيرات التي اقتضتها (اتفاقية نيفاشا) كإنشاء المفوضيات، إلى جانب الاستفتاء في ظل احتمال الوحدة أو الانفصال، فضلاً عن وجود معارضة مدمجة من الحركة الشعبية كشريك في الحكم ومعارضة غير معلنة من جانبها ومن بعض الأحزاب الأخرى، ونبه إلى أن البرلمان الحالي أيضاً تقع عليه أعباء أخرى كتعديل القوانين والقضايا العالقة وإعداد دستور جديد، وبشأن الخدمات التي قدمها لأبناء منطقته ومدى رضاه عنها اعترف بأنه غير راضٍ عما قدمه ويرجع تقصيره إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي يؤكد أنها حالت بينه وبين تحقيق انجازات لأهله في المنطقة، لكنه عاد وقال برغم ذلك استطعنا بالتعاون مع نائب الدائرة بالمجلس التشريعي الولائي تقديم خدمات في مجال المياه والكهرباء، الصحة والمساجد، ويؤكد الأمين بأنه لا يغيب عن دائرته إلا إذا كان خارج البلاد بحكم ارتباطه الاجتماعي والأسري بالمنطقة.
وفي اعتراف مشابه بإحدى الصحف من رئيس كتلة الهيئة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني (السابق) نائب الدائرة الجغرافية “د. غازي صلاح الدين” عن علاقته بدائرته الانتخابية قال (أنا أعيش داخل الدائرة وأتعامل يومياً مع قضاياها ومع ذلك أراني مقصراً).
فـ”مهدي عبد الرحمن أكرت” نائب دائرة “بارا الشرقية” يري أن البرلمان المنتخب استيقظ متأخراً ونشط في إحداث ثورة إصلاحية قانونية بعد ضغط من النواب بأن الإصلاح الاقتصادي لا يتم إلا بالقانوني للحد من ظاهرة المال المجنب، يقول “أكرت” برغم نجاح البرلمان في جانب التشريع، لكنه بالطبع فشل في الجانب الرقابي على الجهاز التنفيذي ومحاسبة الوزراء على تقصيرهم في الأداء والدليل تقرير المراجع حيث عجز البرلمان عن الضغط على وزير العدل لتحريك إجراءات ضد المعتدين وإعادة الأموال، ونجد أنه وفي ظل نظام رئاسي وحزب يمتلك الأغلبية سيظل البرلمان لا يحرك ساكناً وسينحصر دوره في تعديل ومراجعة القوانين التي تأتيه من الجهاز التنفيذي.
ومن أعضاء الحركة الشعبية بولاية “النيل الأزرق” الذين تقدموا بطلب لمفوضية الأحزاب لتغيير اسم حزبهم أقر رئيس كتلتهم “كومندان جودة” بفشلهم في تقديم يد العون لأبناء ولايتهم، يقول “جودة” في إحدى الجلسات (نحن نرغب بتقديم استقالتنا لأننا كنواب ما قادرين نعمل حاجة لأهلنا الوضع الإنساني سيئ وأهلنا تعبانيين).
مع الجماهير
ويؤكد عضو البرلمان الانتقالي السابق الأستاذ “محمد وداعة” في حديثه لـ(المجهر) برغم أن البرلمان السابق (معين)، لكن كان هناك توافق بين القوى السياسية المشاركة في اتفاقيات السلام من حركات دارفور، الحركة الشعبية، اتفاق الشرق، والتجمع الوطني وبقية القوى السياسية الأخرى فكانوا أقرب لتمثيل الشعب بالذات فيما يتعلق بقضايا المواطنين كالميزانية، الوضع الاقتصادي، السلام والشأن العام، وكان البرلمان حينها يرفض كثيراً من محاولات الجهاز التنفيذي لزيادة العبء على المواطن برفع الدعم عن المحروقات، والجميع يتذكر مشاركة نواب البرلمان في مظاهرات 2008م ضد رفع الدعم، ويمضي “وداعة” في تأكيده بأن النواب المعينين كانت لهم الجرأة على التعامل مع خطابات الوزراء بالنقد والتمحيص والرفض أحياناً، ويقول “وداعة”: حقيقة لا يوجد صوت معارضة قوي في البرلمان المنتخب لان أغلبية النواب تتبع للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم، لكن كان على النواب الوقوف إلى جانب الشعب والالتزام ببرامجهم الانتخابية التي التزموا فيها بمساندة الجماهير التي انتخبتهم بدلاً من التصفيق لتأييد زيادة المحروقات والسلع. ولا يبرئ “وداعة” نفسه من التقصير وهو يشير إلى عدم رضاه عن أدائه في البرلمان السابق، ويرجع غالبية أسباب تقصيرهم كنواب إلى الشراكة القائمة بين (الوطني والحركة الشعبية) في ذلك الوقت، حيث كان الوطني متحالفاً مع الحركة مما أدى إلى تمرير الكثير من القرارات البرلمانية بالأغلبية الميكانيكية وتم في تلك الفترة إنتاج قضايا وقوانين خطيرة كالاستفتاء، قانون الأمن، قانون الصحافة، قانون النقابات وغيرها.
بحسب رأي البرلماني السابق الأستاذ المحامي “علي السيد” لا فرق بين البرلمان الحالي والسابق برغم وجود أصوات معارضة في الأخير وحتى إن كانت فيه أصوات معارضة فهي لم تمارس بصورة فاعلة، حيث كان يجب أن تقسم إلى اثنين (حكومة معارضة) وتأتي بإجراءاتها الصحيحة لتبدي رأيها بالرد على الحكومة. والبرلمان المنتخب فيه ثلاثة أو أربعة أصوات معارضة تنتمي للمؤتمر الشعبي لكن لم تؤتي لهم الفرصة إذاً من ناحية إجرائية لا فرق، فهو لم يستجوب أو يرفع توصية بعزل وزير، فلا يوجد برلمان حقيقي لا هذا ولا ذاك، فكل ما يجري تأييد للجهاز التنفيذي ولا تشعر بوجود ديمقراطية فلا خلاف بين المؤتمر الوطني في البرلمان وداخل السلطة، فهو لا يمثل الشعب بل أحياناً يسبق الحكومة في قراراتها ضد المواطنين، وقول “السيد” في حديثه لـ(المجهر) بالتالي لا يحس المواطن بان هناك من يدافع عن حقوقه ويواجه الحكومة.
شعب في خدمة النواب
وبالنظر إلى رأي بعض المواطنين عن ممثليهم في البرلمان القومي يقول أحد مواطني مدينة “الجيلي” شمال بحري عن النائب “د. عوض الجاز” ممثل الدائرة (20) عن المؤتمر الوطني التي تبدأ من منطقة “أبو حليمة الجيلي” وحتى منطقة قري (بعد فوزه في الانتخابات جياتو للمنطقة بقت نادرة جداً)، وذكر أن هذا حال معظم المرشحين في غالبية الدوائر الجغرافية الأخرى، واستشهد بحادثة تهالك (مدارس الجيلي) التي تحتاج لصيانة، حيث لم يكلف نفسه عناء المساعدة في تأهيلها، كما لم يستطع حل المشاكل البيئية الناجمة عن مصفاة البترول
بالنسبة إلى منطقة “الدروشاب”، “الكدرو” و”الازيرقاب” والتي يمثلها النائب البرلماني عن المؤتمر الوطني “عباس الخضر” تقول المواطنة “آمنة الأمين” (نحنا بنخت يدنا في قلبنا من يبدأ الخريف لحدي ينتهي)، لا توجد مصارف المياه تغمر حتى المنازل المرتفعة، إضافة إلى أن الشوارع المسفلتة انتهت تماماً، فضلاً عن انتشار الذباب والبعوض،
برلمان بصمجي
يؤكد الأستاذ والمحلل السياسي “حمد حاوي” عدم وجود اختلاف كبير بين البرلمان المعين والمنتخب، وبرأيه أن الأول (معين) والثاني (شبه معين)، بما أن الأخير تم ترشيح نوابه من حزب المؤتمر الوطني والأول تم تعيينهم من نفس الحزب، يرى أن الاختلاف الوحيد أن النواب لديهم التزامات من دوائرهم يحاولون الالتزام بها ومراعاتها وليس مصلحة الحزب فقط، بل مصلحة الناخبين، بالتالي تزيد درجة على المعين، لكنه لا يرقى لمستوى التنافس الذي توجد فيه قوى سياسية مختلفة، فهو بالتالي أقرب لاتجاه واحد مما يعني أنه سيظل يبصم على قرارات الحكومة دون الوقوف في وجهها وكما قال زعيم حزب (الأمة القومي) الإمام “الصادق المهدي” (برلمان بصمجي).